
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الحق ناصعًا أبلجًا، وجعل الباطل مظلمًا لجلجًا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُخاف ويُرتجى،
وأشهد أن نبينا وعظيمنا محمدًا عبده ورسوله، أقام لدولة الحق سُرُجًا، ودفع الباطل فاستبان زائفًا بهرجًا، اللهم اجعل معونتك العظمى لنا سندًا وملتجأ.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أهل النور والدجى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما أسفر صبحٌ وما ليلٌ دجى.
أما بعد، عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فألزموها في كل أزمانكم وأحوالكم.
أيها المسلمون! تمر الأيام، ويتعاقب الزمن، فتنكشف أمور، وتتعمق مفاهيم، وتتضح مشكلات، وتزيد معارف.
في هذا الزمان الذي تقدمت فيه كثير من وسائل الاتصالات، وتبين كثير مما لدى الأمم من معاني ومفاهيم، تبرز لنا سنة عظيمة من سنن الله تعالى في هذا الكون الفسيح، قررها ربنا تعالى في كتابه الكريم، وعاشها رسله وأنبياؤه مع أقوامهم، وتسطّرت لنا واضحة جلية في سيرة إمامنا وقدوتنا ﷺ، وهو يقوم بتبليغ رسالة ربه، ودعوة مولاه.
تلكم عباد الله، هي سنة الصراع بين الحق والباطل، التي ما تفتأ برهة من الزمن إلا وتزداد رسوخًا في الأذهان، لظهورها واضحة جلية للعيان، وذلك لتقارب الميادين في الزمان والمكان.
أيها المسلمون! هذه سنة من سنن الله تعالى قررها في القرآن الكريم. وما خلق إبليس -أعاذنا الله منه- إلا لحكم عظيمة، هذه من أظهرها، قال تعالى: ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ • ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ﴾ [الأعراف: 16–17]وما إرسال الرسل إلا لتقرير الحق وبيان ودحض الباطل، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36] بل وما خُلقت الجنة إلا لأهل الحق، وما خُلقت النار إلا لأهل الباطل.
وعلى مدار التاريخ- عباد الله- والسنة جارية في هذا الصراع، حتى بُعث محمد ﷺ على فترة من الرسل، وفي جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، والشرك ضارب أطنابه في أكثر بقاع الأرض، واليهود ينتظرون خروج نبي آخر الزمان منهم، والنصارى يظنون أنهم على الحق.
بُعث محمد ﷺ، فعادته تلك الطوائف، وأشدها عداوة المشركون واليهود، قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ ﴾ [المائدة: 82]
فاشتد الصراع بين الحق والباطل حتى نصر الله الحق، ففُتحت مكة، ودُحر اليهود، وخرّبوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ودخل الناس في دين الله أفواجًا.أفواجًا، وانتشر الإسلام، واتسعت رقعته، وعم الأرض..لكن حكمة الله وسنته ماضية؛ فازداد الصراع.ينتصر أهل الحق إذا نصروه، وينتصر أهل الباطل إذا خذل أهل الحق حقهم، وضعفوا واستكانوا.
أيها المسلمون! ونحن اليوم نشهد هذا الصراع في مسارح متعددة، وبقع كثيرة.. نراه في وجه عسكري ظاهر، ونراه في وجه اقتصادي تتضح معالمه، وفي وجه فكري مندس بيننا، وفي وجه أخلاقي يلوح به علينا، وغزيت به مجتمعاتنا.. وفي أوجه أخرى متعددة، وأساليب متباينة صراحة تراه، ونفاقًا ملوثًا أخرى في التباكي على مصالح الأفراد تارة، ومصالح المجتمعات تارة أخرى.
وإن خفي في وجه من الوجوه ظهر في وجه آخر، هذه حقيقة.أيها المسلمون! ومع هذا الصراع المتعاقب الذي لا ينتهي مع نهاية
الزمان، فالحق هو الظاهر، وهو المنتصر، وهو القوي، وهو الغالب، لكن
لا يظهر هذا الانتصار وتلك القوة الغالبة إلا بنصرة أهله له، وبتمسكهم به،وبإظهاره، وبعزتهم به، فقد جاء ذلك معلنًا في كتاب الله عز وجل، قال
تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوٓا إِن تَنصُرُوا ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]وقال سبحانه: ﴿ وَقُلْ جَاءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [الصافات: 173] ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47].
أيها المسلمون! وفي هذا الزمان يشتد الصراع بزعامة يهود في بقعة من أطهر البقاع، في الأرض المباركة.. صراعًا اقتصاديًا، وفكريًا، وأخلاقيًا، واجتماعيًا.. وصراعًا عسكريًا يبلغ أشده وفي أحدث تقنياته. ولكن لعظم تلك الحقيقة المقررة أن النصرة للحق وأهله.. يصل انهزامهم إلى أن مثل أن المرأة والطفل الصغير، والشيخ الكبير. هذه عاداتهم وأخلاقهم وسلوكهم في معاملاتهم مع الله، وفي معاملتهم مع خلق الله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [المائدة: 64] ﴿وَتَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 62] ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217]
