home-icon
مبطلات الصلاة ومكروهاتها

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانًا، وجعلها صلة بينهم وبينه ليزدادوا بذلك إيمانًا، وكررها كل يوم حتى لا يحصل الجفاء، ويسرها عليهم حتى لا يكون فيها تعب وعناء، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ورازقنا ومولانا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أخشى الناسِ لربه سرًّا وإعلانًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان ، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عباد الله! اتقوا الله، واعلموا أن من أفضل شعائر الإسلام، ومزاياه العظام الصلاة، فلقد جعل الله سبحانه الصلاة سببًا موصلة له إلى قربه ومناجاته ومحبته والأنس به.

عباد الله! الصلاة عبادة يجب فيها إخلاص النية لله تعالى، واتباع الرسول ﷺ؛ ففي الحديث، عن مالك بن الحويرث، عن النبي ﷺ قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري، فمن لم يتبع الرسول ﷺ في عباداته، فعبادته مردودة؛ لقول النبي ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» رواه مسلم؛ لذا تبطل الصلاة، ويفوت مقصودها، ويجب إعادتها بقول أو فعل ما يحرم فيها من الأمور التالية:

  1. الكلام عمدًا في غير مصلحة الصلاة أثناء الصلاة: يبطلها؛ لما روي عن زيد بن أرقم «كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: ﴿حَٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وَٱلصَّلَوٰةِ ٱلۡوُسۡطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَٰنِتِينَ ﴾ [البقرة : 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» رواه مسلم، ولا تبطل الصلاة بكلام في غير مصلحتها جهلًا أو خطأً، لقوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا  ﴾ [الأحزاب: 5] ولا تبطل بما يعرض للمصلي من عطاس وسعال وغيرهما؛ لأنه مغلوب عليه، وتبطل بتشميت العاطس، وكذا برد السلام، أو المبادرة به عمدًا.
  2. العمل الكثير المتوالي عرفًا من غير جنس الصلاة لغير ضرورة، فإن اجتمعت هذه الأمور صار العمل مبطلًا للصلاة؛ لأنه عمل من غير جنس الصلاة، وهي منافية لها كالكلام؛ لأن الذي ينافي الصلاة يبطلها، فالمسلم ينبغي له التأدب في هذا المقام العظيم، فلا يعبث فيها بكثرة حركة من تشبيك للأصابع، وبتحريك للقدمين، وتسوية للعمامة أو العقال، أو النظر في الساعة، وتحريك للأنف، والعبث باللحية، وقد رأى النبي ﷺ أقوامًا يعبثون بأيديهم في الصلاة، فقال: «مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شُمس، اسكنوا في الصلاة» رواه مسلم.
  3. زيادة فعل من جنس الصلاة عمدًا يبطلها: قيامًا كان أو قعودًا أو ركوعًا أو سجودًا، لأن هذه الأفعال تغير هيئة الصلاة؛ لقول النبي ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» كأن يركع مرتين في الركعة الواحدة، ويسجد ثلاث مرات في الركعة الواحدة عمدًا، أو يقعد في محل القيام عمدًا، أو يقوم في محل القعود عمدًا، وهكذا.
  4. القهقهة في الصلاة: بأن يضحك المصلي بصوت يسمعه هو أو غيره، فتبطل به الصلاة قلَّ أو كثر، لمنافاته للصلاة تمامًا، لأنه أقرب للهزل واللعب، أما التبسم بدون قهقهة، فلا تبطل به الصلاة؛ لعدم ظهور الصوت، وقد روي عن جابر أن النبي ﷺ قال: «القهقهة تبطل الصلاة، ولا تنقض الوضوء» رواه الدار قطني قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة، وأكثر أهل العلـم على أن التبسم لا يفسدها.
  5. تَرْكُ ركنٍ من أركان الصلاة، أو شرطٍ من شروطها عمدًا من غير عذر شرعي: لقول النبي ﷺ للمسيء في الصلاة: «ارجع فصل فإنك لم تصل» رواه البخاري، فمن ترك الركوع، أو السجود عمدًا مثلًا بلا عذر بطلت صلاته، وكذا من انصرف عن التوجه إلى القبلة، أو أحدث أثناء الصلاة، فصلاته باطلة.
  6. مسابقة الإمام في الصلاة: فالأصل متابعة الإمام، والعمل بعده، يقول البراء رضي اللَّهُ عَنْهُ : «كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع لم يَحْنِ رجلٌ منا ظهرَه حتى يسجد ثم نسجد بعده» رواه أحمد. فلا يجوز مسابقة الإمام، بل ولا مساواته ومجاراته، بل يسجد بعده.

