
الخطبة الأولى
الحمد لله على فضله وإحسانه، يوالي مواسم الخير على عباده على مدار الأيام والشهور، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، إنه غفور شكور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآب والمصير، أما بعد :
عباد الله! اتقوا الله تعالى، واذكروا أيام الله لعلكم تذكرون، واذكروا أيام الله بنصر أنبيائه وأتباعهم لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه ومن والاهم لعلكم تتقون، واذكروا أيام الله إذا نزل للقضاء بين عباده يوم القيامة فقضى بينهم بفضله وعدله لعلكم تؤمنون.
أيها المسلمون! اعلموا أن في قصص الأولين والآخرين من الأنبياء والمرسلين عبرة للمعتبرين وذكرى للمتذكرين، يستفيد منها الحصيف، ويعقلها اللبيب، فيجعلها عبرة يعتبر بها، ومنارًا يستضيء بها، ولذا كثر ذكرها في القرآن الكريم، واستأنس بها الرسول الأمين: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وإن من أعظم القصص وأكثرها ذكرًا وأطولها سياقًا في القرآن الكريم، قصة موسى، عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر سبحانه وتعالى قصته في مواضع متعددة، مبسوطة تارة ومختصرة أخرى، كل ذلك ليقف معها المسلم متدبرًا ومتعظًا ودارسًا ومعتبرًا، ينطلق من قراءتها لتطبيق ما يستفيد في واقع حياته الخاصة والعامة، فيها مواقف عظيمة، ودروس مفيدة، ذلكم أن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعًا يستضعف طائفة منهم، وهم بنو إسرائيل الذين هم من سلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل الأرض، وقد تسلط عليهم هذا الظالم الغاشم يستعبدهم ويستخدمهم في أخس الصنائع، ويزداد بطشه وجبروته وظلمه وعدوانه بعد أن بلغه أنه سيخرج من ذرية إبراهيم من بني إسرائيل من يكون هلاكه على يديه، فيصدر أمره الحاسم الظالم، ويوقع عليه بكل طغيان وتكبر وعلو، ويقضي هذا الأمر بقتل أبناء بني إسرائيل حذرًا من وجود هذا الغلام- وما علم هذا المسكين أن ما قدره الله سبحانه كائن لا محالة، وواقع لا مفر منه، ولن يغني حذر من قدر، ولكن لا يستفيد من هذا إلا من اعتبر- ويعمل جميع الاحتياط فيسخر جنوده ورجاله ويأمر النساء القوابل التي تباشر الولادة أن يدرن على النساء الحوامل ويعلمون ميقات وضعهن فلا تلد امرأة ذكرًا إلا ذبحه من ساعته، وما علم أن الظلم ظلمات في الدنيا والآخرة، وأن الدائرة ستدور عليه، وأنه مهما طال الزمن أو قصر، فالله جل وعلا موجود ينتصر للمظلوم، فدعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه.
ويحدث ما يقدره الله سبحانه وتعالى، فمهما عمل المخلوق، فالذي يحصل ما يقدِّره الخالق سبحانه، يحدث أن يولد موسى عليه الصلاة والسلام وتضيق به أمه ذرعًا، ويقتلها الخوف والهلع خشية على هذا المولود الصغير، فيلهمها الله بأن تضعه في صندوق تحفظه فيه، وكانت على نهر النيل، وتربطه وتمسكه بدارها، وذات يوم نسيت أن تربط الحبل، فذهب التابوت وفيه ولدها مع النيل، فيمر على دار فرعون ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ [القصص: 8] ووضع بين يدي امرأة فرعون، فلما فتحته رأت وجهه يتلألأ نورًا، فأحبته حبًّا شديدًا، فلما جاء فرعون ورآه أمر بذبحه، فطلبت منه ألا يقتله ودافعت عنه، وقالت: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: 9] وقد أنالها الله ما رجت منه من النفع، فهداها الله بسببه، وأسكنها جنته، ويشاء الله سبحانه أن يتربى هذا الغلام في بيت فرعون، سبحانه ربي من حكيم عليم، أرادوا أن يغذوه بالرضاع فلم يقبل ثديًا، فحاروا في أمره، وبذلوا الغالي والنفيس لكي يتغذى، فلم يقبل أي ثدي، وصدق الله: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ﴾ [القصص: 12] فأرسلوه مع القوابل لعلهم يجدون مرضعة يقبل ثديها، ورأته أخته ولم تظهر معرفته، بل قالت: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: 12] وتدلهم على أمه، فيلتقم ثديها ويرضعه، وتفرح به أمه ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].
ويشاء الخبير العليم أن يتربى موسى عَلَيْهِ السَّلَام في بيت فرعون برعاية الله وحفظه، يتغذى بأطيب المآكل، ويلبس أحسن الملابس، وذات يوم يدخل المدينة، ويجد رجلين يتضاربان، واحد من قومه بني إسرائيل، وآخر من قوم فرعون، فاستنصره صاحبه، فضرب الآخر وقتله، وندم موسى بعد ذلك، فدعا الله وسأله المغفرة، فغفر الله له؛ لأن الله غفور رحيم، فكل من أذنب واستغفر الله وجد الله غفورًا رحيمًا، ثم يفر موسى هاربًا لما سمع أنه قيد البحث ليقتل، توجه إلى أرض مدين، وهي المدينة التي أهلك الله فيها قوم شعيب، فوصل إليها، ووجد مجموعة من الناس يتزاحمون على الماء، ووجد بعيدًا عن الماء امرأتين، فسألهما عن شأنهما ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23] هكذا الحياء والستر، والعفاف والطهر، لم تختلطا بالرجال من أجل الحاجة إلى الماء، تنتظران حتى يذهب الناس، فينبغي أن تأخذ نساء المسلمين وبناتهم من هذا الموقف درسًا في الحشمة والحياء، وعدم الاختلاط بالأجانب، وينبغي أن يفقه أولياء أمور النساء هذا الدرس العظيم، ويزداد الأمر تأكيدًا: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ فما خرجنا من بيتنا إلا لحاجة شديدة لأن أبانا لا يستطيع الخروج، ألا يأخذ دعاة ما يسمى بتحرير المرأة وخروجها إلى ميادين الرجال عبرة ودرسًا؟ إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ويسقي لهما موسى ويتأكد موقف الحياء، فيقرره الله سبحانه وتعالى من فوق سبع سماوات: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: 25] فيأتي إلى أبيهما ويقص عليه قصته، وبعد ذلك تطلب إحداهن من أبيها أن يستأجره ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26] الله أكبر! عنصران مهمان في الموظف والمستأجر والعامل: القوة والأمانة، فليعِ هذا الأمر كل موظف وعامل ومستأجر إلى تلك المؤهلات المهمة التي هي سبب نجاح العمل، ويستمر موسى عليه السلام عند هذا الرجل، ويطلب منه الزواج من بنته لما رأى من صفاته الحسنة، وهكذا ينبغي لمن رأى كفؤًا أن يعرض له بزواجه من بنته أو مولاته أيا كانت، والمؤسف أن الكثير من الناس يرد الأكفاء لأسباب تافهة كالمال والدراسة، ليس لها ميزان في شريعة محمد ﷺ، ومن ثم تكون الضحية بنته.
فاتقوا الله عباد الله واعملوا بهذه الدروس العظيمة، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله ﷺ.
وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا في نعمه، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ﷺ وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:
أيها المسلمون!
وبعد جلوس موسى ثماني أو عشر سنوات يرعى غنم هذا الرجل الصالح ويتزوج بنته ثم يرجع بزوجته يريد أرض مصر، وفي طريقة أكرمه الله برسالته، وأوحى إليه وخاطبه بكلامه العظيم، وأرسله إلى فرعون بالآيات والسلطان المبين، ليعبد الله وحده ويترك التكبر والطغيان والجبروت، لكنه يزداد تكبرًا وطغيانًا وعدوانًا ، بل يصل به الأمر إلى تهديد موسى إن لم يعبده هو: ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: 29] وما علم أن الذي أرسل موسى هو خالق الكون كله، ولكن مع هذا كله أراد أن يستعمل القوة، فيوحي الله إلى موسى أن يخرج هو وقومه، فلما علم بخروجهم غضب وسار بجنوده خلفهم، فأدركهم عند شروق الشمس، وقد انتهوا إلى البحر فصار البحر أمام قوم موسى، والعدو خلفهم، والجبال عن يمينهم وشمالهم، فخافوا، لكن موسى عَلَيْهِ السَّلَام الواثق بنصر الله ، ومن كان مع الله في كل شيء كان الله معهم يطمئنهم ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ [الشعراء: 61] فيقول موسى: ﴿قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62] فأوحى الله إليه ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63] فيتقدم صلوات الله وسلامه عليه إلى البحر وهو يتلاطم بأمواجه، فلما ضربه انفلق وصار اثني عشر طريقًا يابسة لا وحل فيها، وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال، فانحدروا مسرعين مستبشرين، ودخل فرعون وجنوده في أثرهم، فلما جاوزه موسى وقومه وخرج آخرهم منه، وتكامل فرعون وقومه في داخل البحر أطبقه الله عليهم، وعاد إلى حالته الأولى، فأغرقهم أجمعين، هذه نهاية فرعون الطاغية وقومه في الدنيا، وهي نهاية كل طاغية ظالم في الدنيا، ويوم القيامة أشد وأنكى.
وهذه نتائج الصبر والإيمان والدعوة، فحكمة الله باقية، نصر للمؤمنين، وهزيمة للكافرين.
أيها المسلمون! لنأخذ من هذه القصص عبرة لنا في حياتنا وواقعنا، ونرتبط بخالقنا، ونقرأ كتاب ربنا لنستلهم منه العبر والعظات والدروس لنا، وصدق الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ﴾ [النازعات: 26].
ومن العبر أن نعمل ما أمرنا به رسوله ﷺ من صيام هذا اليوم الذي تم فيه النصر وهو يوم العاشر من محرم وصيام يوم قبله أو بعده مخالفة لليهود، فيكفر الله لنا بهذا الصيام ذنوب سنه كما صح بذلك الخبر عن سيد البشر، وصلوا وسلموا عليه كما أمركم الله جل وعلا بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾

شروط الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله وعد المحافظين على الصلاة أجرًا عظيمًا، وأعد لهم في جنات الفردوس نعيمًا مقيمًا، أحمده سبحانه وأشكره...

في وداع رمضان
الخطبة الأولى الحمد لله، وفق من شاء لطاعته، فكان سعيهم مشكورًا، ثم أجزل لهم العطاء والمثوبة، فكان جزاؤهم موفورًا، أحمده...

المواقفُ أثناء الفتن
الخطبة الأولى الحمد لله المبدىء المعيد، ذي العرش المجيد، الملكُ ملكه، والخلق خلقه يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، أحمده...

النصيحة
الخطبة الأولى الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا...

من مقتضيات العقيدة: الشكر
الخطبة الأولى الحمد لله على فضله وإحسانه، امتن علينا بنعمه وآلائه، أحمده سبحانه حمد الشاكرين، وأشكره شكر العارفين، وأشهد أن...