
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أتم النعمة وأكمل الدين للعباد، وحثهم على ما فيه صلاحهم في الدنيا والمعاد، وحذرهم من البغي والطغيان ﴿ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205].
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذم الفساد وأهله في كتابه المبين، فقال جل وعلا: ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة : 64].
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، بعثه الله رحمة للعالمين، فحفظ به الملة من أهل الزيغ والعابثين. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله! أرسل الله تعالى رسله بالتوحيد وإقامة الدين، وكان من سنته ﷺ في كل زمن وحين، أن جعل لهم أعداء محنة وابتلاء، قال جل وعلا: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 31].
وهكذا- عباد الله- تمضي السنون والقرون، وتبقى سنة الله ثابتة ﴿ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43]، ففي كل زمان ومكان يوجد الفريقان، فريق الحق والرشاد، متبعو المرسلين، وفريق الزيغ والفساد، متبعو الشياطين.
فأما أتباع الحق، فيدعون إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا والآخرة، ويأخذون بأيدي الناس من الظلمات إلى النور.
وأما أهل الزيغ والإلحاد، والنفاق والإفساد، فيدعون الناس إلى سبل الضلال والفجور، والفتن والشرور.
فضلوا وأضلوا بعدما عموا عن الهدى، وتنكبوا الصراط المستقيم إلى سبل الشياطين، قال الله جل وعلا: ﴿ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153].
أيها المسلمون: إن الفساد والمفسدين أصناف كثيرة، منها ما هو ظاهر معلوم، فالحذر منه قريب، والسلامة منه مأمولة، لمن اتقى الله واهتدى. ومنها ما يخفى على كثير من الناس لما يحيط به من مكر وتلبيس ومخادعة للناس، فلا يفطن له إلا أولو الألباب؛ فيقومون بدورهم في تحذير الأمة، وحماية الملة، من شر الفساد والمفسدين.
وإن أعظم أنواع الفساد وأشدها وطأة: السعي في إفساد الدين، وفتنة الناس في دينهم. ولقد سجل التاريخ بأحرف سوداء نماذج من هؤلاء .. منهم وعلى رأسهم فرعون، الذي علا في الأرض، وادعى الألوهية، وحارب نبيًّا مرسلًا كريمًا من أولي العزم، وفتن الناس في دينهم وسامهم سوء العذاب ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].
ولقد أكثر القرآن من ذكر خبره وكفره وصده عن سبيل الله في مواضع كثيرة، ليتعظ بها كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال الله جل وعلا في قصة استكباره وطغيانه: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۞ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 38-39].
فماذا كان مصيره عباد الله؟! قال الله جل وعلا: ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ۞ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ۞ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ [القصص: 40-42].
فهذا صنيعه وإجرامه، وهذه عاقبته وأمثاله من كل مفسد جبار.
أيها المسلمون! وليس ببعيد عن فرعون.. رجل من قومه وفي عصره، كانت فتنته وفساده في المال؛ حتى كاد بعض الناس يفتتنون به، لأن الله عَزَّ وَجَلَّ الذي لا يحب الفساد والمفسدين جعله آية لهم، يرونها رأي العين، إنه «قارون» رمز ومثل للطغاة والمفسدين الذين يكون المال سببًا في استكبارهم وعلوهم في الأرض، قص الله جل وعلا خبره علينا في آيات كريمات تأخذ بالألباب، وتعظ القلوب بأبلغ المواعظ، فقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ۞ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 76-77].
وهذا – عباد الله- هو شأن المسلم، يرى المال نعمة استخلف فيها، فيأخذها بحلها، ويضعها في حقها، اعترافًا بالفضل لمسديها وواهبها جل وعلا، لكن قارون عميت بصيرته، وانتكست فطرته: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ۞ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 78-79].
فتأملوا عباد الله، فإن من الناس من لا تجاوز نظرته للمال وأرباب الثراء هذه النظرة السطحية البائسة، لكن أهل العلم الذين يخشون الله يصححون هذه النظرة الخاطئة: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ۞ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ ۞ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ۞ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 80-83].