أيها المسلمون! لم يسجل التاريخ قضية تجمعت فيها الأحقاد العالمية، وبرزت منها المتناقضات الدولية، وتجلى فيها التلاعب بالمصطلحات اللفظية، والعبث بالعبارات الوثائقية مثلما سُجل في قضية فلسطين المسلمة، وقدسها، جاءت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها، الإلحاد تآزر مع الصليبية، والشيوعية في حينها تضامنت مع الرأسمالية، والشرق تآمر مع الغرب، تألفت منها جميعًا حلقات البغي المعلن، والكيد المبطن.
أيها المسلمون! والقضية ستستمر تظهر فظاعة وشناعة يهود: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: 217]وليس هذا بغريب، ولكن الغريب لمن لم يَدَّكِر مع كثرة الأحداث وتعاقب الحوادث، ولكن النبي ﷺ مؤيد بخبر السماء بالوحي، فقد أخبر ﷺ، عن الطائفة المنصورة المؤيدة بتأييد الله وأنها ما تزال موجودة إلى آخر الزمان ظاهرة على الحق بقوله: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله”
وما يحدث في فلسطين مما تعمله حجارة الأطفال في اليهود بشائر، وبشائر ترفع الرأس، وتذكي الهمم، فليعلمه من لا يعلمه أن القضية صراع بين الحق والباطل، وأن النزاع نزاع عقيدة ومصير، وأن الانتصار للحق إن شاء الله، نسأل الله أن يعلي الحق وأهله على الباطل وأهله.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة رسوله ﷺ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعث كل فرد وحده، أما بعد:
عباد الله! ومن حكمة الله تعالى في الصراع بين الحق والباطل: غلبة هذا تارة، وغلبة ذاك تارة أخرى، والضابط في هذا الأمر تمسك أهل الحق به، وقوة إيمانهم به، وعملهم بمقتضاه، ومتى كان الأمر كذلك غلب أهل الحق مهما كانت حال الباطل وأهله: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: 81]
ومن سنته كذلك: أن أهل الباطل في ألم شديد، وحسرة متناهية وإن تراءى للعيان والنظر أنهم متفوقون فكرًا وعدةً وعتادًا، فقد قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء: 104]وقال سبحانه: ﴿بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ﴾ [الحشر: 14]والألم حاصل، ولكن أهل الحق ينظرون إلى الدار الآخرة، ورجاء ما عند الله تعالى، فيخف الألم، بل ويكون منحة بدلًا من أن يكون محنة، ومن هنا يتلذذ أصحابه بما يعانونه من تعب وألم ونصب ولسان حالهم يقول:
بَصُرْتُ بالراحة الكبرى فلم أرها تُنال إلا على جِسْرٍ من التعب
فالباطل له ساعة، إلا أن الحق مستمر إلى قيام الساعة.
أيها المسلمون! وإن من السنن في الصراع بين الحق والباطل أنه لا عز لهذه الأمة، ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله تعالى وسنة رسول الله ﷺ، فليست النعرات القبلية، ولا العصبيات العرقية، ولا الالتواءات السياسية إلا خسارًا أو خبالًا وهزيمة، وليس بغير دين الله معتصم، به العز والمنعة، وعليه وحده مجتمع الكلمة، وليس هناك مجد وذكر إلا به: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 44]
أيها المسلمون! ومن السنة في الصراع أن الحوادث الموجعة تزيد أهل الحق صلابة، تربية لهم وصقلًا، فضربة السوط التي لا تقصم الظهر تقويه وتزيده صلابة ومتانة، وهكذا التجارب والمحن، تصقلهم وتخلد ذكرهم، وتحفظ حقهم وتكتب أجرهم.
أيها المسلمون: وفي هذا الزمان كثرت الأوجاع والحوادث، ولا صوت جهوريًا، وكثير من أهل الحق يزداد يأسًا وقنوطًا، ولم يعلم بأنه كلما اشتدت المحن، وأظلم الليل، قرب الفجر، فهل يعي كل مسلم ذلك فيبشر ويؤمل خيرًا، فتقوى علاقته بربه وإيمانه به، ويزداد عملًا للصالحات، وكل هذا من عوامل انتصار الحق ابتداءً بالنفس والمجتمع والأمة: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 44]
ثم صلوا وسلموا على من جاء بالحق وعمل به كما أمركم الله جل وعلا بقوله:
﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

توحيد العبادة
الخطبة الأولى الحمد لله الذي أمرنا بتوحيده، وشرفنا بعبوديته، وكلفنا بطاعته وعبادته، أحمده سبحانه وأشكره شكرًا يليق بجلاله وعظمته، وأسأله...

الإيمانُ بالملائكَة والكتُب والرُّسُل وأثرُ ذلك في الحياة
الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين، ولي المؤمنين، امتن علينا بسلوك سبيل الناجين، أحمده، سبحانه، وأشكره على نعمه حمد الشاكرين،...

القلق والاكتئاب .. مرض العصر
الخطبة الأولى الحمد لله قابل التوب، وغافر الذنب، يقبل العثرات ويستر العيوب، وبذكره تطمئن القلوب، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد ألا...

خطبة بمناسبة العام الدراسي الجديد
الخطبة الأولى الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا...

من مقتضيات العقيدة: التوكل على الله
الخطبة الأولى الحمد لله القوي المتين، الملك الحق المبين، أحمده سبحانه، وأشكره حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله...