

اليسر والسماحة في الإسلام
الطبعة: N- A
دار النشر: N- A
للحصول علي النسخة المطبوعه : N- A
تحميل نسخة إلكترونية: تحميل الكتاب
نبذه عن الكتاب:
يتناول كتاب «اليسر والسماحة في الإسلام» طبيعة الدين الإسلامي بوصفه رسالةً سماويةً شاملةً نزلت لتكون رحمةً للعالمين، تقوم على توحيد الله سبحانه وتعالى وتنظيم حياة الإنسان بما يوافق فطرته وقدرته. يبدأ المؤلف بتوضيح أن الشرائع السابقة لطالما حملت صعوباتٍ على أقوامها ثم اندثرت أو حُرّفت مع مرور الزمن، بينما جاءت شريعة محمد ﷺ عامة ودائمة، جمعت بين ثوابتها ومراعاتها لظروف العباد، فأضفت على عباداتها ومناسكها سمةَ التيسير والسعة، تأكيداً لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. ويُركّز الكتاب على مبدأين رئيسين هما “التيسير” و”السماحة” مع بيان أسبابهما الشرعية والحِكم المقصودة منهما، من خلال استعراض النصوص القرآنية والحديثية التي تُبيّن عدم تحميل النفس ما لا تطيق، وإزالة الأثقال عن المسلمين. ثم يستعرض الكتاب عناصر البحث وفقاً للدعوة المنعقدة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مؤتمرها العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب، فبعد تعريف اليسر ومناقشة أركان هذا المنهج في الشريعة، يعرض القواعد الفقهية المستنبطة من النصوص، ويبيّن مجالات التطبيق العملية، قبل أن يُختم ببيان آثار الابتعاد عن روح التيسير في حياة الأفراد والأمم.
تحميل نبذه عن الكتابعن اليسر والسماحة في الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين، وبعد:
فدين الإسلام هو الدين الذي اختاره الله تعالى لعباده، منذ أن خلق الخليقة الأولى آدم عليه السلام، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ (آل عمران: 19)، ويقول أيضًا: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (آل عمران: 85). وجعل لهذا الدين محورًا واحدًا إلى يوم القيامة هو توحيده جل وعلا، وهو المحور الذي كان يدعو إليه الأنبياء والرسل أقوامهم وأتباعهم، يقول جل ثناؤه: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ (النحل: 36)، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56).
ولكن أحكام هذا الدين كانت تختلف من رسالة إلى أخرى، وكانت تلك الأحكام مقتصرة على أقوام وأفراد في زمان ومكان محددين، ولا تدوم أحكام أية رسالة بعد وفاة نبيها لأمد طويل، فسرعان ما يعتريها التحريف والتبديل، فيفسد التوحيد عند الناس، وتعم المعاصي والمظالم، حتى يرسل الله تعالى نبيًا آخر يجدد للناس دينهم، ويردهم إلى توحيد الله وهديه، هكذا كانت سنة الله تعالى في الأمم السابقة.
حتى بعث الله تعالى آخر رسله محمدًا ﷺ ومعه آخر رسالة، فجاءت هذه الرسالة عامةً للإنس والجن، والعرب والعجم، والأبيض والأسود، إلى قيام الساعة، وهي الرسالة التي حملت مضمونين جديدين، هما: الرخصة والعالمية، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107).
إن هذا الدين العالمي الذي يخاطب الناس كافة، بجميع أعراقهم وأطيافهم، في كل أرجاء الأرض، لابد أن يتميز بصفات وخصائص تتناسب مع أحوال الناس وظروفهم في البلاد المتفرقة من العالم، فجاء يحمل في أحكامه وتشريعاته التيسير والسعة، فلا تخلو فريضة من الفرائض ولا شعيرة من الشعائر إلا وقد أضفى عليها الله تعالى من اليسر ما يجعل الإنسان قادرًا على تطبيقها والقيام بها على الصورة التي أرادها الله تعالى ورسوله ﷺ؛ لأنه عزَّ وجلَّ لا يكلف النفس فوق طاقتها أبدًا: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾ (البقرة: 286).
وتتضح لنا هذه الحقيقة في رسالة الإسلام بشكل أكثر عندما تتم المقارنة بين ما كانت عليها الأمم السابقة من المشقة والعنت، وما صارت عليه أمة الإسلام من يسر وسهولة، يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف: 157).
فقد خفف الله تعالى عن عباده الأغلال والأثقال التي كانت ترافق شرائعهم فتثقل بها كواهلهم، وتصعب معها حياتهم، وهذا فضل كبير من الله تعالى على هذه الأمة، ولم يكن ذلك أمرًا عارضًا وإنما لحكمة يعلمها الله، أرادها لعباده تمشيًا مع فطرهم وإعانتهم في أداء طاعاتهم وعباداتهم، ومن ثم تحقيق مصالحهم في شؤونهم كلها، فكل حكم أو تشريع يحمل معه مصلحة للناس في أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وغير ذلك.
وإذا أردنا أن نخوض في أعماق مبدأ التيسير والسماحة في دين الله تعالى فإننا سنجد أنفسنا أمام بحر زاخر من الشواهد والنصوص والأحداث التي تقر هذا المبدأ، وتحث المسلمين على انتهاجه واتباعه؛ لذا سنتحدث عن هذا المبدأ الإسلامي العظيم من خلال بعض المعالم التي برز فيها واضحًا وجليًا بشيء من الإيجاز، وذلك حسب ما يتطلبه المقام؛ إذ إن هذا البحث كتب بناء على طلب (المؤتمر العالمي عن موقف الإسلام من الإرهاب) الذي ترعاه جامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية بالرياض.
وقد جاءت عناصر البحث كالآتي:
- مفهوم اليسر.
- الدين الإسلامي قائم على اليسر والسماحة.
- مرتكزات منهج اليسر في الشريعة الإسلامية.
- مجالات التيسير والسماحة في الإسلام.
- القواعد الشرعية المستنبطة من النصوص الواردة في التيسير.
- آثار الابتعاد عن منهج التيسير.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع به قارئه وكاتبه، وأن يجعله من المدخرات الباقيات ليوم الحساب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين