home-icon
الإيمانُ باليومِ الآخِرِ (2) البعثُ والنُّشورُ والعَرْضُ والحِسَابُ والصِّراطُ

الخطبة الأولى

الحمد لله دلَّ على وحدانيته، وألوهيته بالبراهين، والحجج، أحمده، سبحانه، وأشكره، وأسأله المزيد من فضله، بيده مفاتيح الفرج، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما جعل علينا في الدين من حرج، وأشهد أن سيدنا، ونبينا محمدًا عبده، ورسوله هو المفدّى بالنفوس، وبالمهج، صلى الله، وبارك عليه، وعلى آله، وصحبه، والتابعين، ومن تبعهم، واقتفى أثرهم، وسار على المنهج.

أما بعد: عباد الله﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].

أيها المسلمون: مراحل السير إلى الدار الآخرة مراحل يتبع بعضها بعضًا، تبدأ بانتقال الإنسان من هذه الدار، ووضعه في قبره، ثم ما يلاقي فيه من نعيم، أو عذاب بحسب أعماله في هذه الحياة. بالتفصيل الذي ذكرناه في خطبة سابقة، والمرحلة الثانية، هي تلك المرحلة العظيمة، والموقف الرهيب، إنها مرحلة البعث والنشور، والخروج من الأجداث والقبور، والوقوف بين يدي الكبير المتعال للحساب، والجزاء، وعرض الأعمال، ثم المصير، إما إلى جنة، وإما إلى نار ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185].

أيها المسلمون!

يوم البعث يكون عند النفخ في الصور، عندما ينفخ إسرافيل نفخاته الثلاث، نفخة الفزع، والتي يكون فيها اضطراب العالم، وفساد نظامه، قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: 87].

ونفخة الصعق فيها هلاك كل شيء في هذا العالم، قال تعالى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: 68].

ونفخة البعث، والنشور حيث يقوم الناس من قبورهم، قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: 68].

يقوم الناس من قبورهم متوجهين إلى المحشر حفاة عراة غرلًا بهمًا. وهذا يوم عصيب، وموقف رهيب، يوم البعث يوم مشهود، تعددت أسماؤه لعظم أهواله، وأعماله، فهو يوم الحشر والنشور، ويوم الفصل، والقيامة، ويوم الدين، والحساب، ويوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة، حين تحق الحاقة، وتقع الواقعة، والقارعة، وتجيء الصاخة، والطامة، يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة، ذلك يوم الخروج، يوم تبلى السرائر، وتتكشف خبيئات الضمائر ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ﴾ [النحل: 39]، يوم ترجعون فيه إلى الله، يوم ينفخ في الصور، فتأتون أفواجًا، حفاةً عراةً غرلًا، في موقف يذيب هوله الأكباد، تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، يجمع الله الأولين، والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي، وينفذهم البصر، يجمع الله بين كل عامل، وعمله، وبين كل نبي وأمته، ومظلوم، وظلمته ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [غافر: 17].

الأبصار خاشعة، والشمس من الرؤوس دانية، قد علا أهل الموقف العرق، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يفر فيه المرء من أخيه، وأمه، وأبيه، وصاحبته، وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، أهواله شداد، أحواله عظام، تبدل الأرض غير الأرض، والسماوات، فالسماء فرجت، وكشطت، وانشقت، وفتحت، فكانت أبوابًا، والشمس كورت، وخسف القمر، وجمع الشمس والقمر، والنجوم انطمست وانكدرت، وانتثرت، أما الأرض، فسجرت بحارها تسجيرًا، ودكت جبالها دكًَّا، ونسفت نسفًا، وسيرت، فكانت سرابًا، وزلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت أثقالها، وحدثت أخبارها، وألقت ما فيها، وتخلت.

أيها المسلمون! هذا هو يوم البعث، والنشور، يوم تدنو الشمس من الخلائق حتى تكون منهم بقدر ميل، ويلجمهم العرق، فيكون منهم على قدر أعمالهم، والصفوة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فيبحث الناس عمن يخلصهم من هذا الموقف، فيتشفعون بالأنبياء، والرسل من أولي العزم، وكلهم يعتذر لهول الموقف، حتى يشفع فيهم نبينا محمد ﷺ وهذه هي الشفاعة العظمى، فيكون بعد ذلك العرض، والحساب، عرض الخلائق على الله، سبحانه، ﴿ وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا﴾ [الكهف: 48] ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾ [الحاقة: 18].

ويتم الحساب، فيعرف الله، سبحانه، الخلائق على أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فيذكرهم ما نسوه: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: 6].

وفي هذا الموقف تنشر الصحف، ويسأل الرسل، وأمتهم جميعًا ﴿ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: 6] لكن سؤال المؤمنين الصادقين العاملين يختلف عن سؤال الكفار، والمنافقين، فالمؤمنون تعرض عليهم ذنوبهم، ويقرون بها، ويسترون، ففي الصحيح عن ابن عمر (رضي الله عنه) أن النبي ﷺ قال: «يُدنى المؤمن يوم القيامة من ربهﷻ حتى يضع عليه كنفه- أي ستره- فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: إي ربي أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكفار، والمنافقون، فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم».

ومن المؤمنين من يدخل الجنة بلا حساب، ومنهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بلا حساب، ولا عذاب.

أما الكفار، والمنافقون، فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته، وسيئاته؛ لأنه لا حسنات لهم ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23] لكن حسابهم عرض أعمالهم، وتوبيخهم عليها.

وفي ذلك الموقف ينصب الميزان لوزن أعمال العباد، وتميزها، وإظهار مقاديرها؛ ليكون الجزاء بحسبها، قال تعالى: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: 47]، وقال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ (7) وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ (8) فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ (9) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا هِيَهۡ (10) نَارٌ حَامِيَةُۢ﴾ [القارعة: 6-11] وبعد الانتهاء من الحساب، والميزان يأخذ كل كتابه، ويقرأ ما فيه، فآخذ كتابه بيمينه، وآخذ كتابه بشماله، ومن وراء ظهره.

﴿فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ (19) إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٖ رَّاضِيَةٖ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٖ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٞ (23) كُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَآ أَسۡلَفۡتُمۡ فِي ٱلۡأَيَّامِ ٱلۡخَالِيَةِ (24) وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ (25) وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ (26) يَٰلَيۡتَهَا كَانَتِ ٱلۡقَاضِيَةَ (27) مَآ أَغۡنَىٰ عَنِّي مَالِيَهۡۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ ﴾ [الحاقة: 19-29].

أيها المسلمون!

وبعد تناول الكتاب، وتطاير الصحف يمر الناس من على الصراط، وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الأولون، والآخرون، فمن جازه سلم من النار، ومن لم يجزه سقط فيها، والعياذ بالله، قال تعالى: ﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً﴾ [مريم: 71 – 72].

وروى مسلم، عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، عن رسول الله ﷺ قال: « ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم، قيل: يا رسول الله! وما الجسر» قال: «دحض مزلة، فيه خطاطيف، وكلاليب، وحسك تكون بنجد فيها شُويكة، يقال لها، السعدان، فيمر المؤمنون، كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، ومخدوش، ومكدوس في نار جهنم».

وبعد عبور المؤمنين على الصراط، ونجاتهم من النار، وقبل دخولهم الجنة يقفون على قنطرة، بين الجنة فيقتص بعضهم من بعض في المظالم التي كانت بينهم في الدنيا، فإذا ذهبوا أذن لهم بدخول الجنة.

