
الخطبة الأولى
الحمد لله شرح صدور عباده المؤمنين لطاعته، وأعانهم على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وحذر من الالتواء، والنفاق في معاملته، أحمده سبحانه، وأشكره على منّه، وفضله، ونعمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، وإلهيته، وأسمائه، وصفاته، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمدًا عبده، ورسوله، اصطفاه الله من خلقه، وأكرمه برسالته، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجه، وسيرته، أما بعد:
اتقوا الله عباد الله، فبتقواه تزكو النفوس، وتتطهر، وتنظف القلوب، وتعمر، وتصلح الأحوال.
أيها المسلمون!
ناقض من نواقض التوحيد خطير، وخلل في العقيدة كبير، تهواه النفوس المريضة، وتتعامل به القلوب الصدئة، وتتاجر به الأفئدة الخاسرة، مسلك مشين، وطريق مشبوه، عواقبه وخيمة، ونتائجه هلاك في الدنيا والآخرة، تنفر منه الطباع السليمة، ويأباه الناس في تعاملهم المادي، حذّر منه الإسلام تحذيرًا شديدًا، وشنع على المتعاملين به، وبيّن صفاتهم، وقبّح أفعالهم.
ذلك أيها المسلمون! هو النفاق، وأهله هم المنافقون، المنافق يظهر الإسلام، ويبطن الكفر، يظهر الحب، والمودة للمسلمين، ويبطن البغض، والكره لهم، يظهر مؤاخاتهم، ونصرتهم، وموالاتهم، ويبطن الحسد، والغل، والحقد عليهم، يظهر النصح، والصدق، ويبطن الضرر، الكذب، يظهر الإصلاح، ويبطن الفساد.
النفاق: شر عظيم، وداء عضال، ووبال كبير.
أيها المسلمون!
النفاق نوعان: اعتقادي، وهو إظهار الإسلام، وإبطال الكفر، فيظهر هذا المنافق أنه مؤمن بالله سبحانه، مستقيم على دينه، يحب المسلمين، ويواليهم، ويظهر النصح لهم، وحقيقة أمره أنه يخادعهم بأقواله، وكلماته، ويلبِّس عليهم، دينهم، ويفرح بالضرر إذا أصابهم، وأصحاب هذا النوع: خالدون مخلدون في النار، بل في الدرك الأسفل منها ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [ النساء: 145] يصطلون بحرِّها، ولهيبها، هذا جزاؤهم ومصيرهم، وتلك عاقبتهم، ونهايتهم، عاقبة وخيمة، ونهاية أليمة، استحقوها لما اتصفوا به من صفات مشينة أخرجتهم عن الملة، وإن صلوا، وصاموا، وزعموا، أنهم مسلمون.
أيها المسلمون!
ولعظم خطرهم، وفداحة جرمهم ذكرهم الله تعالى، في مطلع سورة البقرة بثلاث عشرة، آية بينما ذكر الكفار في آيتين، فالكفار: أعداء واضحون، أما المنافقون: فأعداء مستترون، بل ويظهرون بمظهر المؤمنين، ويلبسون لباسهم. ولكن لهم صفات يتصفون بها، وعلامات يتميزون بها.
فمن صفاتهم دعوى الإيمان، والتباكي على الدين كذبًا دفينًا، ورأس مالهم الخديعة، والمكر، وبضاعتهم الكذب، والتحايل، وقلوبهم مليئة بالفتن، والأمراض، وشعارهم الباطن الفساد، والإفساد في الأرض، يتعاملون بوجوه كثيرة، ومجالسهم الخاصة يغمرها السخرية، والاستهزاء بالدين، وأهله، والعلم، والعلماء مع رفع شعار الإصلاح، وعدم الإفساد، قال تعالى عنهم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: 8-14].
والمنافقون: يظهرون عبادة الله، وقد يصلّون، ولكن بكسل، وخمول، ورياء قال تعالى عنهم ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142].
حديثهم يعجب السامع، وعباراتهم منمقة، ولكنه كذب، وخداع، قال سبحانه ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ [البقرة: 204]. ﴿ ۞ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4].
إذا دعوا إلى كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله ﷺ أو طُلبوا لتحكيم شرعه ضاقت صدورهم حنقًا، وغيظًا، وصدوا، وأداروا الحديث للشرق، والغرب: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾ [النساء: 61].