أيها المؤمنون! وهكذا يكون عقاب الله ونكاله بمن استعمل نعمته جل وعلا في الطغيان والصد عن سبيله، فهذا فرعون بدّل نعمة الله بإرسال رسول كريم إليه كفرًا وعنادًا وصدًا عن الهدى وإفسادًا في الأرض، وهذا قارون بدّل نعمة الله بالمال والغنى والثراء بالعلو والتعاظم بها على الناس وجحد منة الله عليه بها؛ فماذا كان مصيرهما عباد الله؟!
إنه – والله- أبأس مصير، خزي في الدنيا وذم إلى يوم الدين، وعذابٌ أخزى وأشدُّ يوم الحساب ونصب الموازين، بل وحتى في القبور عندما يأذن الله بالبعث والنشور ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: 46].
وهكذا عباد الله مصير سائر المفسدين الزائغين، من الأمم والناس أجمعين: قال المولى الجليل: ﴿ أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ۞ إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ ۞ ٱلَّتِي لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِي ٱلۡبِلَٰدِ ۞ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ ر وَفِرۡعَوۡنَ ذِي ٱلۡأَوۡتَادِ ۞ ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ ر فَأَكۡثَرُواْ فِيهَا ٱلۡفَسَادَ ر فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ ۞ إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ﴾ [الفجر: 6-14].
عباد الله! ولقد سجّل تاريخ الأمة الإسلامية صورًا كثيرة للفساد والمفسدين، لأناس مارقين، كانوا رؤوسًا للفتن، وسببًا في إغواء الناس وصدهم عن الهدى، وبلغ من مكرهم وكيدهم تفريق الأمة إلى طوائف وفرق وأحزاب ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: 32]، حتى إن بعضهم ليصم إخوانه من أهل الإسلام والإيمان بالكفر ما لم يكونوا على رأيه وهواه الذي زينّه له الشيطان، وحتى يستحل بعضهم دماء بعض، إلى غير ذلك من الشرور والفتن العظيمة التي قدّرها الحكيم الخبير بسبب هؤلاء المنافقين.
عباد الله! وإن من أشرّ هذه النماذج الخبيثة في تاريخ الأمة الإسلامية: فتنة عبد الله بن سبأ، الذي عرف بابن السوداء، وهو يهودي من صنعاء، أظهر الإسلام وباطنه الكفر، ثم بدأت مكائده الخبيثة بادعاء التشيع لعلي رضي الله عنه ، وهو الذي تنسب إليه فرقة «السبئية» الذين تمادوا في الهوى والغي، حتى قالوا بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
فلما رأى البائس ابن سبأ أن أمر الإسلام بدأ ينتشر ويظهر، فكر وقدّر أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله، فبدأ بالمدينة، لكن الله تعالى دحر شبهاته بالعلم وأهله، كلما رمى شبهة رُد عليها. فبدأ – عليه لعنة الله- يجمع له أتباعًا ويثير الفتن، حتى وقعت الفتنة في زمن الخليفة الراشد العظيم ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، التي انتهت بقتله رضي الله عنه وأرضاه، وما تلا ذلك من فتن بين المسلمين، وظهور فرق ضالة كالخوارج، إلى غير ذلك مما هو مسطّر في ديوان التاريخ من صفحات مؤلمة للنفوس المؤمنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وهكذا –عباد الله- يبلغ المكر والكيد والتفريق، بأيدي أمثال هؤلاء المارقين المفسدين، الذين يتخفون ويخادعون، ويندسُّون بين المسلمين، ثم يثيرون الفتن بين الناس، فيحملونهم بسببها على إزهاق الأرواح واستحلال الدماء.
أيها المسلمون! فما بال أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا لا يعون دروس التاريخ؟! أين مَنْ دَرَسَ التاريخ ممن يعيثون اليوم في الأرض فسادًا، ويزعمون أنهم مصلحون؟! وهل من الإصلاح التفجير والتدمير وترويع الآمنين، وإزهاق الأنفس المعصومة وما يترتب على ذلك من تيتيم أطفال وترميل نساء وهدم بيوت بأكملها؟!