عباد الله! هذه بعض من مبطلات الصلاة، فاحذروها واتقوها، حتى تقيموا الصلاة حق إقامتها، وتحفظوها من البطلان، وحتى تكون مقبولة عند الله جل وعلا.

عباد الله! إن الصلاة قرب للعبد من الله فيها يناجي ربه، كما أخبر النبي ﷺ: «إن أحدكم إذا قام في صلاته يناجي ربه، أو إن ربه بينه وبين القبلة» رواه البخاري.

اتقوا الله – عباد الله- وأحسنوا صلاتكم، وحافظوا عليها، واستعيذوا بالله من قلب لا يخشع، فقد كان نبيكم عليه الصلاة والسلام في دعائه يقول: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها» رواه مسلم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله! ومن مكروهات الصلاة كذلك :

  1. مدافعة الأخبثين في الصلاة: لحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النبي ﷺ قال: «لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان» رواه مسلم، وفي ذلك حكمة بليغة لما يتعلق بدفع ضرر بدني، ودفع ضرر يرتبط بالصلاة، فحبس البول أو الغائط أو الريح مُذهب للخشوع، لذا حقيق بالمصلي أن يتأهب للصلاة بما يليق مع جلال الوقوف بين يدي الله.
  2. التثاؤب في الصلاة: لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي اللَّهُ عَنْهُ  قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة، فليكظم ما استطاع» رواه مسلم ويندب وضع اليد على الفم؛ لما روي عن أبي سعيد قال: قال ﷺ: «إذا تثاءب أحدكم، فليمسك بيده على فيه» رواه مسلم فالتثاؤب مكروه في كل وقت، وفي الصلاة أشد؛ لأنه من الشيطان، وهو علامة على الكسل والفتور.
  3. عدم الخشوع في الصلاة: وقد فسر العلماء قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23] ففسروا الدوام بسكون الجوارح والأطراف، وقد بلي كثير من الناس اليوم بنقر الصلاة وسرقتها، فليس لهم في الصلاة ذوق، ولا لهم فيها راحة، بل إن لسان أحدهم يقول: «أرحنا منها يا إمام»، يستثقل أحدهم الوقوف فيها، وكأنه واقف على حجر يتلوى، يقول عليه الصلاة والسلام: «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته» قالوا: كيف؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها» والذي ينقر صلاته كالجائع قدم إليه طعام لذيذ جدًا، فأكل لقمة أو لقمتيـن، فماذا تغنيان عنه؟! ففي الحديث: «مثل الذي لا يتم ركوعه، وينقر سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئًا»، رواه الطبراني، وحسنه الألباني، والحاصل – عباد الله- أن حضور القلب والطمأنينة هو المقصود الأعظم في الصلاة، وإلا فما قيمة صلاتك، وقلبُك في كل وادٍ متشعب ما تدري ما تقول؟

هذا – أيها المسلمون- ما ينبغي أن يتحلى به المؤمن في صلاته، وهذا ما يرجى أن تتحقق معه الصلاة الحقيقية النافعة المقبولة عند الله، والتي ستكون لأهلها نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، وإن أي صلاة فقدت تلكم المعاني الروحية والطمأنينة التي هي روح الصلاة حقيقة، نافعة، وستقفل أمامها أبواب السماء، وتُلف كما يُلف الثوبُ الخَلَقُ ، ويضرب بها وجهُ صاحبها، ويلحق بمن قال الله فيهم: ﴿ فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ ۞ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ۞ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ ۞ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 4 – 7].

وما أصاب بعض المسلمين من ضعف في أخلاقهم وانحراف سلوكهم إلا لأن الصلاة غدت جثة هامدة من غير روح، وحركات ليس لها من الخير من نصيب.
ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد ﷺ، فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً