
الخطبة الأولى
الحمد لله ذي الفضل والعطاء والإحسان، جعل إقامة الصلاة من أركان الإسلام، أحمده سبحانه وأشكره على ما امتن به من نعمة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجي من قالها وعمل بها من النيران، وتوجب له دخول الجنان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا، أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله وعظموا أوامره، واعملوا بها وقفوا عند حدوده وكفوا عن نواهيه. تفوزوا دنيا وأخرى.
أيها المسلمون!
كل مُصَلٍّ لله ﻷ يركع ويسجد، يقرأ ويدعو، يرجو قبول صلاته، ورفعة درجاته، وتكفير سيئاته، ورضا ربه ﻷ، اعلموا- عباد الله- أنه لا يتم ذلك للعبد من صلاته إلا بتحقيق أركانها التي لا تقوم إلا عليها.
والأركان جمع ركن ، والركن ما كان جزءًا من الشيء ولا يوجد إلا به.
وأركان الصلاة لا تسقط عمدًا ولا سهوًا، بل تبطل الصلاة بتركها، وهي على الصحيح أربعة عشر، بيانها كالتالي:
أولًا: القيام مع القدرة؛ لقول الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238] ولحديث عمران بن حصين رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب» رواه البخاري.
فإن وقف منحنيًا أو مائلًا بحيث لا يسمى قائمًا لغير عذر لم تصح؛ لأنه لم يأت بالقيام المفروض.
ثانيًا: تكبيرة الإحرام، وهي قوله: الله أكبر في بداية الصلاة؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبّر» متفق عليه.
ثالثًا: قراءة الفاتحة في كل ركعة لقوله ﷺ : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت رضي اللَّهُ عَنْهُ.
والثابت عن النبي ﷺ أنه كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل.
رابعًا: الركوع؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77] وقول الرسول ﷺ: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر- حتى قال- ثم اركع حتى تطمئن راكعًا» متفق عليه. وأقله أن ينحني بحيث يمكن مس ركبتيه بكفيه، وأكمله أن يمد ظهره مستويًا ويجعل رأسه حياله.
خامسًا: الرفع من الركوع؛ لقوله ﷺ: «ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا» ووصفِ أبي حميد صلاةَ الرسول ﷺ أنه عليه الصلاة والسلام لا يسجد حتى يستوي قائمًا، ويعود كل فقار إلى مكانه.
وتقول عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا.
سادسًا: السجود على الأعضاء السبعة: وهي الرأس، ويشمل الجبهة والأنف، واليدان، والركبتان، وأطراف القدمين. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77] ولقول النبي ﷺ: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف الأقدام».
وأكمله أن يمكن جبهته وأنفه وكفيه وركبتيه وأطراف قدميه محل سجوده، ويصح أن يضع حائلًا بينه وبين الأرض إذا كان من عذر مثل أن يضع طرف ثوبه موضع سجوده في وقت الحر في الصحراء وغيره، أما إذا كان من غير عذر، فلا يصح أن يضع بينه وبين الأرض حائلًا.
ولا بد أن يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، ويفرق ركبتيه، لما روى أبو حميد أن النبي ﷺ: «كان إذا سجد نحّى يديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه».
ومن الاعتدال ألا يمتد في سجوده، ولا ينضم بأن يجعل بطنه على فخذيه، وفخذيه على ساقيه.
سابعًا: الرفع من السجود.
ثامنًا: الجلوس بين السجدتين؛ لقوله ﷺ للمسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا» والسنة أن يجلس مفترشًا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ويوجهها إلى القبلة.
تاسعًا: الطمأنينة في جميع الأركان، قال تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ۞ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1- 2] ولأمر النبي ﷺ الأعرابي بالطمأنينة في جميع الأركان، لما أخل بها قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل».
عاشرًا: التشهد الأخير، وقد روي عن ابن مسعود رضي اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: كنا إذا صلينا خلف النبي ﷺ قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله ﷺ، فقال: «إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات.. الخ» رواه البخاري.
الحادي عشر: الجلوس للتشهد الأخير، لما ثبت من فعل النبي ﷺ المتواتر أنه كان يقعد القعود الأخير، ويقرأ فيه التشهد، وقد أمرنا النبي ﷺ باتباعه، فقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
الثاني عشر: الصلاة على النبي ﷺ؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] وعن أبي مسعود البدري قال: قال بشير بن سعد: أمرنا أن نصلي عليك يا رسول الله، فكيف نصلي عليك؟ فسكت رسول الله ﷺ، ثم قال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد… الخ».
الثالث عشر: الترتيب في هذه الأركان كما ذكرنا، فلو سجد مثلًا قبل الركوع عمدًا بطلت صلاته، وإذا كان سهوًا لزمه الرجوع ليركع، ثم يسجد؛ لأن النبي ﷺ صلاها مرتبة وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
الرابع عشر: التسليم كما روي، عن علي رضي اللَّهُ عَنْهُ أن النبي ﷺ قال: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» رواه أبو داود والترمذي.
هذه – عباد الله- أركان الصلاة وعددها أربعة عشر ركنًا بأدلتها من الكتاب والسنة، وقد جمعها بعضهم بأربعة أبيات فقال:
وأركانها خذها القيام لقــادر وتكبيرة الإحرام والحمد فاسرد
ومنها ركوع واعتدالك بعـده سجود على آرابك السبع فاسجد
وجلسته بين السجود تشهــد أخير وأن تجلس لهذا التشهـد
صلاة على الهادي به وسلامها وأن تطمئن افهم وترتيب أشهد
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه يغفر الله لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله!
لسائل أن يسأل ويقول: ما حكم من ترك ركنًا في الصلاة؟ فالإجابة على هذا السؤال نقول: إن كان المتروك تكبيرة الإحرام عمدًا أو سهوًا لم تنعقد الصلاة، ومن ترك ركنًا غير تكبيرة الإحرام عمدًا بطلت صلاته، وإن كان سهوًا فتفصيله:
- إن وصل المصلي إلى موضع تركه من الركعة التالية، التفت الركعة التي نسي فيها الركن، وقامت التالية مقامها، ويسجد للسهو بعد الصلاة، ثم يسلم عقب سجوده.
- إذا لم يَصِل إلى موضع الركن المتروك سهوًا عاد إليه، فأتى به وبما بعده وجوبًا، وسجد بعد السلام عقب سجوده.
- فإن تذكر بعد الصلاة، فحاله لا يخلو من أمرين:
أ – لم يفصل فاصل طويل ، وكان قريب الوقت من الصلاة قام دون تكبير، وأتى بركعة كاملة مع التشهد الأخير والسلام، ثم السجود للسهو، ويسلم.
ب- وإن فصل بينهما فاصل طويل، فإنه يعيد الصلاة كلها لبطلانها بترك ركن من أركانها.
أيها المسلمون!
هذه أركان الصلاة، والذي ترك ركنًا من أركانها حكمه كما ذكرنا، فالصلاة الصلاة – عباد الله- في أول الوقت بخشوعها وخضوعها، بشروطها وأركانها، بواجباتها وسننها، لعل الله أن يحفظنا ويرعانا إذا ما نحن حافظنا عليها وعظمناها.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد ﷺ فإن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

من أنصار المرأة
الخطبة الأولى الحمد لله خلق الناس من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه التي...

الإيمان بالقضاء والقدر
الخطبة الأولى الحمد لله الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، خلق كل شيء فقدّره تقديرًا، وأحكم شرائعه ببالغ حكمته بيانًا للخلق، وتبصيرًا،...

الكهانة والعرافة
الخطبة الأولى الحمد لله الكريم الوهاب، غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، يقبل التوبة من عباده ممن أذنب، وتاب، أحمده...

أحكام الخطيب والخطبة
لقد أفردت هذا الفصل بالأحكام المتعلقة بالخطيب والخطبة لأهمية هذه الأحكام ولأن من المقاصد العظمى من يوم الجمعة هي هذه...

التعليم مسؤولية الجميع
الخطبة الأولى الحمد لله علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،...