home-icon
التقوى

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين، أمر بتقواه، ووعد المتقين خيرًا كثيرًا، أحمده سبحانه ولي المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه، أعد للمتقين أجرًا كبيرًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أتقى الناس لله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله! كلمة صغيرة يرددها كل خطيب وواعظ، يوصي بها كل مقيم ومسافر، كلمة قليلة الحروف، عظيمة المعنى، حري بقائلها والموصي بها وسامعها، بل حري بكل مسلم ومسلمة أن يقف عندها، يتأمل معناها ويطبقها، كيف؟! وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، ووصية سيد المرسلين، من عمل بها نجا، ومن تركها واستخف بها هلك، ثمارها عظيمة في الدنيا عظيمة في الآخرة، يسعد صاحبها، ويشقى ناسيها ومتناسيها، وتاركها والغافل عنها، اعتنى بها السلف الصالح، وعظموها في نفوسهم، وأوصوا بها من بعدهم، وبخاصة عند موتهم ومفارقتهم للدنيا، فهي أعظم نصيحة في بيوتهم وطرقاتهم، في سلمهم وحربهم، وصحتهم ومرضهم، وحال قوتهم وضعفهم، ورخائهم وشدتهم.

أيها المسلمون! تلكم الكلمة العظيمة هي التقوى، التي طالما سمعناها ليلًا ونهارًا.

التقوى: أن تجعل بينك وبين ما يضرك وقاية تحول بينك وبينه، وتقوى الله تعالى: أن تفعل ما يأمرك به، وتجتنب ما ينهاك عنه، فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، شعارك أمره ونهيه، حول هذا المعنى ترددت عبارات السلف في تصويرها وبيانها، قال ابن عباس رضي اللهُ عَنْهُمْا ،: المتقون: الذين يحذرون من الله وعقوبته. وقال ابن مسعود رضي الله عنه : أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. وقال طَلْقُ بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.

وسُئل أبو هريرة رضي الله عنه عن التقوى، فقال: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته، أو قصرت عنه، قال: ذاك هكذا التقوى. وأخذ هذا المعنى الشاعر ابن المعتمر فقال:

خلِّ الذنوب صغيرهـا       وكبيرها فهو التقـــى
واصنع كماش فوق أرْ      ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيــرة           إن الجبال من الحصـى

أيها المسلمون! هذه التقوى، هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين من عباده: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ [النساء: 131].

وقد أمر الله تعالى بها في كتابه العظيم بصيغ متعددة، ورتب على حصولها الآثار العظيمة، يقول تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [المائدة: 96]. ويقول جل وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون﴾ [الحشر: 18]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ويقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ۞ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج:1-2] ويقول جل شأنه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [التغابن: 16].

وهي وصية الرسول ﷺ لأصحابه وأمته، روى الترمذي وغيره عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم».

وروى الترمذي بسند حسن، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

وروى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: «أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام». وخرجه غيره بلفظ: «عليك بتقوى الله، فإنه جماع كل خير» وروى الترمذي، عن يزيد بن سلمة أنه سأل النبي ﷺ قال: يا رسول الله إني سمعت منك حديثًا كثيرًا أخاف أن ينسي أوله آخره، فحدثني بكلمة تكون جماعًا، قال: «اتق الله فيما تعلم» وكان ﷺ إذ بعث أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا.

أيها المسلمون! وعلى هذه الوصية العظيمة درج سلف الأمة بوصيتها لمن بعدهم تعظيمًا لشأنها، وعلوًا لمكانتها، وبيانًا لأهميتها، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، ولما حضرته الوفاة، وعهد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعـاه، فوصاه بوصيته، وأول ما قال له: اتق الله يا عمر، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى ابنه عبدالله، فقال: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصب عينيـك، وجلاء قلبك. واستعمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلًا على سرية فقال له: أوصيك بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ الذي لا بد لك من لقاه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل فقال: أوصيك بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياكم من المتقين، وكتب رجل من السلف إلى أخ له: أوصيك بتقوى الله فإنها من أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت. وكتب رجل لآخر، فقال: أما بعد، أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال، في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره.

فاتقوا الله، أيها المسلمون! وراقبوه في أقوالكم وأعمالكم، وفي جميع تصرفاتكم وسلوككم، وتواصوا بها في عموم أحوالكم، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي وعد بالخير والفضل من اتقاه، وتفضل بقبول من دعاه، أحمده سبحانه على فضله، وأشكره على نعمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله خير الناس وأتقاهم، وسيد المتقين والأبرار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وعلى منهاجهم اقتفى وسار، أما بعد:

التقوى بالمعنى الذي سمعناه تضفي على صاحبها آثارًا عظيمة في الدنيا والآخرة، بل تضفي على المجتمع بكامله آثارًا لو تدبرها الناس لتسابقوا إلى فهمها وتطبيقها.

التقوى سبب لتيسير أمور الإنسان بقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا  ﴾ [الطلاق: 4] وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ ۞ وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ ۞ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ﴾ [الليل: 5-7].

التقوى سبب لفتح البركات من السماء والأرض، وحصول الأرزاق على الفرد المتقي، والمجتمع المتقي، يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]. ويقول سبحانه: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍۢ وَأَشْهِدُوا۟ ذَوَىْ عَدْلٍۢ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا۟ ٱلشَّهَـٰدَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ ۚ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًۭا ۞ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَـٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًۭا﴾ [الطلاق: 2، 3].

والتقوى سبب للتوفيق في الحياة، يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ [الأنفال: 29]. ويقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحديد: 28].

والتقوى سبب لنيل ولاية الله، فأولياء الله هم المتقون، ﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 34].

والتقوى عامل قوي لعدم الخوف من كيد الكائدين، وضرر الكافرين، يقول تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

والتقوى سبب لنيل العلم وتحصيله وحصول بركته، يقول سبحانه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 282].

والتقوى موصلة إلى رحمة الله في الدنيا قبل الآخرة، يقول تعالى: ﴿وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ۚ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 156].

وأهل التقوى تحصل لهم البشرى والاطمئنان في الحياة الدنيا سواء بالرؤيا الصالحة، أو بمحبة الناس لهم، والثناء عليهم، يقول تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ۞ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [يونس: 63 – 64].

أيها المسلمون! ومن ثمار التقوى في الآخرة، وما أكثرها! أنها سبب للفوز والفلاح، والنجاة يوم القيامة من عذاب الله تعالى: يقول جل وعلا: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: 13] ويقول: ﴿ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52]، ويقول جل شأنه: ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ۞ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: 71-72].

والمتقون هم الذين تقبل أعمالهم، ويرثون الجنة التي أعدت لهم، يقول سبحانه: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: 27]، ويقول: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 63]، ويقول: ﴿ لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ﴾ [الزمر:20] ويقول: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133].

وبالتقوى- عباد الله- تكفر السيئات وتمحى الذنوب، وتغفر الزلات، وترفع الدرجات، يقول تعالى: ﴿ ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا﴾ [الطلاق: 5]، ويقول جل وعلا: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ [المائدة: 65].

أيها المسلمون! هذا شيء من ثمرات التقوى وآثارها في الدنيا والآخرة، فحري بنا أن نسارع لنكون من المتقين، أن نتقي الله تعالى في كل شأن من شؤون حياتنا في بيوتنا وطرقاتنا، في وظائفنا، وأثناء أداء أعمالنا، في أخلاقنا وبيعنا وشرائنا، في جوارحنا وقوانا.

فالمسؤول أيًا كانت مسؤوليته عليه أن يتقي الله تعالى في مسؤوليته وما أسند إليه من تكاليف، يراعي العدل، ويخشى الله، والموظف والعامل عليه بتقوى الله في أداء وظيفته وعمله، يراعى ما كلف به، وما اؤتمن عليه، والوالد والأم في تربيتهما لأولادهما ورعاية مسؤوليتهما، والمعلم والمربي أن يتقى الله تعالى في أسلوب تعليمه ومادته العلمية وتربيته لطلابه، وكل فرد عليه أن يتقي الله فيما أنعم عليه من الجوارح ، فلا يوردها من حرام، ولا يصرفها في حرام.

اتقوا الله- عباد الله – واقتدوا بنبيكم وإمامكم وقدوتكم، وصلوا عليه وسلموا كما أمركم الله جل وعلا بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب: 56].