home-icon
من أنصار المرأة

الخطبة الأولى

الحمد لله خلق الناس من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه التي تتوالى تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أحاط بكل شيء خبرا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله أعلى الناس منزلة، وأعظمهم قدرًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بالإحسان إلى يوم يبعث من في الثرى، أما بعد:

عباد الله! اتقوا الله سبحانه وتعالى في أنفسكم وأهليكم ومجتمعكم وأمتكم، اتقوه ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

أيها المسلمون! في أوقات الأزمات والمحن، وتكالب الشرور والفتن، تختلط المفاهيم، وتلبس الحقائق أثواب الباطل، وتزين الرذيلة، وتصير الأقزام عند كثيرين قممًا شامخة، وترتفع أصوات النفاق والمنافقين لتحسن السيء وتشوه الوجه الحسن.

وأعداء الإسلام في القديم والحديث ناشطون ومجتهدون، باذلون ساعون، يفكرون، ويخططون لإقصاء المسلمين عن دينهم، والتلبيس عليهم فيه، ويرخص الغالي عندهم، ويسهل عليهم العسير في سبيل تحقيق مآربهم وأهدافهم مهما كلفهم الثمن، ولا غرابة في ذلك، فقد أخبرنا الله تعالى عن حقيقتهم وسعيهم وجدهم، حقائق ناصعة في كتابه الكريم: قال تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ۖ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: 89].

وقال سبحانه: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217] وهذا هو حالهم، ولكن الغرابة أن يتلقف هذا من أبناء المسلمين ليكتبوا وينافحوا وتعلوا أصواتهم فيما يريده أولئك الأعداء، ومن ذلك ما ينادي به زمرة من هؤلاء بين حين وآخر من دعاء مناصرة حقوق المرأة وإعطائها تلك الحقوق، وأنها مهضومة الحق في دين الله تعالى، ينادون ذلك في مختلف وسائل الإعلام، فنصبوا أنفسهم حماة عن المرأة مناصرين لها.

أيها المسلمون!

لنقف وقفة نجلوا فيها هذا الإجمال إلى شيء من التفصيل لنطرح سؤالًا مهمًا: من هم أنصار المرأة حقًّا؟ أهم أولئك الذين يريدون المرأة المسلمة أن تلحق بركب النساء الكاسيات العاريات اللاتي يوجدن في المراقص ودور السينما؟ وتروج بهن أسواق البغاء، وينتهي بهن المطاف إلى المصحات النفسية، وتقام عيادات الإجهاض، بل يسهمن في إهلاك الحرث والنسل، فيزين أولئك صورة تلك النساء للمرأة المسلمة؟ أم أن أنصار المرأة الذين يريدون أن يرتبط تاريخها بآسية التي خلد القرآن ذكرها، وبنى الله لها بيتًا في الجنة، ومريم التي أحصنت فرجها، وبارك الله في نسلها، وفي خديجة التي ناصرت النبي ﷺ، وعائشة العالمة الصديقة الفقيهة، وغيرهن من أمهات المؤمنين!!!

من أنصار المرأة حقًّا؟ أهم الذين يريدون لها اللهاث وراء السراب الخادع يتصبب جبينها عرقًا في المصنع؟ وتتورم يداها، وتتسخ ثيابها في الورشة والعمل، وتسوق في المتاجر لتجذب الزبائن، وتهدد بين حين وآخر بنقص المرتب أو بالفصل إذا لم تستجب لمطامع الطامعين!! أم أن أنصار المرأة الذين يريدونها مصونة مكنونة يزيدها خمارها وعباءتها جمالًا وهيبة، وتأمن من الذئاب والكلاب البشرية!!

من أنصار المرأة حقًّا؟ أهم الذي يحددون حقوقها في: قيادتها للسيارة فغاية مطلبهم أن تكون المرأة سائقة سيارة؟

وفي: تبرجها وسفورها، فهمهم التمتع بالنظر إليها وإرواء شهواتهم،

وفي: خلطتها بالرجال في التعليم، والإعلام والعمل وغيرها،

وفي: مزاحمتها للرجل في أعماله وإبعادها عن مكانتها الحقيقية لتكون: صانعة وعاملة شرطية ومنظفة ومسوقة بضائع.

وفي: مخالفة ما خلقها الله تعالى، من طبيعة لتعسر حالها وخلقتها، فتلبس ثوبًا ليس لها، وتخلع ثوبها.

إن غاية نصرة المرأة عند هؤلاء انتهاء طموحاتهم عند نزعها لحجابها، وقيادتها لسيارتها واختلاطها بالرجال، هل حقوق المرأة كذلك؟ فإن كانت كذلك فقد نالت ذلك في كثير من البلدان، فماذا حققت؟ وما النتائج الإيجابية العظيمة التي حصلت تلك المجتمعات عليها في انتصارها على أعدائها؟ وتقدمها العلمي وتفوقها العملي؟ وفي سعادة البيت والأسرة؟ أم أن أنصار المرأة حقًا الذين يطالبون بحقوقها الحقيقية:

بإيجاد ما يخصها من دور العلاج بمستشفيات خاصة لها دون حرج مع الرجال.

وحقها في التعليم بأن تصاغ مناهجها وفق طبيعتها التي خلقها الله تعالى، ووفق حاجاتها ووظيفتها.

وفي مراعاة طبيعتها وخلقتها بأن تراعى في وظيفتها، وفي تقاعدها وفي دوامها.

وفي قيامها بواجبها الدعوي لبنات جنسها.

وفي رعاية المطلقات والأرامل وصاحبات الاحتياجات الخاصة.

أيها المسلمون!

لا شك أن تلك دعوات محمومة، وإن بهرت وزخرفت ونفت وتباكت وأبكت، فما هي إلا استجابة لمناداة أولئك الأعداء الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: 19].

أيها المسلمون!

لقد كفل ديننا الحنيف للمرأة حقها منذ بعثة نبينا محمد ﷺ وليس حقها المزعوم، ألم يقرأ أولئك كتاب ربهم ويتدبروه ليفقهوا ما فيه؟ فقد رسم منهاجًا عظيمًا، ومعالم واضحة لا ريب فيها ولا غموض، وقد تعبدنا الله بالاستجابة له، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب: 36] وقال سبحانه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65] لكن في قلوبهم حرج لا يعجبهم ذلك، فقال تعالى فيهم: ﴿ فَكَيۡفَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّآ إِحۡسَٰنٗا وَتَوۡفِيقًا ﴾ [النساء: 62] وقد تواتر عند عامة المسلمين فضلًا عن علمائهم ودعاتهم ومتعلميهم ما كفله الإسلام للمرأة أُمًّا وزوجة وبنتًا، ومطلقة وأرملة ويتيمة، فقد قال، عليه الصلاة والسلام، عن الأم: «الزمها فإن الجنة عند رجلها».

وعن الزوجة: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، وقد فصلت كتب الأحكام والفقه تلك الحقوق وغيرها، فهل يعي أبناء المسلمين ذلك ليدركوا ما يخططه لهم أعداؤهم، ولا تنطلي عليهم تلك الصيحات المحمومة التي تريد ظلم نسائنا وبناتنا؟ إن الأمر جد خطير، وليتذكر أولوا الألباب ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37] أسأل الله أن يبصرنا بديننا.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي فتح لعباده طريق الفلاح، وأرشدهم إلى ما فيه الخير والصلاح، فمن سلك هذا الطريق، فله الفوز والنجاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالق الحب والنوى وفالق الإصباح، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي بددت رسالته ظلمات الجهل والظلم، كما بدد ظلام الليل نور الصباح، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ما أشرق الفجر ولاح، أما بعد:

أيها المسلمون!

إن الناظر في أحوال الإعلام المعاصر من فضائيات وغيرها يجد دعوات محمومة وبرامج مركزة لمحاصرة الفضيلة وخنقها، من امتهان المرأة، ونزع الحياء، وخلع ثوب العفاف، ومصادمة الفطرة وغيرها، فقد تكاثرت في هذه الأيام، والعاقل يسأل نفسه لماذا؟ والقرآن يجيب: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8].

أيها المسلمون!

إننا على ثقة- مهما تكالبت المدلهمات وأظلمت الطرق، وحورب الدين- أن المرأة في بلاد الحرمين لديها من الحصافة والوعي والثقة بدينها ما تميز به بين الضار والنافع، والأنصار والخصوم، وإننا على ثقة على يقظة ولاة أمرنا وعلمائنا، ودعاتنا وداعياتنا لمواجهة هذه الحركات مهما علت أصواتها وتأججت نيرانها، وسالت أقلامها، ولكنها عباد الله الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.

وصلوا وسلموا على من أرسله الله رحمة للعالمين، وهدى ورحمة للمؤمنين، كما أمركم الله جل وعلا في محكم كتابه الكريم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]