home-icon
فضائل الجمعة وخصائصها

للجمعة فضل عظيم ولها خصائص تتميز بها نعرض لها في مبحثين:

المبحث الأول: الأدلة الدالة على فضل الجمعة

ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال «نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد».

وفي المسند والسنن من حديث أوس بن أوس عن النبي ﷺ : «من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني: قد بليت- قال: إن الله حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».

وفي «جامع الترمذي» من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة».

عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرَّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

وصلاة الجمعة أفضل من صلاة الظهر بلا نزاع، وهي صلاة مستقلة، ليست بدلًا من الظهر، وإنما الظهر بدل عنها إذا فاتت ويوم الجمعة أفضل الأيام بالنسبة للأسبوع.

مسألة:

فإن قيل: فأيهما أفضل: يوم الجمعة، أم يوم عرفة؟

قال ابن القيم ‏: «فقد روى ابن حبان في صحيحه» من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة» ومن حديث أوس بن أوس «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة».

قيل: قد ذهب بعض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة محتجًا بهذا الحديث، وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر.

والصواب أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة لهذا كان لوقفة عرفة يوم عرفة مزية على سائر الأيام من وجوه متعددة إذا وافق يوم جمعة.

  1. اجتماع اليومين اللذين هما أفضل الأيام.
  2. أنه اليوم الذي فيه ساعة محققة الإجابة، وأكثر الأقوال أنها آخر ساعة بعد العصر وأهل الموقف كلهم إذ ذاك واقفون للدعاء والتضرع.
  3. مواقعته ليوم وقفة النبي ﷺ .
  4. أن فيه اجتماع الخلائق من أقطار الأرض للخطبة وصلاة الجمعة، ويوافق ذلك اجتماع أهل عرفة يوم عرفة بعرفة، فيحصل من اجتماع المسلمين في مساجدهم وموقفهم من الدعاء والتضرع ما لا يحصل في يوم سواه.
  5. أن يوم الجمعة يوم عيد، ويوم عرفة يوم عيد لأهل عرفة ولذلك كره له بعرفة صومه.

المبحث الثاني: خصائص يوم الجمعة

من المتقرر في الأذهان أن الشيء إنما يعظم إذا اختص بأشياء لم يختص بها غيره، فلهذا لما اختص يوم الجمعة بأشياء لم يختص بها غيره من الأيام أصبح ليوم الجمعة شأن وفضل على سائر أيام الأسبوع.

ويوم الجمعة اختص بأشياء كونية وأشياء شرعية ونذكر إجمالًا ثم نفصل ما يتعلق فيها من بعض الأحكام:

  1. قراءة سورتي (ألم السجدة) و(الإنسان) في صلاة فجر يوم الجمعة.
  2. استحباب كثرة الصلاة والسلام على النبي ﷺ في يوم الجمعة وليلتها.
  3. الاغتسال يوم الجمعة.
  4. التطيب يوم الجمعة.
  5. السواك.
  6. التبكير لصلاة الجمعة.
  7. الاشتغال بالصلاة والذكر وقراءة القرآن حتى دخول الإمام.
  8. قراءة سورة الكهف.
  9. أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال:
  10. قراءة سورة الجمعة وسورة المنافقين، وكذا سورة الأعلى والغاشية في صلاة الجمعة.
  11. استحباب لبس أحسن الثياب.
  12. عدم جواز السفر يوم الجمعة.
  13. يوم تكفر فيه السيئات، وبعد ساعة إجابة.

1-قراءة سورتي السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة.

أخرج مسلم من حديث ابن عباس م أن النبي ﷺ كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة «ألم تنزيل السجدة، وهل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر».

قال ابن القيم ‏‏: «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي ﷺ يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون.».

مسألة:

سئل شيخ الإسلام ‏:‏ تعالى عن الصلاة يوم الجمعة بالسجدة هل تجب المداومة عليها أم لا؟

فأجاب‏:‏ تعالى بقوله: «الحمد لله ليست قراءة (الم* تنزيل) التي في السجدة ولا غيرها من ذوات السجود واجبة في فجر الجمعة باتفاق الأئمة ومن اعتقد ذلك واجبًا أو ذم من ترك ذلك فهو منال مخطئ يجب عليه أن يتوب من ذلك باتفاق الأئمة».

ثم قال: «لا ينبغي المداومة عليها بحيث يتوهم الجهال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء بل ينبغي تركها أحيانًا لعدم وجوبها». والله أعلم.

مسألة:

هل المراد قراءة سورة السجدة بعينها أو سورة أخرى فيها سجدة؟ وكذلك لو قرأ في الثانية غير الدهر هل يكون مطابقًا للسنة؟

الجواب: أن السنة قراءة (ألم) السجدة دون غيرها وكذلك سورة الدهر، كما كان النبي ﷺ يفعل.

قال شيخ الإسلام ‏:‏: «لا يستحب أن يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى باتفاق الأئمة، فليس الاستحباب لأجل السجدة بل للسورتين، والسجدة جاءت اتفاقا فإن هاتين السورتين فيهما ذكر ما يكون في يوم الجمعة من الخلق والبعث».

وقال في موضع آخر: «المقصود قراءة السورتين السجدة والإنسان، لما فيهما من ذكر خلق آدم وقيام الساعة وما يتبع ذلك، فإن كان يوم الجمعة، وليس المقصود السجدة فلو قصد الرجل قراءة سورة سجدة أخرى كره ذلك».

مسألة:

لو قسم سورة (ألم) بين الركعتين هل يكون فعله موافقًا للسنة أم لا؟
الجواب: هذا العمل مخالف للسنة.
قال شيخ الإسلام ‏:‏: «النبي ﷺ يقرأ السورتين كلتيهما، فالسنة قراءتهما بكمالها».

2-استحباب كثرة الصلاة على النبي ﷺ في يوم الجمعة وليلتها:

لحديث أوس بن أوس عن النبي ﷺ قال: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم، وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني: قد بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».

الحكمة من الصلاة عليه ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في يوم الجمعة.

أ -أن الرسول ﷺ سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأنام، فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره.

ب- قال ابن القيم ‏:‏: «وهناك حكمة أخرى: وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده.. فأي كرامة تحصل لهم، فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة، وهو المزيد لهم إذا دخلوا الجنة… وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه عليه الصلاة والسلام أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته».

3 ـــ الاغتسال في يوم الجمعة للصلاة:

أبي سعيد الخدري رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم».

وعن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ  أن رسول الله ﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

وعن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ قال: «حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده».

مسألة: حكم غسل الجمعة؟

الجواب: اختلف أهل العلم على قولين:

الأول: أنه واجب لما سبق في حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّهُ عَنْهُ

والقول الثاني: وهو قول جمهور أهل العلم على أن غسل يوم الجمعة مستحب وليس بواجب، واستدلوا على ذلك:

بحديث سمرة بن جندب رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله ﷺ «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل».

أي أن من توضأ فقد أخذ بالسنة، ونعمت السنة التي أخذ بها، ومن اغتسل فقد زاد خيرًا وهو أفضل من الاقتصار على الوضوء.

عن أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ قال بينما عمر رضي اللَّهُ عَنْهُ يخطب الناس يوم الجمعة إذ دخل عثمان بن عفان فعرّض به عمر فقال ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم أقبلت فقال عمر والوضوء أيضًا ألم تسمعوا رسول الله ﷺ يقول: «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل».

وجه الدلالة: أن عثمان لم يترك الصلاة لأجل الغسل، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل، وأن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك.

وأجاب الجمهور عن حديث «غسل الجمعة واجب على كل محتلم».
أنه معمول على وجوب الاختيار لا وجوب الإلزام كقول الإنسان لصاحبه: حقك واجب علي. وأن الحديث ورد مورد التأكيد والاهتمام بالغسل لهذه الشعيرة الكبيرة.

مسألة : هل الصبيان والنساء عليهم الغسل؟

الجواب: من المعلوم أن الغسل خاص بمن يأتي الجمعة لحديث «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل» قال ابن عمر رضي اللَّهُ عَنْهُ قال: «إنما الغسل على من تجب عليه الجمعة». ومعلوم أن الجمعة لا تجب على النساء. قال الشيخ ابن عثيمين: «وعلى هذا فالنساء لا يسن لهن الاغتسال، وكذلك من لا يحضر لصلاة الجمعة لعذر فإنه لا يسن له أن يغتسل».

وخرج بقوله ﷺ «على كل محتلم» الصغير فلا يجب عليه الغسل.

مسألة: متى يبدأ وقت الغسل للجمعة؟

الجمهور عندهم أن وقت الغسل يبدأ من طلوع الفجر، لأن النهار لا يدخل إلا بطلوع الفجر.

قال الشيخ محمد بن عثيمين ‏: «بل من طلوع الشمس، لأن ما بين الفجر وطلوع الشمس وقت لصلاة خاصة، وهي الفجر ولا ينتهي وقتها إلا بعد طلوع الشمس، وعلى هذا فيكون ابتداء الاغتسال من طلوع الشمس وهذا أحوط الأقوال ، لأن من اغتسل بعد طلوع الشمس فقد أتى على الأقوال كلها».

فائدة: لو قال قائل أن من علم من نفسه أنه لو اغتسل أول النهار فإنه قد يصدر منه روائح كريهة قبل الصلاة ، فإن الأفضل في حق أن يؤخر الغسل.

4ـــ التطيب فيه:

التطيب في يوم الجمعة أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.

