
الخطبة الأولى
الحمد لله أنار طريق المؤمنين، ومنّ عليهم بكرمه العميم، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه فهو الله الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الحق المبين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان القويم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله! اتقوا الله فإن عاقبة التقوى جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أيها المسلمون!
إن الله سبحانه، كما شرع للصلاة أركانًا وشروطًا وواجبات، فقد شرع لها سننًا، تكمل هذه الفريضة رحمة من الله سبحانه لعباده لمن أراد المزيد من فضله وكرمه، والقرب من مناجاته ومحبته والأنس به، وسنن الصلاة هي ما عدا الأركان والواجبات والشروط، فلا يلزم الإتيان بها في الصلاة، بل من فعلها أو شيئًا منها، فله زيادة أجر، ومن تركها أو بعضها، فلا حرج عليه شأن سائر السنن، وهي نوعان: النوع الأول: سنن قولية، والثاني: سنن فعلية، وسنن الأقوال كثيرة نذكر منها:
- الاستفتاح: وهو قوله بعد تكبيرة الإحرام: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» رواه مسلم، وإن شاء استفتح بغيره مما ورد عن النبي ﷺ، فإذا قال المصلي: «سبحانك الله وبحمدك…» وأثنى على الله بما هو أهله، فقد خرج عن الغفلة التي هي حجاب بينه وبين الله، وأتى بالتحية والثناء الذي يخاطب به الملك عند الدخول عليه تعظيما له وتمجيدًا بين يدي حاجته ، فكان في هذا الثناء من أدب العبودية ما يستجلب به إقباله على الله، ورضاه عنه وإسعافه بحوائجه.
- الاستعاذة من الشيطان الرجيم: فإذا شرع المصلي في القراءة قدم أمامها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإنه أحرص ما يكون على العبد في مثل هذا المقام الذي هو أشرف مقاماته وأنفعها له في دنياه وآخرته، فهو كل ذلك لصرفه عنه واقتطاعه دونه بالبدن والقلب، فإن عجز عن اقتطاعه وتعطيله عنه بالبدن اقتطع قلبه وعطله عن القيام بين يدي الرب تعالى، فأمر العبد الاستعاذة بالله منه ليسلم له مقامه بين يدي ربه، ولما علم سبحانه جدّ العدو وتفرغه للعبد، وعجز العبد عن أمره بأن يستعيذ به سبحانه ويلتجئ إليه في صرفه عنه، فيكتفي بالاستعاذة مؤنة محاربته ومقاومته، فإذا قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فقد آوى إلى ركنه الشديد، واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه، عن جبير بن مطعم، عن النبي ﷺ «أنه إذا قام إلى الصلاة يستفتح ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه ونفخه» رواه أحمد والترمذي والدارمي.
- البسملة: لحديث نعيم المجمِّر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله ﷺ، رواه النسائي.
- التأمين: وهو قول «آمين» بعد قراءة الفاتحة، ويجهر بها في الجهرية ويسر بها في السرية لما روي عن وائل بن حجر قال: «كان رسول الله ﷺ إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين ورفع بها صوته» رواه أبو داود والترمذي، ومعنى قوله: «آمين» أي: اللهم استجب، وشرع التأمين بعد الفاتحة تفاؤلًا بإجابته وحصوله؛ لأن في قراءته الفاتحة سؤالًا للهداية، فلهذا شرع قوله: آمين؛ ليكون طابعًا عليه وتحقيقًا له، ولهذا اشتد حسد اليهود للمسلمين عليه حين سمعوهم يجهرون به في صلاتهم.
- القراءة بعد الفاتحة بما تيسر من القرآن في صلاة الفجر والجمعة والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء والظهر والعصر: لما رواه أبو قتادة رضي اللَّهُ عَنْهُ «أن النبي ﷺ كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الآية، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح» رواه أبو داود وصححه الألباني
- الدعاء بعد التشهد الأخير: لحديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المسيح الدجال ومن فتنة المحيا والممات» رواه أبو داود وصححه الألباني فهذه الأربع أُمر المصلي أن يستعيذ بالله منها؛ لأنها مجامع الشر كله، كما شُرع للمصلي الدعاء في مصالح دنياه وأخراه في هذا الموضع خاصة لقوله ﷺ: «ثم ليتخير أعجبه إليه فيدعو» رواه أحمد والنسائي، ويخطئ بعض المصلين حيث نرى من يلتزم بالدعاء بعد الصلاة والسلام منها، مع أن الدعاء قبل السلام أفضل منه بعد السلام، وهكذا كانت عامة أدعية النبي ﷺ كلها كانت في الصلاة، وذلك لأن المصلي قبل سلامه في محل المناجاة والقربة بين يدي ربه، فسؤاله في هذه الحال أقرب للإجابة من سؤاله بعد انصرافه من بين يديه.
ألا فاتقوا الله، عباد الله، وأقيموا صلاتكم على الوجه الشرعي تفلحوا وتفوزوا. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبًا مباركًا فيه كما يجب ربنا جل وعلا ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آبائه وأصحابه والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها المسلمون! وأما سنن الأفعال المشروعة في الصلاة فكثيرة أيضًا، منها:
- رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع: «ورفع اليدين في الصلاة هو حلية الصلاة وزينتها وتعظيم لشعائرها، وتعظيم لأمر الله، وعبودية خاصة كعبودية باقي الجوارح، واتباع لسنة رسول الله ﷺ إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع» رواه البخاري.
- وضع اليد اليمنى على اليسرى، ووضعهما على صدره في حال القيام؛ لحديث وائل بن حجر قال: «صليت مع النبي ﷺ، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره» رواه ابن خزيمة.
- النظر إلى موضع سجوده: لما روي عن أنس رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم ، لينتهُن عن ذلك أو لتُخطفن أبصارهم».
ومن العبث المخل بالصلاة أن تجد بعض المصلين تدور أعينهم هنا وهناك، وهم في صلاتهم ومناجاتهم مع ربهم، وهو خطأ يمشي على صاحبه إن
استمر عليه أن يكون ذلك سببًا لوقوع الوعيد الشديد الذي ذكره النبي ﷺ. - مد الظهر في الركوع معتدلًا، وجعل رأسه حياله، فلا يخفضه ولا يرفعه: قال أبو حميد: «ركع النبي ﷺ، ثم هصر ظهره» رواه البخاري، وعن علي رضي اللَّهُ عَنْهُ: «كان رسول الله ﷺ لو وُضع قدح من ماء على ظهره لم يهراق» رواه أحمد.
- المجافاة: بأن يجافي البطن عن الفخذين، ومجافاة الفخذين عن الساقين في السجود، لحديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله ﷺ قال فيه: «وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه»، وفي حديث ابن بحينة رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «كان رسول الله ﷺ يجنح في سجوده حتى يرى وَضَح إبطيه» رواه البخاري.
- التورك في التشهد الأخير إذا كان في الصلاة تشهدان: وما عداه يكون ناصبًا اليمنى وجالسًا على اليسرى وصفة التورك: أن يخرج الرجل اليسرى من الجانب الأيمن مفروشة، ويجلس على مقعدته، وتكون الرجل اليمنى منصوبة (وهذه الصفة إحدى صفات التورك).
- الاستغفار بعد السلام مباشرة: ففي حديث ثوبان رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «كان رسول الله ﷺ إذا انصرف عن صلاته استغفر ثلاثًا». رواه مسلم، وطلب المغفرة لا يكون إلا من الشعور بالتقصير من المصلي لعلمه بما يستحق الرب جل وعلا من حقوق العبودية وآدابها الظاهرة والباطنة وإن العبد أعجز وأضعف وأقل من أن يوفيها حقها، فكيف يرضى بها لربه؟
عباد الله! فهذه بعض السنن القولية والفعلية الثابتة عن الرسول ﷺ في الصلاة، فينبغي للمسلم أن يفعل ما كان ﷺ يفعله عملًا بقوله تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
عباد الله! يقول ابن مسعود، وسلمان م: «الصلاة مكيال، فمن أوفى استوفى، ومن طفف، فقد علمتم ما قال الله في المطففين» وإن من المحافظة عليها إتمام أركانها وشروطها وواجباتها وسننها والطمأنينة فيها، حتى يخرج المسلم من صلاته وقد أثرت في قلبه وبدنه وسائر أحواله، آثارًا تبدو على صفحاته ولسانه وجوارحه ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ [العنكبوت: 45] فنهته عن كل فحشاء ومنكر وبغي، وحالت بينه وبين كل قاطع عن الله.
ألا فاتقوا الله، عباد الله، واستقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة «أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها»، بذلك صح الخبر عن نبيكم محمد ﷺ خير البشر. ثم صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه حيث قال جل وعلا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

شروط الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله وعد المحافظين على الصلاة أجرًا عظيمًا، وأعد لهم في جنات الفردوس نعيمًا مقيمًا، أحمده سبحانه وأشكره...

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2)
الخطبة الأولى إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا...

بصائر لذوي الضمائر
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، لا إله إلا هو مالك الملك، عالم الغيب والشهادة، يحكم بين عباده فيما كانوا...

التعليم مسؤولية الجميع
الخطبة الأولى الحمد لله علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،...

سنة التغيير
الخطبة الأولى الحمد لله الذي بيده مقاليد كل شيء، فجعل دوام الحال من المحال، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه وأفضاله...