

إن الله كتب الإحسان على كل شيء
الطبعة: N- A
دار النشر: N- A
للحصول علي النسخة المطبوعه : N- A
تحميل نسخة إلكترونية: تحميل الكتاب
نبذه عن الكتاب:
هذا الكتاب ينبع من فهم عميق لشمولية الدين الإسلامي وكماله، مستنداً إلى الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة كمصدرين أساسيين لا ينفكّ عنهما طالب الهدى. يبدأ المؤلف بتبيان مقام الرسالة المحمّدية كرحمةٍ للعالمين، ثم يوضح مقام الشريعة الإسلامية التي جاءت لتكون هدى ونوراً يعينان على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد، مستشرفاً أهمية العودة إلى المنهلين الصافيين: كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، فالتمسّك بهما مفتاح رضوان الله ومقاصد السعادة في الدنيا والآخرة. ومن هنا يتركز هدف الكتاب على دراسة مفهوم «الإحسان» كما ورد في الحديث النبوي الشريف: «تركت فيكم أمرين…»، مستنداً إلى الآية الكريمة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ…﴾، مستعرضاً دلالاته وأثره في تربية النفس وتزكيتها، وإرساء قيم العدل والعفو والكرم في المجتمع. وقد سعى المؤلف إلى لغة وسطية تجمع بين الإيجاز والإطناب، إذ يكفي الإشارة لتفاصيلٍ غنية تغني عن الإسهاب، ويعمد في آنٍ واحد إلى تنبيه الغافل وتعليم المتعلم، مع إحيائه لدروسٍ عملية تُعين الداعي والمربّي على صقل ممارسته لإحسانه لله وللناس.
تحميل نبذه عن الكتابعن إن الله كتب الإحسان على كل شيء
الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين؛ الذي بعثه الله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين الذين اقتفوا أثره، وسلكوا نهجه، وآزروه في المحن والشدائد، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن دين الإسلام دين كامل وشامل، دين السعادة والراحة والطمأنينة، ارتضاه الله لهذه الأمة، وأكمله على حبيبه وخيرة خلقه؛ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3] فلا يقبل دين عند الله سواه، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85].
وإن الشريعة الإسلامية قد تميزت عن سائر النظم والنظريات والأديان في القديم والحديث، بما لديها من مصادر للتشريع، وتلقي العلوم والمعارف، تلك المصادر التي تستمد قوة بقائها وصلاحيتها من الله تعالى، خالق البشر وفاطرهم، والعالم بحاجاتهم وأحوالهم، فوضع هذه المصادر لتكون هدىً ورحمةً لهم في تحقيق المنافع ودرء المفاسد، ورأس هذه المصادر الكتاب والسنة، كما جاء في الحديث: «تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما؛ كتاب الله وسنة نبيه» (رواه مالك في الموطأ).
فكل من يريد معرفة الشريعة، والعمل بها؛ فلا بد له من الرجوع إلى هذين المصدرين الأساسيين، والنهل من هذين المنبعين الصافيين، والعض على هذين الأساسين المتينين بالنواجذ، حتى يفوز برضا الرب تبارك وتعالى، ويدخل الجنات العلى.
واستشعارًا بأهمية المصدر الثاني من هذين المصدرين قمنا بدراسة بعض الأحاديث النبوية المشرقة؛ دراسة حديثية توجيهية، ومنها هذا الحديث النبوي الرائع الذي يهتم بمبدأ عظيم من مبادئ الإسلام، وهو «الإحسان». ذلك المبدأ الذي أمر الله به في كتابه العزيز في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل:90].
قال ابن مسعود: «هذه أجمع آية في القرآن؛ لخير يمتثل، ولشر يجتنب».
وقال النقاش: يقال: «زكاة العدل الإحسان، وزكاة القدرة العفو، وزكاة الغنى المعروف، وزكاة الجاه كتب الرجل إلى إخوانه».
وفيما يلي من الصفحات نعيش في رحاب هذا الحديث الشريف فهمًا ودراسةً واستنباطًا للأحكام القيمة، والدروس النافعة لكل مسلمٍ، ولكل مستقيمٍ على هذا الدين، ولكل من يريد رفعة درجاته، وتكفير سيئاته، ولكل داعيةٍ يريد سلوك صراط الله تعالى على فهمٍ وبصيرةٍ.
وتأتي هذه الأهمية العظيمة في مثل هذه الأوقات التي اختلطت فيها المفاهيم بين غلوٍ وتقصيرٍ، وإفراطٍ وتفريطٍ، ومزجٍ للمصطلحات، وعدم تمييزٍ بينها، وإعمال بعضها في موضع الآخر، وإهمالٍ لكثير منها، فطبّق الإسلام منقوصًا، وحدث عدم التوازن، وحمّل ما لا يحتمل، فجُرّت الويلات على الإسلام وأهله، فوجب البيان مستندًا لحديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام.
وقد توخيت في هذا البيان محاولة التوسط بين الإيجاز والإطناب، مذكرًا للعالمِ، ومعلمًا للمتعلمِ، ومنبهًا للغافلِ، فيه الإشارة تغني عن صريح العبارةِ، والإيجاز عن الإطنابِ.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويزيدنا هدىً وتقىً, وعلمًا نافعًا، وعملًا صالحًا، وأن يجعل هذا العمل من المدخرات، وأن يعفو عن الزلل والتقصير؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.