إننا ندعو من ضل الطريق، واستهوته الشياطين للسير في هذه الدروب المظلمة أن يراجعوا أنفسهم، ويراجعوا كتاب ربهم وسنة نبيهم ﷺ؛ وإننا لعلى يقين أن من صدق في تحري الصراط المستقيم ليربأ بنفسه عما يفسد عليه دينه ودنياه، فضلًا عما يتسبب فيه من إيذاء عظيم للمسلمين.
هدى الله شباب المسلمين، وأخذ بنواصيهم إلى صراطه المستقيم، وحفظهم والأمة من شر المفسدين والمنافقين.
أيها المسلمون! ومن صور الفساد والإفساد في الأرض التي تتفق العقول على ضررها وخطرها، وتُعد من الأخطار الوبيلة التي عمت بها البلوى في زماننا هذا: خطر المخدرات بأنواعها العديدة التي تفتك بشباب الأمة وتعبث بعقولهم، هذه الثروة العظيمة التي هي عماد الأمة.
عباد الله! كم من بيوت عامرة تسببت هذه الآفة الوبيلة في قلب أفراحها أحزانًا، وسرورها همًا وغمًا؟!
كم من شباب في زهرة العمر اختطفوا من بيوتهم ودراستهم ونجاحهم ونبوغهم؟!
كل هذا بسبب أيادٍِ مجرمة أثيمة، وخونة لدينهم وأمتهم، ممن يسعون إلى إفساد الشباب بسموم المخدرات بأنواعها.
وإنه لمن الإنصاف أن يُسدى الشكر لولاة أمر بلادنا لجهودهم العظيمة في ملاحقة هذه العصابات، وإيقاع أشد العقوبات عليها. فجزاهم الله خير الجزاء، وسددهم وأعانهم، ووفقهم وولاة أمر المسلمين أجمعين.
وإن علينا – أيها المسلمون- واجبًا عظيمًا بدورنا، فكل منا راع في بيته ومسؤول عن رعيته. ومن القيام بأماناتنا أن نتابع شؤون أبنائنا؛ ونتفقد أحوالهم ورفقتهم؛ لئلا تتسرب إليهم الأيدي الخائنة الخبيثة.
وكما قيل: درهم وقاية خير من قنطار علاج!
فاتقوا الله -عباد الله !- في بيوتكم وأمّتكم، ولا يكونن امرؤ بغفلته وتساهله في تفقد أحوال بنيه سببًا في فسادهم، وهو لا يدري. اقتربوا من أولادكم، واملؤوا فراغهم بما يشغلهم عن المفسدات؛ حتى لا يتسبب الفراغ النفسي في لجوئهم إلى صحبة السوء.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي كرم بني آدم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأسبح بحمده بكرة وأصيلاً. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه إلى الناس هادياً ومبشراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
عباد الله!
ومن صور الفساد والإفساد في واقعنا المعاصر: صورة شوهاء منكرة لقوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا، ويخادعوننا بالليل والنهار عن ثوابتنا وقيمنا، فيلبسون الحق بالباطل، ويلوون الألفاظ، ويقلبون الحقائق، تحت مزاعم التحرير والتطوير والتنوير- زعموا- يريدون لنسائنا وبناتنا الانطلاق في ميادين العمل والاختلاط بالرجال، بلا ضوابط ولا قيود؛ حتى يتسنى لهم إخراجهن شيئاً فشيئاً من حصون الحجاب والحياء والفضيلة.
ويظاهر هؤلاء ويعينهم ويمدهم في غيّهم قرناء لهم يقومون على وسائل إعلامية ترفع شعار الفجور والمجون والرذيلة، من فضائيات هابطة، ومجلات ساقطة، وغيرها من الوسائل التي عمّت بها البلوى، وغزت بيوت المسلمين إلا من رحم الله!
