home-icon
icon1
السؤال
سؤال عن مبدأ السعة
icon1
الإجابة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يبحث الإنسان كثيراً عن مواطن راحته وطمأنينته، وقد يعمق البحث في جزئيات من سبل الحياة ووسائلها علّه أن يصل إلى مبتغاه، ولكنه قد يزداد تيهاً وضياعًا، وقد يصل إلى نقاط ضيقة وحرجه، فيحرج نفسه، ويضيق على غيره، ونحن بفضل الله تعالى قد أنعم علينا بهذا الدين الذي أخرج الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الظلمة إلى النور، ومن التخبط إلى الاستقامة، ومن الضيق إلى السعة، ومن الظلم إلى العدل. وعند التمعن في هذا المعنى الكبير والمقصد السامي ومقارنته بأعمال كثير من المسلمين وتصرفاتهم، ليحزن كثيراً لعدم وضوحه في حياتهم، أو لضعف تمسكهم به، أو فهمهم المخالف له، ونجلي ذلك في الفقرات التالية:

1- من مقاصد الدين ترسيته للقيم العليا من الرحمة والمحبة والسماحة، والتعامل باللين واللطف، والقول الحسن، والنية الطيبة والإحسان، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، وقال سبحانه: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، وقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّـهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].

2- ومن السنة أحاديث لا تحصى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الله» (ابن دقيق، الاقتراح:127، صحيح)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلاّ غلبه» (صحيح النسائي:5049). هذا غيض من فيض من هذه الأدلة التي تؤصل مبدأ السعة والبر والرحمة والمحبة، وكلها تقتضي من المرء المسلم تصورها واستشعارها، ومن ثم نقلها إلى واقع حياته وتعاملاته مع الآخرين، فليست مبادئ نظرية نتغنى بها، وفي الوقت نفسه في مجال التطبيق نضيق على أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا فنضع الجميع في زوايا ضيقة تعود علينا جميعاً بالآثار السلبية فكراً وسلوكاً وتعاملاً.

3- وفي لمحة للواقع التطبيقي في دين الله عز وجل نجد هذا المبدأ ظاهراً لا ينكره إلا جاهل أو متحامل. ففي العقيدة الإله واحد سبحانه لا يحتاج إلى شفيع ولا وسيط فيخاطب عن طريقه، والتعبد له سبحانه بوضوح لا غموض فيه، ولا شكوك ولا أوهام، ولا التواء أو تعقيد.

والعبادة قامت على اليسر والسعة: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]. – فالصلاة خففت من خمسين إلى خمس بأجر الخمسين، ومن لم يستطع أن يصلي قائماً فليصل جالس، ومن لم يستطع أن يصلي جالساً فليصل مضطجعاً، ومن لم يستطع الوضوء فليتيمم. – والزكاة من مال الله تعالى، لا يخرج منها وجوباً إلا ربع العشر وبعد حلول الحول. – والصيام شهر في العام، وفي النهار فحسب، ومن لم يستطع في هذا الشهر لمرض أو سفر فعدة من أيام أخر. – والحج والعمرة مرة في العمر وبنيت على التيسير في أدائها. * وفي جانب الأخلاق والسلوك نجد التوجيهات: للتعامل بأقصى ما يستطيع الإنسان من الإحسان حتى مع المخالفين من الكفار وغيرهم، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «وخالق الناس بخلق حسن» (صحيح الترغيب:3160).

* وفي حال وقوع الأخطاء من المسلم في هذه الحياة، وهي كثيرة من العبد شرعت المكفّرات، ومن أهمها: 1. عمل الصالحات: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» (صحيح الجامع:97)، وقال تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. 2. التوبة والاستغفار مهما عظم الذنب، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53]. * وفي التعامل المالي جعل الأصل فيه الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، والمحرم هو القليل، والمباح كثير لا حصر له.

وغير ذلك مما لا يسعه هذا المقام، ولكن هذه إشارات يستدل بها على ترسيخ هذا المبدأ العظيم.