
الخطبة الأولى
الحمد لله أعاد وأبدى، وأنعم علينا من النعم والجود وأسدى، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من اتبع هداه، فلا يضل ولا يشقى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، كَرُم رسولًا، وشَرُف عبدًا، وكان أسخى الناس في رمضان يدًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه منارات الهدى، ومصابيح الدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجهم واهتدى.
أما بعد: اتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله تزكو الأعمال، وتنمو الأموال، وتُنال الدرجات، وتعلو المقامات.
أيها المسلمون!
شهر رمضان شهر البركات والخيرات، شهر الجود والإحسان، شهر البذل والإنفاق، شهر المسابقة والمنافسة، وهكذا كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، ويتضاعف جوده في رمضان، وصفه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقال: كان أجودَ الناس كفًّا، وأوسعَهم صدرًا، وأصدقَهم لهجة، وأوفاهم ذمة، وأليَنهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعتُه:
لم أر قبله ولا بعده مثله، وما سئل عن شيء قط إلا أعطاه، أتاه رجل فسأله، فأمر له بشياه كثيرة بين جبلين من شياه الصدقة، فرجع إلى قومه وهو يقول: يا قوم أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر. قال عنه المولى سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
ووصفه القائل:
هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائلـــه
هكذا كان عليه الصلاة والسلام كان جوادًا ليس بماله فقط، جوادًا بإبلاغ دعوة ربه، جوادًا بالكلمة، جوادًا بحبه لأمته، جوادًا بجهده ووقته، جوادًا بنفعه لأمته، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
ولقد تعلم أصحاب رسول الله ﷺ من نبيهم الجود والسخاء والبذل والعطاء، حتى ليؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
قال عروة بن الزبير (رضي الله عنه): «رأيت عائشة (رضي الله عنها) تقسم سبعين ألفًا وهي ترقع ثوبها، وأنها قسمت في يوم ثمانين ومائة ألف بين الناس، فلما أمستْ قالت: يا جارية علي فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم ذرة: أما استطعتِ فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحمًا نفطر عليه؟ فقالت: لو ذكرتني فعلت».
أيها المسلمون!
الجود والبذل من أعلى الصفات النبيلة، والسمات المحمودة، أعلى منازل الكرم، وأفضل السجايا والخصال، صاحبه محبوب عند الله، مقدم عند الناس، له في القلوب منزلة عظيمة، وفي الآخرة درجات رفيعة، جاء في منثور الحكم: الجود حارس للأعراض، ومن جاد ساد، وجود الرجل يحببه إلى أضداده، وخير الأموال ما استرقَّ حرًّا.
أيها المسلمون!
يظهر أمام الناس أن صورة الجود والكرم والبذل واحدة، وهي الجود بالمال من بذل وعطاء، وصدقة وقربة وهدية وضيافة، وأنعمْ بها من صفة عالية، ولكن الجود أوسع من أن تكون له صورة واحدة، فدروب الخير كثيرة وحوائج الناس متنوعة، إطعام جائع، وكسوة عارٍ، وعيادة مريض، وتعليم جاهل، وإنظار معسر، وإعانة عاجز، وإسعاف منقطع، ودعوة إلى الخير، وأمر بمعروف، وشفاعة حسنة، وكلمة طيبة، تطرد عن أخيك همًا، وتزيل غمًَّا، تكفل يتيمًا، وتواسي أرملة، وتفطر صائمًا، وتكرم عزيز قوم ذلّ، وتشكر على الإحسان، وتغفر الإساءة، وتعفو عن الخطأ، وتشفع شفاعة حسنة تفك بها أسيرًا، وتحقن بها دمًا وتجر بها معروفًا وإحسانًا، تدعو لمسلم من مجاهد وضعيف ومريض، وتدخل السرور على قلب محزون.
أيها المسلمون!
من أعلى مراتب الجود: الجود بالعلم الشرعي وبذله بمختلف الصور، إقراءً وتعليمًا لجاهل، وإرشادًا لضال، وتنبيهًا على فعل خير، ودلالة على صواب، وبيانًا لحق، وأمرًا بمعروف، ونهيًا عن منكر، ودعوةً إلى الله تعالى، وحثًَّا على سلوك قويم بقاعة علمية، أو في ساحة مسجد، أو في بيت، أو بكتابة كتاب أو بمحاضرة ودرس، بأي صورة من الصور، في الأرض أو في الجو أو في البحر.
أيها الصائم المتعلم الجواد، فتش عن أهلك وأقاربك، وجيرانك، ومعارفك؛ فستجد من لا يحسن قراءة الفاتحة، أو يجهل أحكام الصلاة المهمة، أو ما تقوم به أمور دينهم، وستجد أخطاء شرعية ومنكرات يظن أنها معروفة، فهنا يأتي جودك وسخاؤك وثمرة تعلمك فضلًا أن تكون حاملًا للعلم، قارئًا للقرآن، مهتمًّا بتحصيل السنَّة، متعلمًا للأحكام الشرعية.
فيجب أن يكون جودك أعظم، وبذلُك أقوى، تشارك هنا وهناك بما تستطيع، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾ [آل عمران: 187].