أيها المسلمون! وبالرغم من هذه الفتن والمغريات بالفساد تقف المسلمة الربانية شامخة لا تهزها زوابع المفسدين، ولا تغرّها تسمية الأشياء بغير اسمها، فبطلان دعاوى المفسدين يغني عن إبطالها، ولم تعد تنطلي إلا على من في قلوبهم مرض وهوى.
ولم تزل المرأة المسلمة حتى يومنا هذا تقدم صوراً رائعة من العطـاء والإبداع لم تحتج معها إلى نبذ حياتها أو خلع حجابها أو التنكر لما أمرها به المولى جل وعلا. فما رأي دعاة التحرير المزعوم في هذه الصور المشرقة؟!
وعلى الجانب الآخر: ما رأي دعاة التحرر المزعوم في حال الغربيين وواقعهم المشاهد من تحلل أخلاقي.. وتفكك أسري.. وشيوع للرذيلة.. واختلاط للأنساب؟! فهل هذه هي الحياة التي يريدونها للمرأة المسلمة والمجتمع المسلم والأمة الإسلامية؟!
وهذه كاتبة أمريكية بعد أن قضت عدداً من الأسابيع في إحدى العواصم العربية، ثم عادت إلى بلادها، تقول: ” إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي.. والإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا”. انتهى كلامها، والفضل ما شهدت به الأعداء.
فالحمد لله على نعمة الإسلام، ونسأل الله أن يحفظ نساء الأمة من مكر الماكرين.
أيها المؤمنون! وبقدر عظم جريرة الفساد والإفساد؛ يعظُم دور المصلحين؛ من الولاة والعلماء، والدعاة والمفكرين، والآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، الذين يراغمون الفساد، ويدرؤونه عن العباد والبلاد، فإنهم – بحول الله وقوته- أوتاد يحفظ الله بهم الأمة من الهلاك، قال الله جل وعلا: (فلولا كان من القُرونِ من قبلكم أُولوا بقيَّةٍ ينهون عن الفساد في الأرض إلاَّ قليلاً ممَّن أنجينا منهم واتَّبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين ۞ وما كان ربُّك ليُهلك القُرى بظلمٍ وأهلُها مصلحون) (هود:-116-117).
والحمدلله الذي شرّف هذه البلاد بولاة وعلماء ودعاة، وهيئات رسمية، ومؤسسات غير رسمية، للدعوة والإفتاء والإرشاد وغيرها، تسعى لإزالة المنكرات والتخفيف منها، وحراسة العفاف والفضيلة بين الناس. فنسأل الله أن يعينهم ويسددهم ويوفقهم في هذه المهمة العظيمة.
ولا يعني ذلك- عباد الله- قصر هذا الدور عليهم، فكلنا راع ومسؤول عن رعيته، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف واجب على كل مسلم بقدر استطاعته؛ حتى يسلك بنفسه في درب النجاة.
فاتقوا الله عباد الله… احفظوا أماناتكم، وارعوا مسؤولياتكم، واتبعوا علماءكم.
واحذروا وحذّروا من الفساد في الأرض بكل صوره، وليعلم كل مسلم ومسلمة أنه لبنة في حصون الأمة، فلا يؤتين من قبله. ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه الكريم حيث قال : (إنَّ الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً).

وقفات مع قصة يوسف عليه السلام (5)
الخطبة الأولى الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل...

توحيد الله في أفعاله (الربوبية)
الخطبة الأولى الحمد لله رب الأرباب ومسبب الأسباب وهادي العباد، المنزه عن الشركاء والأمثال والأنداد، أحمده سبحانه وأشكره شكرًا لا...

الإيمان بالقضاء والقدر
الخطبة الأولى الحمد لله الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، خلق كل شيء فقدّره تقديرًا، وأحكم شرائعه ببالغ حكمته بيانًا للخلق، وتبصيرًا،...

بصائر للمجتمع الإسلامي المعاصر
الخطبة الأولى إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا...

توحيد الله في أسمائه وصفاته
الخطبة الأولى الحمد الله القائل: ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ...