
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي جعل الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحدين، وميزان أحوال السالكين، أحمده سبحانه وأشكره، جعل الصلاة رحمته المهداة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله ﷺ وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم وسار على سنته إلى يوم الدين، أما بعـد:
عباد الله! لا زال الحديث مع فريضة من فرائض الله المفروضة على كل مسلم مكلف، الغني والفقير، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى، والمسافر والمقيم، في الأمن والخوف، إنها قرة عيون الموحدين، ومعراج المتقين، بل إنها قبل ذلك قرة عين سيد المرسلين نبينا محمد عليه الصلاة وأزكى التسليم، إنها الصلاة يا عباد الله، ركن الدين وعموده، فإنه «لا دين لمن ترك الصلاة» رواه الطبراني وحسنه الألباني، و«لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة» رواه مالك في الموطأ، وكان أصحاب رسول الله ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة «ليس بين الرجل وبين الشرك والكفر إلا ترك الصلاة» رواه مسلم، و«من ترك صلاة مكتوبة فقد برئت منه ذمة الله» رواه الطبراني بإسناد حسن.
فمن أراد أن يحاسب نفسه صادقًا فليتفقد نفسه في صلاته وصلته مع ربه، ومن ضيّعها فهو لما سواها أضيع، إنها آخر ما يفقد العبد من دينه، فليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام، ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن قُبلت قُبل سائر العمل، وإن رُدّت رُدّ سائر العمل؛ هذه هي الصلاة- يا عباد الله- وإنها لكذلك وأكثر من ذلك، ولماذا لا تكون كذلك، وهي الصلة بين العبد وربه؟ لذة ومناجاة تتقاصر دونها جميع الملذات، نور في الوجه والقلب، وصلاح للبدن والروح، تطهر القلوب، وتكفر السيئات، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، مصدر القوة، ومطردة للكسل ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 153] وجالبة للرزق والبركة ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ﴾ [طه: 132] فبالصلاة- عباد الله – يقوى الإيمان، وتشتد العزائم، فتنتزع صاحبها من مشاغل الحياة، وتنتصر النفس على المغريات ﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ [النور: 37].
فويل للذين هم عن صلاتهم ساهون، وويل لهم يراؤون ويمنعون الماعون، تحولت الصلاة عندهم من عبادة إلى عادة، قلّ عندهم الاكتراث، وابتعدوا فيها عن التفقه والتفقد، فالصلاة عبادة يجب أن تؤدى على وجهها المشروع؛ لقول الرسول ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري. ولذا لا بد للمسلم أن يتعلم كل ما يتعلق بالصلاة من أحكام حتى يؤدي العبادة على الوجه الصحيح، ومن هنا تبرز أهمية التفقه في أحكام الصلاة، وكيف نؤدي صلاة صحيحة تامة كما علمنا إياها رسول الله ﷺ ؟ فالصلاة عبادة عظيمة تشتمل على ثلاثة أقسام: أركان وواجبات وسنن، وقد سبق الحديث والكلام عن أركان الصلاة، واليوم نتناول الحديث عن الواجبات والسنن.
عباد الله! إن تفريق العلماء بين الأركان والواجبات في الصلاة لا يعني أن الأركان غير واجبة، بل هي أوكد من الواجبات، لكن تختلف عنها فالأركان لا تسقط بالسهو، والواجبات تسقط بالسهو، ويجبرها سجود السهو بخلاف الأركان، ولهذا من نسي ركنًا لم تصح صلاته إلا به- كما سبق بيانه- ومن نسي واجبًا أجزأ عنه سجود السهو، فإن تركه جهلًا، فلا شيء عليه، وواجبات الصلاة ثمانية:
1- التكبيرات التي في الصلاة عدا تكبيرة الإحرام فإنها ركن: فجميع تكبيرات الانتقال من قبيل الواجب لا من قبيل الركن، فيدخل بذلك التكبير للركوع والسجود، وللرفع منه، وللقيام من التشهد الأول، فكل التكبيرات واجبة، وتسقط بالسهو، ويستثنى منها تكبيرة الإحرام، فإنها ركن كما سبق، روى أبو موسى الأشعري مرفوعًا: «فإذا كبّر الإمام وركع فكبّروا واركعوا، وإذا كبّر وسجد فكبروا واسجدوا» رواه أحمد وغيره. وحقيقة التكبير أيها المسلمون هو تعظيم الله جل وعلا، فالله تعالى أكبر من كل شيء، وما كان كذلك في الكبير العظيم سبحانه
2- التسميع أي قول (سمع الله لمن حمده) وهذا للإمام والمنفرد خاصة، وذلك عند الرفع من الركوع، لحديث أنس بن مالك رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد» متفق عليه.