أيها المسلمون! ومن مراتب الجود العليا، وهو من صفات الموفقين من عباد الله، المصطفين من عند الله: الجود بالجاه كالشفاعة الحسنة، والمشي مع الإنسان لقضاء حاجته، ومحاولة نفع الناس ومساعدتهم، والسعي في مصالحهم وتلبية طلباتهم، فإنه إذا أراد الله بعبده خيرًا حبب إليه المعروف وإسداءه، وجعل قضاء حوائج الناس على يديه، ومن كثرت نعم الله عليه كثر تعلق الناس به، فإن قام بما يجب عليه لله فيها، فقد شكرها، وحافظ عليها، قال عليه الصلاة والسلام: «اشفَعُوا فلتُؤجروا وليقض اللهُ على لسان نبيه ما شاء». وقال عليه الصلاة والسلام: «من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسرّه بذلك سرّه الله ﷻ يوم القيامة». وجاء في الأثر: «إن لله أقوامًا اختصهم بالنعم لمنافع عباده، يقرهم فيها ما بذلوها، فإن منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم».
وفي الصحيحين: «ومن كان في حاجة أخيه المسلم كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة».
ويكون هذا السخاء والجود لله تعالى وفي الله، لا لطلب شكر الناس ومدحهم إياه، ولا لأجل رياء وسمعة ومنٍّ على الناس وإنما يبذل معروفه طلبًا لما عند الله، فإن الله يخلف على المنفقين الكرماء والأسخياء.
ويُظهر عيبَ المرء في الناس بخلُه ويستره عنهم جميعًا سخـاؤه
تغـطَّ بأثواب السخاء فإننـــي أرى كل عيب بالسخاء غطاؤه
قال علي (رضي الله عنه): «يا سبحان الله! ما أزهد كثيرًا من الناس في الخير!
عجبت لمن يجيئه أخوه لحاجة، فلا يرى نفسه للخير أهلًا، فلو كنا لا نرجو جنة، ولا نخاف نارًا، ولا ننتظر ثوابًا، ولا نخشى عقابًا؛ لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبل النجاح» وقال بعض الحكماء: أعظم المصائب أن تقدر على المعروف ثم لا تصنعه.
أيها المسلمون!
ومن مراتب الجود الجود بالجهد البدني على اختلاف أنواعه، وهو جود يقدر عليه صاحب كل بدن، يصور لنا رسول الله ﷺ صور الجود بالجهد البدني بقوله: «يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين اثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها، أو يرفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها الرجل إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة» متفق عليه. إنه لتصوير بليغ يجعل المسلم يحث الخطى للمشاركة في سبيل هذا الجود، فالبخيل حقًَّا هو من بخل على نفسه، وحرمها أجر هذا الجود في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون!
ومن مراتب الجود الجود بالمعاملة الطيبة مع الناس، والتخلق بالأخلاق الحسنة الفاضلة، فما أجلَّ هذا الجود! وما أعظم تلك الخصلةَ وما أطيب تلك الخلال، طلاقة في الوجه، وابتسامة في الثغر، وجمال في المنطق، ولطافة في العبارة، وصراحة في الألفاظ والتصرفات!
أضاحك ضيفي قبـل إنزال رحله ويخصب عندي والمحل جديب
وما الخصب للأضياف أن يكثر القِرى ولكنما وجه الكريم خصيــب
فضلًا عن الإحسان والبذل والتصدق، قال عليه الصلاة والسلام مبينًا أهمية هذا الجود وعظمه: «لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق».
وهكذا كان رسول الله ﷺ قال عنه جرير البجلي (رضي الله عنه): «ما حجبني رسول الله ﷺ، ولا رآني منذ أسلمت إلا ضحك».
أيها المسلم الصائم! قد لا تسع الناس بمالك وبجاهك، ولكنك تسعهم بخلقك وحلمك وكرمك وابتسامتك، وإنك لتعجب من أناس صامت بطونهم عن الأكل والشرب، ولكنهم – وبخاصة في هذا الشهر شهر الجود والبذل- وجوههم عابسة وصدورهم ضيقة، وألفاظهم بذيئة ونفوسهم حنقة، عجبًا لمن لم ينل حظه من شهر الجود، فأضاع شهره ولم يستفد من صيامه، فكان بخيلًا شحيحًا حتى على نفسه، فاتقوا الله عباد الله، واجعلوا شهركم مدخلًا لكم في دائرة الأجودين الأكرمين. نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله ﷺ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الكريم الجواد، أفاض من جوده، وكرمه على الحاضر، والباد، أحمده سبحانه، وأشكره على ما تفضل به على جمع العباد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه عن الشركاء، والأمثال، والأنداد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه أهل السبق، والفضل، والأمجاد، والتابعين، ومن تبعهم، واقتفى أثرهم إلى يوم التناد.