وحينئذ يحشر المتقون إلى الرحمن وفدًا، فنعم الموفد، ونعم الوافدون، ويساق المجرمون إلى جهنم وردًا، ظمأى، وعطشَى يتمثل لهم السراب كالماء، وما هو إلا الحر والسعير، والنار والزفير، فاتقوا الله عباد الله، وأعدوا العدة ليوم العرض والحساب، وقراءة الكتاب، وجواز الصراط، وأثقال الميزان، فالساعة آتية لا ريب فيها لا تأتيكم إلا بغتة، ولا يجليها لوقتها إلا الله، جل في علاه، نفعني الله، وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه ﷺ. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رفع قدر أولي العلم، والإيمان، فلم يغتروا بهذه الدار، جدوا، وأخلصوا، وأيقنوا أن الآخرة هي دار القرار، أحمده، سبحانه، وأشكره على خيره المدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده، ورسوله النبي المختار، صلى الله وسلم، وبارك عليه، وعلى آله وصحبه المهاجرين، والأنصار، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

اتقوا الله عباد الله، واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله.

أيها المسلمون:

لقد وقف كفار الماضي، والحاضر، وزنادقة الأمس، واليوم من البعث، وما بعده موقف المنكر المستهزئ. ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية:24].

ما من شيء في دعوة رسل الله إلا استبعده الكفار، وأنكرته الملاحدة، واستهزأت به الزنادقة أشد من إنكارهم لليوم الآخر، فتراهم أجيالًا من بعد أجيال من أمم الكفر، والإلحاد ينكرونه، ويستبعدونه، ولقد سجل القرآن الكريم افتراءهم العظيم، وإفكهم المبين: ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل:38] ﴿ أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ (35) ۞هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ [المؤمنون: 35-37] ويأتي آخر ليرفع عقيرته متسائلًا: ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس:78] ويتولى القرآن الرد والبرهان: ﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ٱئۡتُونِي بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ (79) فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ (80) فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئۡتُم بِهِ ٱلسِّحۡرُۖ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ﴾ [يس: 79-82].

أيها المسلمون! إن الذين لا يؤمنون بالآخرة، والذين يكذبون بيوم الدين يعيشون في بؤس وشقاء، لا أمل لهم، ولا رجاء، لا يرجون عدلًا في الجزاء، ولا عوضًا عما يلاقون في الدنيا من عناء.

الذي لا يؤمن بيوم الحساب، لا يعدو نظره حياة الدنيا القصيرة القاصرة في حدود أرضه الضيقة، ومسافة عمره القصيرة، فهو من ضيق إلى ضيق، ومن بؤس إلى مسكنة، لقد ضلوا، وأضلوا، وما ضلوا إلا بما نسوا يوم الحساب، وما اجترؤوا على محرمات الله، وأفسدوا في أرض الله، وما ظلموا، وتظالموا إلا لأنهم لا يرجون حسابًا.

لم يتركوا الصلاة، ويلهوا في متع الحياة، ولم يخرجوا الزكاة، ويقترفوا معاصي الله، إلا أنهم لم يصدقوا بيوم الدين.

أما المصدقون بهذا اليوم، والذين هم من عذاب ربهم مشفقون استعانوا على الحق، والتوحيد، ونبذوا الشرك، وأصلحوا أعمالهم، وأخلصوا لربهم ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].

يحملهم إيمانهم باليوم الآخر على الصبر، والتحمل، والبذل، والإحسان، لا يبتغون من أحد غير الله جزاءً، ولا شكورًا.

ما ثبتت أقدام المجاهدين في سبيل الله، وما استمر الدعاة إلى الله، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وما حافظ المحافظون على طاعة الله، وانزجروا عن المعاصي، في حق الله، وحق عباد الله إلا بمقدار إيمانهم بالله، وتصديقهم بعظم جزاء الله.

أيها المسلمون:

ورب السماء، والأرض لتخرجون من قبوركم، ولتحشرون إلى ربكم، ولتحاسبون على أعمالكم، ولتجزون بما كنتم تعملون، لتجزون عن القليل، والكثير، والنقير، والقطمير، وذلك على الله يسير، فأعدوا العدة لهذا اليوم، فهو آت لا محالة، وعن قريب كائن لا مفر منه، وصلوا وسلموا على البشير النذير. الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].