


قواعد منهجية في التربية النبوية
الطبعة: N- A
دار النشر: N- A
للحصول علي النسخة المطبوعه : N- A
تحميل نسخة إلكترونية: تحميل الكتاب
نبذه عن الكتاب:
يستعرض كتاب «قواعد منهجية في التربية النبوية» – كما يتجلّى من مقدمته – أهمية التربية كوظيفة أساسية في هذا الكون، لاختصاصها بالأنبياء والرسل الذين انطلقوا بمناهجهم التربوية لتشكيل هويات أممهم ومعتقداتهم. وينطلق الكتاب من تأصيل هذا المنهج في شخصية النبي محمد ﷺ، الذي جمع بين تقوى الله، والرقة في الدعوة، والصرامة عند حفظ حدود الشرع، فتجلّت آيات الرحمة واللين في تعامله مع الناس والأعراب والمجتمع بوجه عام، وفي الوقت ذاته ألفاظه الحكيمة التي تحفظ التوازن بين التيسير والتشديد. كما يبيّن الكتاب أثر الاقتداء بالنبي ﷺ على صحابته الكرام، الذين نقلوا هديَه عملاً وقولاً، وأكملوا مشوار التربية بالليل بالعبادة والنهار بنشر العطاء والخير، فكانوا خير قدوة للأمة. وينتهي التمهيد إلى أن هذه القواعد – باختصارها المفيد وتفصيلها المتوازن – تأتي لتكون دليلاً للأمة ومرشداً لأولياء الأمور والمربين، لتطبيق المنهج النبوي في شتى مجالات التربية والتعليم، راجياً الله أن يجعلها علماً نافعاً وأجرها محفوظاً.
تحميل نبذه عن الكتابعن قواعد منهجية في التربية النبوية
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأصلي وأسلم على نبينا محمد النبي المصطفى وعلى آله وأصحابه، ومن على نهجهم سار واقتفى، أما بعد:
فإن من المعلوم أن التربية من الوظائف الكبرى في هذا الوجود، بل هي وظيفة الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ينطلق منها كل قوم بحسب مبادئهم وهوياتهم ومعتقداتهم، وكل يسعى لنجاح منهجه التربوي، والشامل لأهدافه ووسائل تحقيقها.
وقد وضع رسول الله ﷺ منهجًا تربويًا متميزًا من خلال أقواله وأعماله وأسلوب حياته وتعامله، فالرسول ﷺ هو المربي الأكبر، ربّاه ربّه وأدّبه، وأنزل عليه وحيه وجعله قدوة للناس:
– فهو قدوة في تعامله مع ربه عز وجل: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا» (أخرجه البخاري).
– وهو القدوة في تعامله مع الناس، قال الله عنه: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 21)، وتقول عنه عائشة ك: «كان خلقه القرآن» (أخرجه مسلم).
– وقدوة في تعامله مع أهله فهو القائل: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (أخرجه الترمذي).
وقدوة في لطفه ورقته أثناء دعوته للناس ونصحهم وتوجيههم، قال الله عنه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).
– ولم ينهر عليه الصلاة والسلام الأعرابي الذي بال في المسجد، بل زجر من نهره من الصحابة، فلما قضى بوله دعاه وأخبره بأن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول أو القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن والصلاة، فأعجب الأعرابي بهذا الأسلوب اللين الرائع، فقال – كما جاء في إحدى الروايات -: «اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا» فقال عليه الصلاة والسلام: «لقد حجرت واسعًا» (أخرجه البخاري).
– وكان عليه الصلاة والسلام قدوة إذا انتهكت محارم الله، أو تعدي على حدود الله، أو تجاوز الناس منهجه بتشدد عسير، أو تساهل غير يسير، حيث يقول: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (أخرجه البخاري)، ويقول: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا، وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (أخرجه البخاري).
– ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم تأثّروا بهديه عليه الصلاة والسلام في التربية، فعملوا به ونقلوه إلى الناس من بعدهم قولاً وعملاً، وقد أثنى الله تعالى عليهم في كتابه العزيز بقوله: ﴿لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (الفتح: 18)، وقوله تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح: 29).
فهؤلاء الصحابة الذين اقتدوا بهدي النبي ﷺ هم الذين آمنوا به ونصروه وعملوا بما جاء به من الله تعالى وسارعوا في نشره والذب عنه في البلاد والأمصار.
وهؤلاء الصحابة هم الذي واصلوا الليل بالنهار في العبادة ونشر الخير في الأرض كما قال عنهم ربهم: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ۞ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ۞ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات: 17-19).
لقد ضرب جيل الصحابة أروع الأمثلة في الاقتداء بالنبي ﷺ والالتزام بما جاء به من الأحكام والتعاليم، حتى جعلهم الله تعالى من خير الأمم فقال: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (آل عمران: 110).
ويقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه في أخلاق هذا الجيل وما اتصف به «من كان منكم مستنًا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب رسول الله أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم حقهم وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم» (درء التعارض لابن تيمية).
هكذا كان منهجه عليه الصلاة والسلام في التربية، منهج تربوي متكامل، وهكذا كان اقتداء الصحابة رضوان الله عليهم بهذا المنهج، وتأتي هذه القواعد لاستقاء هذا المنهج بشيء من الاختصار غير المخل، والتفصيل غير الممل، هكذا قصدنا، لتكون منهاجًا للأمة ونبراسًا لأبنائها في دروب الحياة المختلفة، لا سيما أولياء الأمور والمربّين في مجال التربية والتعليم.
أسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الكلمات والقواعد، وأن يجعلها من العلم النافع المدخر، وأن يعظم فيه الثواب والأجر، ويعفو عن الزلل والخطأ ما كبر منه وما صغر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.