إن الناظر بميزان الشرع إلى عبادات أكثر الناس اليوم يسري عجبًا مما أحدثوه وما ورثوه من المخالفات الكثيرة، التي أصبحت بينهم كسنن مأثورة يتناقلونها جيلًا بعد جيل، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، لكن اتسع الخرق على الراقع، فتركوا مقابل ذلك سننا بل واستنكروها، وذلك لغربتها بينهم.

قال بعض من مضى: «كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس، كان منكرًا عند من مضى».

ومن هذه المخالفات المخلفات المتعلقة بالجمعة وسأذكر إن شاء الله هنا بعضًا منها.

1 ـــ تخطى رقاب الناس، ويكون هذا غالبًا في أثناء الخطبة.
عن عبدالله بن بُسر رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال النبي ﷺ اجلس فقد آذيت وآنيت».

قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجل رقاب الناس يوم الجمعة وشددا في ذلك.

وأشار النووي وأبو المعالي والشيخ وغيرهم تحريمه، وقال: ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجه لا يوم الجمعة ولا غيره، لأنه من الظلم والتعدي لحدود الله.

واستثنى الفقهاء من ذلك:

أ- أن يكون المتخطي إمامًا فلا يكره للحاجة، إلا أن يجد طريقًا، فليس له التخطي.

ب- أن يكون المتخطي مؤذنًا فلا يكره للحاجة.
وكذا من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه.

ج- أن يكون المتخطي إلى فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فيتخطى لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم.

2 ـــ الاحتباء يوم الجمعة والخطيب يخطب:
عن معاذ ابن أنس رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «إن رسول الله ﷺ نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب».

قال ابن الأثير في (النهاية): الاحتباء: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشده عليها. وقد يكون الاحتباء باليدين عِوَض الثوب. ثم قال: «ومن الحديث: أنه نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب، نهى عنها لأن الاحتباء يجلب النوم، فلا يسمع الخطبة، ويُعرض طهارته للانتقاض».

ويضاف إلى ما سبق أن الاحتباء يسبب كشف العورة أحيانًا، خاصة إذا كان ما تحت ثوبه من الملابس القصيرة.

3 ـــ الصلاة على النبي ﷺ، والترضي على الصحابة ن جهرًا، والإمام يخطب في الجمعة.

سئل الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- رحمه الله تعالى- عمن يصلي على النبي ﷺ ويترضى عن الصحابة رضي اللهُ عَنْهُمْ، جهرًا والإمام يخطب يوم الجمعة.

الجواب: الجهر بالصلاة على النبي ﷺ والترضي حال الخطبة من غير الخطيب بدعة مخالفة للشريعة، منع منها طوائف من العلماء سلفًا وخلفًا ولهم فيها مأخذان:

1. أنه من محدثات الأمور التي لم تفعل في عصر رسول الله ﷺ، ولا عهد أصحابه، ولا عهد التابعين ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
2. أن الأحاديث ثبتت بالأمر بالإنصات للخطبة.
3. ويضاف إليه: إن الصلاة على النبي ﷺ إنما هو دعاء، وجميع الأدعية السنة فيها الإسرار دون الجهر غالبًا.
4. إذا دخل بعض الناس المسجد لأداء الجمعة ووجد المؤذن يؤذن الأذان الثاني أخذ في المتابعة للمؤذن ثم إذا فرغ من المتابعة بعد شرع في أداء تحية المسجد، وقد شرع الخطيب في ابتداء الخطبة.
   وهذا بفعله ذاك قد حرص على تحصيل السنة، لكنه فرط في استكمال الواجب على وجهه مع قدرته عليه وذلك أن متابعة المؤذن سنة واستماع الخطبة واجب.
   ومما يؤكد ذلك أي أن الداخل إلى الجامع مأمور بأن يتفرغ لسماع الخطبة ما أمكنه – قوله – إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما قال الشوكاني ‏رحمه الله ‏: «وليتجوز فيهما» فيه مشروعة التخفيف لتلك الصلاة ليتفرغ لسماع الخطبة.
5. التسوك أثناء الخطبة لأنه من الانشغال عن الخطبة.
6. ما يفعله كثير من الخطباء من الإكثار من السجع المتكلف في أثناء الخطبة والإكثار مما ينفر السامع.
7. صلاة ركعتين بعد الأذان الأول: وغالبًا ما يكون ذلك في الحرمين فلا يكاد المؤذن ينتهي من أذانه الأول حتى يهب الجميع قيامًا – إلا من شاء الله- ليصلوا ركعتين.
   قال ابن الحاج ‏رحمه الله ‏: «وينتهي الناس عما أحدثوه من الركوع بعد الأذان الأول للجمعة، لأنه مخالف لما كان عليه السلف رضوان الله عليهم لأنهم كانوا على قسمين فمنهم من كان يركع حين دخوله المسجد ولا يزال كذلك حتى يصعد الإمام المنبر، فإذا جلس عليه قطعوا تنفلهم. ومنهم من كان يركع ويجلس حتى يصلي الجمعة، ولم يحدثوا ركوعًا بعد الأذان الأول ولا غيره…»
8. سلام بعض المأمومين على بعض أثناء الخطبة، والسلام من الكلام المنهي عنه في هذه الحالة.
9. رفع الصوت بالتأمين عند دعاء الإمام مما يؤثر على حكمة الاستماع والإنصات.
10. عدم الاغتسال والتطيب مما يخالف آداب الجمعة.
11. الإصرار على التأخير للحضور يوم الجمعة مما يفوت على صاحبها الأجر العظيم، ويقلل استفادته من الخطبة.