المنافقون يأمرون بالمنكر بعد أن يفعلوه، وينهون عن المعروف بعد أن يتركوه، ويتعاونون على ذلك، بخلاء جبناء، لا ينفقون إلا وهم كارهون، ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [التوبة: 67] وقال: ﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ [التوبة: 54].
همهم الفساد، والإفساد، وإن صلوا، وجاهدوا: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205]، وإن نُصحوا غضبوا، وتأففوا، وتبرموا: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 206]، يتخذون الكذب، والأيمان الكاذبة جنة، وستارًا عن أفعالهم القبيحة، وأفكارهم المشينة: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون: 2].
أيها المسلمون!
المنافقون تاريخهم أسود، حتى مع رسول الله ﷺ، آمنوا كذبًا، وزورًا، كذبوا، ولبَّسوا عليه، حاولوا قتله، وصدوا عباد الله المؤمنين عن الجهاد، والقتال، واستهزءوا به، عليه الصلاة والسلام، وصفوه بالصفات القبيحة بالجبن، والخور، ففي غزوة بدر تثاقلوا عن الخروج بدعوى أنه ليس فيه قتال، وفي أُحُد انخذل عبدالله بن أبي سلول بثلث الجيش المسلم بحجة أن الرسول ﷺ لم ينزل عن رأيه، وكشروا عن أنيابهم في غزوة الخندق وقالوا: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾
[الأحزاب: 12] وطائفة ادعوا الخوف على بيوتهم ﴿ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا ۚ وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ [الأحزاب: 13] وبعد الرجوع من غزوة بني المصطلق قال رأسهم في النفاق: ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: 8] ولما دعا رسول الله ﷺ إلى غزوة تبوك ادعوا الحر الشديد: ﴿فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَـٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓا۟ أَن يُجَـٰهِدُوا۟ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُوا۟ لَا تَنفِرُوا۟ فِى ٱلْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّۭا ۚ لَّوْ كَانُوا۟ يَفْقَهُونَ ٨١ فَلْيَضْحَكُوا۟ قَلِيلًۭا وَلْيَبْكُوا۟ كَثِيرًۭا جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ٨٢﴾ [التوبة: 81 – 82]، وبعضهم ادعى خوف الفتنة بنساء بني الأصفر: ﴿وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 49]، أما القلة القليلة التي خرجت، فكان همهم السخرية، واللمز، والهمز، برسول الله ﷺ وأصحابه قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنًا، ولا أجبن عند اللقاء، قال تعالى عنهم: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ۞لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ۚ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 65، 66].
أيها المسلمون!
واستمر تاريخهم الأسود على مدار تاريخهم يحيكون المؤامرات ضد المسلمين، فهم الذين أذكوا الفتن، وأججوا نيرانها بين الصحابة في عهد عثمان، وفي عهد علي (رضي الله عنه) واستمروا يثبطون المؤمنين عن نصرة دينهم، وأمتهم، ويلصقون التهم، والأباطيل، ويشيعون الشبه، مع تباكيهم على البلاد، والعباد، ينشطون وقت الضعف، ويخرجون وقت الأزمات، والمحن بما يثبط العزائم، يبجلون الكفار، ويعلون مكانتهم، ويحتقرون الدين، وأهله، والعلم الشرعي، وأهله، ويستهزئون بالمتمسكين بالإسلام، ويفرحون بالمصائب النازلة بالأمة. يريدون للأمة المسلمة أن تكون تابعة، لا متبوعة، يقدحون في التشريع، ويوهنون مكانة السنة، ويزعمون أن كثيرًا من التشريعات كانت لزمن معين، وأنها لا تصلح لزمننا، وغير ذلك من أفكارهم، وشبههم، ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾[المنافقون:4]، اللهم أعذنا من النفاق، واكفنا شر المنافقين، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، وسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله، فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية
الحمد لله أعزنا بالإسلام، ورفعنا بأتباع هدي خير الأنام، أحمده، سبحانه، وأشكره على آلائه العظام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال، والإكرام، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمدًا عبده، ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى، وزكى، وصام، وحج إلى البيت الحرام، صلى الله، وسلم، وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه البررة الكرام، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم على الدوام.
أما بعد: عباد الله! بعد أن أتينا على ذكر النوع الأول، وهو النفاق الاعتقادي، نأتي على ذكر النوع الثاني من النفاق، وهو ما يسمى بالنفاق العملي، أو النفاق الأصغر، وهو ليس بصغير بل من أعظم المنكرات، وأشد الآثام، ولكنه أصغر بالنسبة لما هو أكبر، وهو النفاق الاعتقادي، وهذا النفاق لا يخرج صاحبه من الملة، ولكنه خطير، وصاحبه ضعيف الإيمان يستحق العقوبة من الله، جل، وعلا.
أيها المسلمون!
لقد أوضح النبي ﷺ بعض علامات هذا النفاق، فقد روى الشيخان، عن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه) أن النبي ﷺ قال: «أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر». وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» وفي رواية لمسلم: «وإن صلَّى، وصام، وزعم أنه مسلم». جماع هذه الصفات تدل على أن شخصية حبها الظاهرة تختلف عن الباطنة، وهذا حال بعض الناس الذين يكثرون من التملق مع الآخرين، والمجاملات حتى على حساب الدين والشرع.
أيها المسلمون:
شر النفاق عظيم، وخطره جسيم، شخصية المنافق مزدوجة، وله أوجه يتعامل بها: ﴿ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النساء: 143]، ويكفي أن المنافق في جهنم بل في قعرها: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ۞ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾
[النساء: 145 – 146].
وفي الدنيا: مضطرب الحال، قلق القلب، غير واثق من نفسه، منبوذ ممن حوله لعدم ثقته به، غير مستقر، وهو من الخاسرين.
هذا- أيها المسلمون- هو النفاق، وهؤلاء هم المنافقون، وقد كان السلف، رحمهم الله، يخافون من هذا الداء المستطير، قال ابن أبي مليكة (رضي الله عنه): أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل، وميكائيل.
هؤلاء هم أهل القرن الأول مع فضلهم، وسبقهم، وصحبتهم لمحمد ﷺ يخافون النفاق، فما بالك بأهل القرن الخامس عشر؟ ألا فليتق الله كل مسلم ربه، جل وعلا، ويحذر من صفات المنافقين، وأفعالهم، وشبهاتهم، وحيلهم، ومكائدهم، ثم صلوا، وسلموا على من أخلص وجهه لله، خير خلق الله محمد بن عبدالله، كما أمركم الله جل وعلا في محكم التنزيل قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

صلاح القلب
الخطبة الأولى الحمد لله، خلق الإنسان في أحسن تقويم، وبيَّن له صراطه المستقيم، وأعانه على بلوغه بعقل قويم، وقلب سليم،...

من نواقضِ التَّوحيدِ: الشِّركُ بِالله
الخطبة الأولى الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره،...

من أنصار المرأة
الخطبة الأولى الحمد لله خلق الناس من نفس واحدة، وجعل منها زوجها ليسكن إليها، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه التي...

واجبات الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله الذي جعل الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وميزان أحوال السالكين، أحمده سبحانه وأشكره، جعل...

سنن الصلاة
الخطبة الأولى الحمد لله أنار طريق المؤمنين، ومنّ عليهم بكرمه العميم، أحمده سبحانه وأشكره على آلائه ونعمه فهو الله الرحيم...