3- التحميد: أي قوله (ربنا ولك الحمد) للإمام والمأموم والمنفرد؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا ولك الحمد» متفق عليه، فشُرع للمسلم أن يحمد ربه ويثني عليه بآلائه عند اعتداله وانتصابه ورجوعه إلى أحسن هيئاته، فيحمد ربه ويثني عليه بأن وفقه لذلك الخضوع، ثم نقله منه إلى مقام الاعتدال والاستواء بين يديه، واقفًا في خدمته كما كان في حال القراءة، ومن الخطأ من بعض المصلين زيادة قوله: «والشكر» بعد قولهم: «ربنا ولك الحمد» مع أن هذه الزيادة لم تثبت عن رسول الله ﷺ.
4، 5 – «قول سبحان ربي العظيم» في الركوع و«سبحان ربي الأعلى» في السجود: مرة واحدة ويسن الزيادة إلى ثلاث، وهي أدنى الكمال وإلى عشر مرات وهي أعلاه، لما ورد عن حذيفة رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «صليت مع النبي ﷺ، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى» رواه الجماعة إلا البخاري. وعن عقبة بن عامر قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) قال لنا رسول الله ﷺ: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزلت ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
6- قوله «رب اغفر لي» بين السجدتين: وتسن الزيادة إلى ثلاث، والمغفرة هي ستر الذنب، والتجاوز عنه ليست مجرد ستر الذنوب، ولا هي العفو عنه فقط، بل هي الستر مع العفو، فالعبد في هذا القعود بين السجدتين قد تمثل جانبًا بين يدي ربه ملقيًا نفسه بين يديه، معتذرًا إليه مما جناه، راغبًا إليه أن يغفر له، وكان النبي ﷺ يقول بين السجدتين: «رب اغفر لي» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، فاتقوا الله عباد الله وقوموا بواجبات صلاتكم لعل الله أن يتقبلها منكم، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:
عباد الله: ونواصل الحديث عن بقية واجبات الصلاة .
7- التشهد الأول: وهو أن يقول: «التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» ونحو ذلك مما ورد لحديث عبدالله بن مسعود قال: إن محمدًا ﷺ قال: «إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: «التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله» ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه ، فليدع به ربه ﻷ» رواه أحمد والنسائي. فلما أكمل المصلي ركوع الصلاة وسجودها وقراءتها وتسبيحها وتكبيرها شرع له أن يجلس في آخر صلاته جلسة المتخشع المتذلل المستكين، ويأتي في هذه الجلسة بأكمل التحيات وأفضلها عوضًا عن تحية المخلوق للمخلوق إذا واجهه أو دخل عليه، فالله أولى بتلك التحيات من كل ما سواه، فالتحية هي تحية من العبد الذي يموت إلى الحي الذي لا يموت، ولا يستحق أحد هذه التحيات إلا الحي الباقي الذي لا يزول، ولا يزول ملكه ﻷ.
8- الجلوس للتشهد: وذلك لفعله ﷺ ومداومته عليه، ولما سبق من الأحاديث مع قوله ﷺ: «صلوا كما رأيتموني أصلي» رواه البخاري.
عباد الله! هذه هي واجبات الصلاة فالتزموها والزموها وأقيموها حق قيامها، فإن الله ﻷ يقول: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: 43] ومن ترك واجبًا من هذه الواجبات القولية أو الفعلية الثمانية متعمدًا بطلت صلاته، لأنه متلاعب بها، ومن تركه سهوًا أو جهلًا ، فإنه يسجد للسهو؛ لأنه ترك واجبًا يحرم تركه، فيجبره بسجود السهو، ثم صلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

حقوق الزوجين (2)
الخطبة الأولى الحمد لله، معز من أطاعه، ومذل من عصاه، أسبغ علينا نعمه المتوالية، وآلاءه المتتالية أحمده سبحانه وأشكره، من...

الكهانة والعرافة
الخطبة الأولى الحمد لله الكريم الوهاب، غافر الذنب، وقابل التوب شديد العقاب، يقبل التوبة من عباده ممن أذنب، وتاب، أحمده...

التعليم مسؤولية الجميع
الخطبة الأولى الحمد لله علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعلم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،...

التحذير من وسائل الشرك
الخطبة الأولى الحمد لله إقرارًا بوحدانيته، اختص أهل الصدق والتوحيد بصدق معاملته، ومنّ على العاصي بقبول توبته، أحمده سبحانه وأشكره...

الإيمان بالقضاء والقدر
الخطبة الأولى الحمد لله الرؤوف الرحيم، العليم الحكيم، خلق كل شيء فقدّره تقديرًا، وأحكم شرائعه ببالغ حكمته بيانًا للخلق، وتبصيرًا،...