أما بعد، ونحن نتحدث عن الجود، هذه الخصلة النبوية الكريمة، التي لا يتصف بها إلا الكرام من العباد، وبخاصة في شهر الجود، والكرم، والعطاء يبرز لنا الجود بالمال، والبذل فيه، وإنفاقه في سبيل الله، فاز به أهل الدثور، وسبقوا غيرهم بالأجور، فنالوا الدرجات العلى، والمقامات السامية، تسابقوا في هذا الميدان العظيم في صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو مسجد يبنى، أو نهر لابن السبيل يجرى، أو صدقة على مسكين، أو فقير، أو محتاج، أو يتيم يسَدّ بها خلته، ويفرج بها كربته، أو مجاهد يعان في جهاده، أو مشروع علمي يرجى عموم نفعه، أو شاب يساعد على زواجه، أو بيت يؤمن فيه صاحبه أولاده، فضلًا عن الزكاة المفروضة، والحقوق الواجبة على الوالد والولد، والزوجة، والخادم، والقريب.
كم للجود- عباد الله – من فضل ومزية، كم جلب من نعمة، ودفع من نقمة، وكم أزال من عداوة، وجلب من صداقة، وعمق مودة، كم تسبب من دعوة مستجابة من قلوب صادقة، رفع عنها المسلم بصدقته كربة.
هذا الجود بالمال يرفع درجتك، ويمحو سيئتك، كم أنت يا صاحب المال محتاج إلى هذا يوم يكون الحساب عليك عسيرًا في مالك، فتأتي صدقتك، وإنفاقك، وبذلك، وعطاؤك، وجودك، وسخاؤك؛ ليكون بين يديك يقيك من النار، ويدخلك الجنة. «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يتقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلوَّه حتـى تكون مثل الجبل».
إن هذا الإنفاق، والبذل، والجود مخلوف عليك في الدنيا، فما نقص مال من صدقة، هكـذا قال الصادق المصدوق، عليه الصلاة والسلام()، وقال سبحانه: ﴿ ۞ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المزمل: 20]. وقال سبحانه: ﴿ مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261]. فأنفق أيها الصائم المسلم من طيب مالك، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا.
أيها المسلمون:
إن من المؤسف حقًّا أن تجد من الأغنياء من لا يئن لمتألم، ولا يتوجع لمستصرخ، ولا يحن لبائس، تجرد من العاطفة، وحنان الإخاء، لا يعطف على فقير، ولا يسهم في مشروع علمي، أو إغاثي، قلوبهم كالصخرة الصماء، لا يؤثر فيها الأعاصير، ينطبق عليهم قوله تعالى: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ (34) يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ﴾ [التوبة: 34، 35].
أيها المسلمون! إخوانكم الفقراء، والمستضعفون، والمجاهدون في سبيل الله، وقد دخل عليهم فصل الشتاء، فهم في أمس الحاجة إلى جودكم، وكرمكم، وبخاصة في هذا الشهر المبارك الذي تضاعف فيه الأجور، والحسنات، وترفع الدرجات، إن هؤلاء، وأولئك ينتظرون دعمكم ـ وسخاءكم، ولو بالقليل، فالقليل مع القليل كثير، أروا الله من أنفسكم خيرًا، فالله أعطاكم، وأمدكم، وأنعم عليكم، فأنفقوا بذلك «ولا تمهلوا حتى إذا بلغت الحلقوم قلتم: لفلان كذا، ولفلان كذا» أنفقوا من أموالكم يكن لكم جُنةً، وسترًا عن النار، «واتقوا النار، ولو بشق تمرة»، و«الصدقة تطفئ الخطيئة»، «وتطفئ غضب الرب»، و«تظل في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله»، و«يأتي المسلم في ظل صدقته يوم القيامة لتدخله الجنة»، هكذا صحت الأخبار عن النبي المختار، عليه الصلاة والسلام، فاقتدوا به في الشهر المبارك، ولتكن النفوس سخية، والأيدي بالخير ندية، واستمسكوا بعرى السماحة، ومن بذل اليوم قليلًا جناه غدًا كبيرًا، تجارة مع الله رابحة، ومن أنفق بالليل، والنهار، والسر، والعلن ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 62].
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه تفوزوا دنيا وأخرى، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

صورتان للقدوة (1)
الخطبة الأولى الحمد لله القوي المتين، الذي أعز عباده المؤمنين، أحمده سبحانه وأشكره جعل العزة في التمسك بالدين وأشهد أن...

الحجُّ: آدابٌ ودروسٌ وتربيةٌ
الخطبة الأولى الحمد لله خص بيته الحرام بمزيد من التكريم، والتفضيل، وافترض حجه على من استطاع إليه السبيل، فارتفع النداء...

الطهارة صفتها وأهميتها
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، يحب التوابين ويحب المتطهرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن سيدنا محمدًا...

شروط الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله وعد المحافظين على الصلاة أجرًا عظيمًا، وأعد لهم في جنات الفردوس نعيمًا مقيمًا، أحمده سبحانه وأشكره...

في مقدم رمضان
الخطبة الأولى الحمد لله خلق فقدر، وملك فدبر، وشرع فيسّر، وخصّ الصيام بالإفطار وأكلة السحر، بيده تصريف الأمور، أحمده سبحانه...