
الخطبة الأولى
الحمد لله، وكفى، أحمده سبحانه، وأشكره، وأسبحه، وأقدسه، لم يزل بنعوت الجلال، والكمال متصفًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقرًَّا بوحدانيته، ومعترفًا، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمدًا عبده ورسوله النبي المجتبى، والرسول المصطفى، وأزكاها فضلًا، وشرفًا، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى أصحابه السادة الحنفا، أهل البر، والصدق، والوفا، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجهم، واقتفى، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، اتقوه ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
أيها المسلمون! في اليوم الآخر، عندما يجاوز الناس الصراط، ويقفون في قنطرة قبل دخول الجنة، ليقتص بعضهم من بعض في مظالمهم، يقول أبو العتاهية:
ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت غاية كل حيِّ
ولكنا إذا متنا بعثنـا ونسأل بعده عن كل شيءٍ
بعد ذلك يدخل الجنة المؤمنون، فيحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، ويساقون إلى الجنة زمرًا، لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقًّا، رضي عنهم، ورضوا عنه، ناداهم عز جلاله: ﴿يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ (68) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ مُسۡلِمِينَ (69) ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ أَنتُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ تُحۡبَرُونَ﴾ [الزخرف: 68-70]، أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم، لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشيًا ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ۚ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: 10] يناديهم المنادي: لكم النعيم سرمدًا، تحيون، ولا تموتون أبدًا، وتنعمون، ولا تبأسون أبدًا، يحل رضوان ربكم، فلا يسخط أبدًا، جنات عدن يدخلونها، غرفاتها من أصناف الجوهر كله، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فيها من النعيم، واللذائذ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: 17]، ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الزخرف: 71].
رياضها مجمع المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، وخيامها اللؤلؤية على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، عرش الرحمن سقفها، والمسك، والزعفران تربتها، اللؤلؤ، والياقوت، والجوهر حصباؤها، والذهب، والفضة لبناتها ﴿لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر: 20] عاليات الدرجات في عاليات المقامات، بهجة المتاع، قصر مشيد، وأنوار تتلألأ، وسندس، وإستبرق، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة، ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، هم فيها على الأرائك متكئون، ظلها ممدود، وطيرها غير محدود، فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، قطوفها دانية للآكلين، وطعمها لذة للطاعمين، قد ذللت قطوفها تذليلًا، فيها أزواج مطهرة، خيرات حسان الوجوه، جمعن الجمال الظاهر، والباطن من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، تقصر عن حسنهن عيون الواصفين ﴿ عُرُبًا أَتۡرَابٗا (37) لِّأَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ﴾ [الواقعة: 37، 38] لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها ﴿فِيهِنَّ قَـٰصِرَٰتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌۭ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنٌّۭ ٥٦ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٧ كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ ٥٨ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٥٩ هَلْ جَزَآءُ ٱلْإِحْسَـٰنِ إِلَّا ٱلْإِحْسَـٰنُ ٦٠ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦١ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ ٦٢ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٣ مُدْهَآمَّتَانِ ٦٤ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٥ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ٦٦ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٧ فِيهِمَا فَـٰكِهَةٌۭ وَنَخْلٌۭ وَرُمَّانٌۭ ٦٨ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٦٩ فِيهِنَّ خَيْرَٰتٌ حِسَانٌۭ ٧٠ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧١ حُورٌۭ مَّقْصُورَٰتٌۭ فِى ٱلْخِيَامِ ٧٢ فَبِأَىِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ٧٣ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌۭ قَبْلَهُمْ وَلَا جَآنٌّۭ ٧٤﴾ [الرحمن: 56، 74] لو اطلعت إحداهن على الدنيا لملأت ما بين الأرض، والسماء ريحًا، وعطرًا وشذىً، ولطمست ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ما في النجوم من ضياء، حور عين، راضيات لا يسخطن أبدًا، ناعمات لا يبأسن أبدًا، خالدات لا يزُلن أبدًا، أصحاب الجنة يلبسون من سندس، وإستبرق متقابلين، ويحلون من أساور من ذهب، ولؤلؤًا ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان: 21] نزع من قلوبهم الغل، وطرد عنهم الحزن، والهم، ﴿وَقَالُوا۟ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌۭ شَكُورٌ ٣٤ ٱلَّذِىٓ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِۦ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌۭ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌۭ﴾ [فاطر: 34، 35] هدوء، ورضىً يغمره السلام، والاطمئنان، والود والأمان، يبلغهم ربهم السلام ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ [يس: 58] والملائكة يدخلون عليهم من كل باب بالسلام ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾
[الرعد: 24] وخزنة الجنة يحيونهم بالسلام ﴿ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزمر: 83].
وفي الجنة: يأتلف شملهم مع الصالحين من آبائهم، وأزواجهم، وذرياتهم ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: 23].
وفي الجنة: الحسنى، وزيادة، فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم، تبارك، وتعالى، يستزيركم – أي يطلب زيارتكم- فحيّ على الزيارة، فينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت، حتى إذا انتهى إلى الوادي الأفيح، نصبت لهم منابر من نور، ولؤلؤ، وزبرجد، سلام عليكم: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 44] يا أهل الجنة! هذا يوم المزيد، ثم يكشف الرب الحجب، ويتجلى، لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم.
فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى الوجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة ﴿ وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ (23) وَوُجُوهٞ يَوۡمَئِذِۭ بَاسِرَةٞ (24) تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةٞ﴾ [القيامة: 22-25].
أيها المسلمون!
أما الكفار، والمنافقون، ففي نار جهنم خالدون، النار: حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، يهوي الحجر من شفيرها سبعين خريفًا ما يدرك قعرها، مسالكها ضيقة، ومواردها مهلكة، يوقد فيها السعير، ويعلو فيها الشهيق، والزفير، أبوابها مؤصدة، وعمدها ممدَّدة، يرجع إليها غمها، ويزداد فيها حرها، هي غضب الجبار، وزجره، وسخطه، ونقمته، جثت الأمم على الركب، وتبين للظالمين سوء المنقلب، انطلق المكذبون إلى ظل ذي ثلاث شعب، لا ظليل، ولا يغني من اللهب، وأحاطت بهم نار ذات لهب، سمعوا الزفير والجرجرة، وعاينوا التغيظ، والزمجرة، ونادتهم الزبانية ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [النحل: 29] الهاوية تجمعهم، والزبانية تقمعهم، في مضايقهم يتجلجلون، وفي دركاتها يتحطمون، ترى المجرمين مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار، الأغلال في أعناقهم، وبالسلاسل يسحبون، وبالنواصي، والأقدام يؤخذون، وفي الحميم، ثم في النار يسجرون، يصب من فوق رؤوسهم الحميم، يصهر به ما في بطونهم، والجلود، ولهم مقامع من حديد، مقامع فوق رؤوسهم، تُكوى جباههم، وجنوبهم، وظهورهم ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ[القمر: 48] طعامهم الزقوم، والضريع، لا يسمن، ولا يغني من جوع، شرابهم الحميم، والغساق، والماء الصديد، يشوي الوجوه ويقطع الأمعاء، ويملأ البطون، ﴿ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: 17] ﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ [فاطر: 37] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 56] يتمنون الموت، والهلاك، ولكن أين المفر؟ ومتى الفكاك؟ ﴿وَنَادَوْا۟ يَـٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ ۞ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ﴾ [الزخرف: 77- 78] ثم يعلو شهيقهم، ويزداد زفيرهم، وحيل بينهم، وبين ما يشتهون، فيعظم بأسهم، ويرجعون إلى أنفسهم ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ [إبراهيم: 21]
نعوذ بالله من غضبه، وأليم عقابه، وعذابه.
أيها المسلمون!
هذه حال الناس في دار القرار، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، هذا هو المصير، والمآل، فأعدوا العدة، وتزودوا لهذه الدار، ولينظر كل إلى عمله، ويطالع صحيفته، ويحاسب نفسه، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي، ولكم، ولسائر المؤمنين،
فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رضي من عباده اليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وخصّ من شاء بهدايته، وتوفيقه، فمنه النعمة، وله الفضل، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه الجلَّى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مؤمن بمقتضاها قولًا وعملًا، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمدًا عبده ورسوله رحمة للعالمين، وقدوة السامعين، وحجة السالكين، لا نبتغي إلى السعادة بغير طريقه أملًا، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم، وسار على طريقهم قولًا وفعلًا، أما بعد:
عباد الله: فاتقوا الله، رحمكم الله، وبادروا، وشمّروا، واعملوا، وأحسنوا، وأبشروا.
أيها المسلمون!
أصحاب الجنة: لهم صفات يعرفون بها، وسمات يتصفون بها، تردد ذكرهم في القرآن، والسنة، قال الله عنهم:
﴿ كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ ٱلَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ (17) وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ (18) وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ﴾ [الذاريات: 17 – 19]، وجاء في السنة: يصلون بالليل، والناس نيام، ويصومون، وغيرهم يأكل، وينفقون، وغيرهم يبخل، ويقاتلون، وغيرهم يتقاعس، ويجبن، أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله، وراعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون، وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا سرًا، وعلانية، يؤتون ما آتوا، وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم، والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا، وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، كثر استغفارهم، فحطت خطاياهم، وكلَّ ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم، واصطفاهم، أقوام يقطرون نزاهة، أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذي لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله، فيهم صاحب القرآن يقرأ، ويرتل، ويرتقي، وفيهم من ترك المراء، ولو كان محقًَّا، وتارك الكذب، ولو كان مازحًا، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه يكظم غيظه، ويعفو عن الناس، والله يحب المحسنين، فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل، والناس نيام، خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى، جنة ربي لكل أواب حفيظ، من خشي الرحمن بالغيب، وجاء بقلب منيب، يخافون من ربهم يومًا عبوسًا قمطريرًا، فوقاهم الله شر ذلك اليوم، ولقّاهم نضرة، وسرورًا، وجزاهم بما صبروا جنة، وحريرًا.
أيها المسلمون!
هؤلاء أهل الجنة، وتلك سماتهم، وعلاماتهم، ألا هل من مشمر إلى الجنة؟ قولوا كما قال أصحاب رسول الله ﷺ: «نحن المشمّرون إن شاء الله».
أما أصحاب النار- والعياذ بالله- فموعود فيها كل مشرك، ومشركة، فويل لهم، وويل لكل خبيث وخبيثة، ممن طغى، وبغى، وآثر الحياة الدنيا، ولم يؤمن بيوم الحساب ﴿وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ (11) مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم: 10-13].
النار موعود بها كل مدمن للخمر، وقاطع للرحم، والمصدق بالسِّحر، والمنّان، والنمام، موعود بها الذين يكنزون الذهب، والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله.
ومن أشد الناس عذابًا طائفتان: المصورون الذين يضاهئون خلق الله، والذين يعذبون الناس في الدنيا.
موعود بها من اقتطع مال أخيه بيمين فاجرة، والذي يشرب في آنية الذهب، والفضة، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم، والذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا، وسيصلون سعيرًا.
أيها المسلمون: ويل، ثم ويل لأكلة الربا، ويل لهم، وكل لحم نبت من سحت، فالنار أولى به، وصنفان من أهل النار: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، والكاسيات العاريات المائلات المميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، والمكر، والخِداع في النار، والفجور يهدي إلى النار، وشر الناس منزلة عند الله من تركه الناس اتقاء فحشه، وويل للذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة.
فاتقوا النار، عباد الله! وتعوذوا من النار، واعملوا للنجاة من النار، فهذه صفات أهل النار.
أيها المسلمون: هذا المقر في الآخرة: الجنة أو النار، فكل ينظر في عمله، ويغتنم ساعات عمره، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب، ويزن أعماله قبل أن توزن، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار.
وصلوا وسلموا على البشير النذير كما أمركم الله في محكم كتابه العزيز حيث قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

أركان الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله ذي الفضل والعطاء والإحسان، جعل إقامة الصلاة من أركان الإسلام، أحمده سبحانه وأشكره على ما امتن...

الطهارة صفتها وأهميتها
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، يحب التوابين ويحب المتطهرين، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن سيدنا محمدًا...

المخالفات المتعلقة بالجمعة
إن الناظر بميزان الشرع إلى عبادات أكثر الناس اليوم يسري عجبًا مما أحدثوه وما ورثوه من المخالفات الكثيرة، التي أصبحت...

أسباب الهزيمة والنصر
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، وعدهم بالنصر المبين، وتوعد الكفار بالعذاب المهين، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله...

الجمعة وآدابها
الخطبة الأولى الحمد لله الذي جعل يوم الجمعة من أشرف الأيام، وجعله عيدًا لأهل الإسلام، وأحمده سبحانه، وأشكره، وأشهد أن...