عن أبي سعيد رضي اللَّهُ عَنْهُ قال أشهد على رسول الله ﷺ قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن، وأن يمس طيبًا إن وجد».

وعن سلمان الفارسي قال: قال النبي ﷺ: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».

وأيضًا لاجتماع الناس في مكان واحد، والعادة جرت أنه إذا كثر الجمع ضاق النفس وكثر العرق، وثارت الرائحة الكريهة، فإذا وجد الطيب وسبقه التنظيف، فإن ذلك يخفف من الرائحة.

5 ـــ السواك فيه:

لحديث أبي سعيد رضي اللَّهُ عَنْهُ قال أشهد على رسول الله ﷺ قال: «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيبًا إن وجد».

وقد أورد البخاري ‏:‏ في صحيحه حديث أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «لولا أن أشق على أمتي- أو على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل الصلاة».

ومطابقة الحديث للترجمة – باب السواك يوم الجمعة- كما قال الحافظ في الفتح (من جهة اندراج الجمعة في يوم عموم قوله كل صلاة).

وقال ابن المنير: «لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطيب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم».

6 ـــ التكبير للصلاة:

يسن التكبير للجمعة ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله ﷺ قال: «من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».

فهذا يدل على أن الأفضل التكبير، ولكن بعد الاغتسال والتنظف والتطيب ولبس أحسن الثياب.

7 ـــ أن يشتغل بالصلاة والذكر والقرآن حتى يخرج الإمام:

لحديث أبي هريرة رضي اللَّهُ عَنْهُ عن النبي ﷺ قال: «من اغتسل ثم أتي الجمعة فصلى ما قُدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام».

8 ـــ قراءة سورة الكهف في يومها:

فقد روي عن النبي ﷺ «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين».

9 ـــ أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ‏: «ولا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية، ولم يكن اعتماده على حديث ليث، عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي ﷺ أنه ذكر الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة. وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة» وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام.

وفي الحديث الصحيح: «ألا يغتسل رجلُ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»

فندبه إلى الصلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام، ولهذا قال غير واحد من السلف، منهم عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عَنْهُ ، وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل: خروج الإمام يمنع الصلاة وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع مـن الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار.

10 ـــ قراءة (سورة الجمعة) و(المنافقين) أو (سبح والغاشية) في صلاة الجمعة:

عن جعفر عن أبيه عن ابن أبي رافع قال: «صلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة وفي الركعة الآخرة إذا جاءك المنافقون. قال فأدركت أبا هريرة حين انصرف فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان عليَّ يقرأ بهما بالكوفة قال أبو هريرة : فإني سمعت رسول الله ﷺ يقرأ بهما في الجمعة».

وعن النعمان بن بشير قال: «كان رسول الله ﷺ يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال إذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين».

فالقراءة في صلاة الجمعة تكون جهرًا، وهذا مما تختلف فيه عن صلاة الظهر، أنها تسن القراءة فيها جهرًا من بين سائر الصلوات النهارية.

والحكمة من الجهر في الصلوات ذات الاجتماع العام- كالعيد والجمعة والكسوف- هو إظهار الموافقة والائتلاف التام لأن الإمام إذا كان يجهر صارت قراءته قراءة للجميع ، فكأنه عنوان على ائتلاف أهل البلد كلهم.

والحكمة من قراءة الجمعة والمنافقون:

أما «الجمعة» فالمناسبة ظاهرة وذلك لأن فيها ذكر الأمر بالسعي إلى صلاة الجمعة، وأيضا ذكر الله فيها الذين يحملوا التوراة ثم لم يحملوها- أي لم يعملوا بها- أن مثلهم كمثل الحمار، ففيه التحذير للمسلمين أن يتركوا العمل بالقرآن فيصروا مثل اليهود.

أما «المنافقون» فالمناسبة ظاهرة أيضًا: من أجل أن يصحح الناس قلوبهم ومسارهم إلى الله كل أسبوع فينظر الإنسان في قلبه، هل هو من المنافقين أو من المؤمنين؟ فيحذر ويطهر قلبه من النفاق.

وفيه أيضًا فائدة أخرى: أن يقرع أسماع الناس التخدير من المنافقين كل جمعة، لأن الله قال فيها عن المنافقين ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4].

الحكمة من قراءة سورتي (سبح) و (الغاشية):

أما «سبح» فلأن الله أمر بالتذكير فقال: ﴿فَذَكِّرۡ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكۡرَىٰ ۞ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ ﴾ [الأعلى: 9-10] والإمام قد ذكر في الخطبة، فينتبه الناس على أنهم إن كانوا من أهل الخشية فسوف يتذكرون.

أما «الغاشية» ففيها التذكير بالقيامة وأحوال الناس فيها. قال تعالى: ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ۞ عَامِلَةٞ نَّاصِبَةٞ ﴾ [الغاشية: 2-3] ﴿وُجُوهٞ يَوۡمَئِذٖ نَّاعِمَةٞ ۞ لِّسَعۡيِهَا رَاضِيَةٞ ﴾ [الغاشية: 8-9] وفيها التذكير ﴿ فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ۞ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ ﴾ [الغاشية: 21-22].

فالسنة أن تقرأ في صلاة الجمعة مرة بهذه ومرة بتلك مع مراعاة الأيسر للناس ففي أيام الشتاء البارد يقرأ بسبح والغاشية لأن الناس ربما يحتاجون إلى كثرة الخروج للتبول بسبب البرودة. وكذا في أيام الحر الشديد أيضًا يقرأ بسبح والغاشية، لا سيما إذا كان المسجد ليس فيه تبريد كافي، لأجل التسهيل على الناس وأما في الأيام المعتدلة فينبغي أن يقرأ بهذا أحيانًا وبهذا أحيانًا، لئلا تهجر السنة.

11 ـــ أنه يستجد أن يلبس فيها أحسن الثياب التي يقدر عليها:

لحديث أبي أيوب قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له، ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له، ولم يؤذ أحدًا، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى».

وعن عبدالله بن سلام: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول على المنبر في يوم الجمعة: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته».

وعن عبدالله بن عمر أن عمر بن الخطاب رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: «يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفد إذا قدموا عليك… الحديث».

قال ابن حجر في الفتح على ترجمة البخاري، باب أيلبس أحسن ما يجد تحت كتاب الجمعة- «ووجه الاستدلال به من جهة تقريره ﷺ لعمر على أصل التجمل للجمعة، وقصد الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرًا».

12 ـــ لا يجـوز السفر في يومها لن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها:

وذلك لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9].

فأمر بالسعي إليها وترك البيع، فقاس العلماء السفر على البيع والشراء لأن العلة واحدة.

فالبيع مانع من حضور الصلاة، والسفر كذلك مانع من حضور الصلاة. وذلك إذا نشأ السفر بعد الزوال أما إذا كان السفر قبل الزوال فجائز وذلك لأنه لم يؤمر بالحضور فلم يتعلق الطلب به.

ويستثنى من تحريم السفر مسألتان:

  1. إذا خاف فوات الرفقة.
    إذا كان عند الإنسان رفقة يريدون أن يسافروا قبل صلاة الجمعة فزالت الشمس، وخاف أن تفوته الرفقة فإن له أن يسافر لأن هذا عذر في ترك الجمعة والجماعة.
  2. إذا كان يمكنه أن يأتي بها في طريقه. 
    جاء في الإنصاف «محل الخلاف في أصل المسألة: إذا لم يأت بها في طريقه، فأما إن أتى بها في طريقه فإنه يجوز له السفر من غير كراهة».

مسألة: هل مثل ذلك خوف إقلاع الطائرة؟

الجواب: نعم، فلو فرض أن الطائرة ستقلع في وقت صلاة الجمعة، ولو جلس ينتظر فاتته، فهو معذور له أن يسافر ولو بعد الزوال.

13 ـــ أنه يوم تكفير السيئات:

عن سلمان قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دُهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».

14ـــ أن فيه ساعة الإجابة:

وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئًا إلا أعطاه.
عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ ذكر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه» أو أشار بيده يقللها.

وفي رواية عند مسلم «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه».

وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدالله بن عمرًا سمعت أباك يُحدِّث عن رسول الله ﷺ في شأن ساعة الجمعة قال: قلت نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة».

قال الحافظ في الفتح: «وقد اختلف أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في هذه الساعة هل هي باقية أو رفعت؟ وعلى البقاء هل هي في كل جمعة أو في جمعة واحدة من كل سنة؟ وعلى الأول هل هي وقت من اليوم معين أو مبهم؟ وعلى التعيين هل تستوعب الوقت أو تبهم فيه؟ وعلى الإبهام ما ابتداؤه وما انتهاؤه؟ وعلى كل ذلك هل تستمر أو تنتقل؟ وعلى الانتقال هل تستغرق اليوم أو بعضه». والعلماء اختلفوا في تعيين هذه الساعة، وأقوى تلك الأقوال قولين:

  1. حين يصعد الخطيب حتى تُقضى الصلاة:
    كما جاء في حديث أبي بردة عن أبيه السابق ذكره.وهذا الوقت له ميزته باجتماع المصلين، والاجتماع على العبادة له أثره في إجابة الدعاء، كما أن هذه الساعة هي المقصودة من يوم الجمعة وهي التي نادى الله المؤمنين للسعي إليه.
  2. ما بين صلاة العصر وغروب الشمس:
    كما جاء في حديث جابر عند أبي داود والنسائي «أنها ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس».

وهذا الوقت هو آخر النهار وهو ختام أعمال النهار والجوائز توزع وتُعطى في آخر العمل. قال عليه الصلاة والسلام: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».