home-icon
book-img

الإيجابية في الحياة

الطبعة: N- A

دار النشر: N- A

للحصول علي النسخة المطبوعه : N- A

تحميل نسخة إلكترونية: تحميل الكتاب

نبذه عن الكتاب:

يتناول الكتاب مفهوم “الإيجابية في الحياة” كنهج شامل لا يقتصر على جانب معيّن من الأعمال، بل يشمل كل فعل يخطو به الإنسان نحو خيرٍ يُحقق منفعة في الدنيا، شرط أن يكون مباحًا وموافقًا للأصول الشرعية. وينطلق البحث من أصل الإيجابية باعتبارها عبادة إذا ما رُبطت بالنية الصافية لطلب رضا الله؛ فيرشد القارئ إلى كيفية تخطيط هذه الأعمال وأدواتها المشروعَة، قبل أن يستعرض النتائج العظيمة المترتبة عليها، مثل الاطمئنان النفسي والترابط الأسري والتكافل الاجتماعي، إضافة إلى صون القيم والأخلاق وقوة الأمة. ويبرز الكتاب أهمية الإيجابية عبر ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، حكمة الله في استخلاف الإنسان وإتاحته الفرصة لعبادة الكون بأعماله اليومية؛ ثانيًا، سنة التفاوت بين البشر كأرضية للاختبار والمحافظة على التلاحم الاجتماعي عبر تكامل التخصصات والقدرات؛ وثالثًا، النجاح في التفاعل مع الحياة بعمل صادق وإتقان يرفع الأعمال إلى مرتبة العبادة، سواء في التجارة أو الطب أو التعليم. وختامًا يدعو المؤلف إلى أن يكون هذا البحث علمًا نافعًا يثمر خيرًا في الدنيا والآخرة.

تحميل نبذه عن الكتاب

عن الإيجابية في الحياة

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:

إن مفهوم الإيجابية أو العمل الإيجابي واسع ومتشعب، ولا يمكن حصره في مجال محدد، أو أعمال معينة، إذ أن كل عمل يقوم به الإنسان، سواء من الفروض والواجبات الشرعية، أو فيما يتعلق بالأمور الدنيوية والشؤون الحياتية، يدخل في دائرة العمل الإيجابي، بشرط أن يحقق المنفعة، ويكون مباحًا، ولا يكون مخالفًا للأصول الشرعية وثوابتها.

وهذا البحث المتواضع هو بيان لهذا المفهوم من جميع جوانبه، من حيث الانطلاق والأصل الذي يصدر منه العمل الإيجابي، ومرورًا بالتخطيط له مع ذكر الآليات والوسائل المشروعة المستخدمة، وانتهاء بالنتائج الإيجابية العظيمة التي يتركها العمل الإيجابي في واقع الناس، من راحة واطمئنان نفسي، وترابط أسري، وتكافل اجتماعي، وسلامة على العقائد والتصورات والقيم والأخلاق، إضافة إلى أثره الكبير في قوة الأمة في الميادين المختلفة.

وتتوضح أهمية الإيجابية من خلال المحاور الثلاثة الآتية:

أولاً: حكمة الله في استخلاف الإنسان :

إن في خلق الكون والإنسان والحياة حكم وعلل، لا نعرف منها إلا ما أخبر الله بها، وقد أخفى الله هذه الحكم عن ملائكته، قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 30].

ولكن هناك بعض الحِكم الظاهرة التي أخبر الله عنها من وجود الإنسان واستخلافه في الأرض، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. وعبادة الله تعالى هي العمل بأوامره والانتهاء عن نواهيه، بجميع أشكاله وأنواعه، الدينية والدنيوية، وهو العمل الإيجابي نفسه الذي نحن بصدده.

حيث يستطيع المؤمن أن يحوّل كل حركاته وسكناته إلى عبادة إذا أخلص النية لله تعالى وربط بين عمله ورضا الله.

ثانيًا: سنة الله في التفاوت بين البشر:

كما إن من الحِكَم الغائبة عن البشر أيضًا، التفاوت والاختلاف بينهم، في الأعراق واللغات والألوان، وفي الأفكار والتصورات والقدرات والطاقات، وفي المناصب والشهادات والأموال، وغير ذلك من أنواع التفاوت. والحكمة الظاهرة من هذا التفاوت هي الابتلاء والاختبار للبشر، كما بيّنها الله تعالى بقوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام: 165].

وهذه السنّة الربانية تحدد للإنسان مجالات يتحرك فيها وفق هذه التقسيمات المختلفة، وهو مطالب – حسب هذه البيئة – بالعمل الإيجابي نحو الآخر، لأن كل الشرائح التي تشكّل هذه التقسيمات بحاجة إلى بعضها البعض، فالأعجمي بحاجة إلى العربي، والعربي بحاجة إليه أيضًا، والطبيب بحاجة إلى المهندس والمهندس بحاجة إلى النجار، والغني بحاجة إلى العامل الفقير، والفقير بحاجة إلى الغني وهكذا.

ويتحدد مفهوم الإيجابية من خلال هذه الممارسات المختلفة لجميع البشر، كل حسب طاقته وتخصصه والإمكانات المتوفرة لديه، وهي الصورة التي بيّنها الله تعالى بقوله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: 32].

ثالثًا: النجاح في التفاعل مع الحياة :

بعد أن يتعرف الإنسان على الحِكم الظاهرة التي بيّنها الله تعالى من وجود الإنسان واستخلافه في الأرض، وبعد أن يتعرف على سنته تعالى في التفاوت بين البشر في الرزق والقدرات والإمكانات، فإن عليه أن يتفاعل مع الحياة بإيجابية وفق هذه المنظومة الربانية، فيبدأ بالعمل والحركة من منطلق إيماني، ويبني كل أعماله وأقواله على هذا الأساس، وهو امتثال لأمر الله تعالى في قوله: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105].

فالتاجر يكون في حالة عبادة أثناء تجارته إذا صدق مع الناس وأخلص في الإنتاج والسلع، والطبيب يكون في عبادة إذا عالج المريض بإخلاص ولم يكلّفه فوق طاقته، والمدرّس يكون في عبادة إذا قام بأداء رسالة التربية والتعليم باستقامة وإخلاص، وهكذا فإن جميع الأعمال الإيجابية يمكن أن تتحول إلى عبادة بهذا الشكل. وهذه المحاور الثلاثة مجتمعة تحدد أهمية العمل الإيجابي في الحياة، والذي يرتبط ارتباطا وثيقًا بوجود الإنسان.

وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا البحث ويجعله من العلم النافع الذي ينفع صاحبه وغيره في الحياة وبعد الممات، إنه سميع قريب مجيب.

هذا وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.