


إن الله رفيق يحب الرفق 2003
الطبعة: N- A
دار النشر: N- A
للحصول علي النسخة المطبوعه : N- A
تحميل نسخة إلكترونية: تحميل الكتاب
نبذه عن الكتاب:
ينطلق الكتاب من حقيقة أن دين الإسلام مقومٌ على اليسر واللين، وأن الله تعالى رافعٌ للحُرج عن عباده وميسّرٌ لهم أمور دينهم ودنياهم، كما تدلّ آيات كثيرة في القرآن الكريم على سَمْح الشريعة ورفع الأثقال عن المسلمين. يذكر المؤلّف في مستهلّ الكتاب جملةً من هذه الآيات الكريمة – من قوله عزّ من قائل ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ إلى ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ – ثم يستشهد بالحديث المتواتر عن النبي ﷺ: «الدِّينُ يُسْرٌ…» و «يسروا ولا تعسّروا»، ليؤكّد أن الاحترام لمبدأ الرفق ليس مجرّد خيار أخلاقي، بل أصلٌ تشريعيٌ يغرسه الله في قلب الشريعة. ويُبيّن كيف أنّ الإسلام دعا إلى التسامح والعفو – كما في قصاص النفس والنفس – وجعل الرحمة من مقاصد العقيدة، مقتفياً بذلك سنّة النبي ﷺ الراعية للرفق في كل تصرّفاته وأحواله. ثم ينتقل المؤلف إلى عرض الحديث الشريف الذي روته عائشة رضي الله عنها عن تعامل النبي ﷺ مع الأعرابي في المسجد، وكيف حرّك هذا الموقف مبدأ الرفق عند الصحابة: «إنما بعثتم ميسرين…»، ليقدّم عبر صفحات الكتاب فهماً دقيقاً لدلالات الرفق في النصوص الشرعية، ومظاهر تطبيقه في حياة المؤمنين. ويعمد إلى تجميع النصوص القطعية من قرآن وحديث وسيرة، ثم استنباط الضوابط العملية التي تمكّن الداعية والمربّي وكل مسلم من تبنّي أسلوب الرفق في الدعوة والأخلاق والتعامل مع الناس، مع بيان أثر ذلك على تيسير الأمور وزيادة القبول والرّحمة في المجتمع. هكذا يصبح الكتاب دليلاً منهجيًّا على عمق رحمة الإسلام ورِقّ سنّته، صاغه المؤلّف بلغةٍ تجمع بين الإيجاز والإيضاح، داعيًا القارئ للتطبيق والتدبّر، سائلاً الله الثواب والهداية لكل من سار على نهج الرفق وحمَله إلى الناس.
تحميل نبذه عن الكتابعن إن الله رفيق يحب الرفق 2003
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، سيد الأولين والآخرين، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الطيبين الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن ديننا دين اليسر والسماحة، ودين الرفق واللين، راعى هذا المبدأ في جميع تشريعاته، وأتى بمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]. وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]. وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]. وقال في القصاص حثًا على العفو والتسامح: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [البقرة: 178].
وأخبر عن نبيه أنه بعثه رحمةً للعالمين، فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وأنه حريص على المؤمنين، رءوف رحيم بهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].
وقد وضع الله به الأوزار عن هذه الأمة، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: 157].
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة في هذا المعنى العظيم، فمنها ما روي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ؛ فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللهِ؛ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ» (رواه البخاري).
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ» (رواه البخاري).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» (رواه البخاري).
وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ» (رواه أحمد).
وجاء هذا المبدأ عمليًّا في تطبيق النبي ﷺ، حيث نهى الصحابة عن قطع بول الأعرابي الذي بال في المسجد، فلما فرغ أمر بذنوب من ماء أُهْرِيقَ على بوله، ثم أرشد أصحابه إلى مبدأ عظيم أن يطبِّقوه في جميع حياتهم، وهو مبدأ الرفق والتيسير على الآخرين؛ لأنهم بعثوا ميسرين ولم يبعثوا معسرين، كما جاء في الحديث: «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ ﷺ جَالِسٌ، فَصَلَّى، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» (رواه البخاري).
فاتضح من هذه النصوص: أن الشريعة جاءت بمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وأن التكاليف الشرعية وما ينتج عنها مما ظاهره مشقة أنها ليست مرادةً لذاتها؛ لأن الله تبارك وتعالى رفع الحرج والمشقة عن هذه الأمة، قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6]. فأخبر سبحانه وتعالى أنه لم يأمرهم بذلك حرجًا عليهم، وتضييقًا ومشقةً؛ ولكن إرادة تطهيرهم، وإتمام نعمته عليهم؛ ليشكروه على ذلك، فله الحمد كما هو أهله.
فالشريعة الغراء راعت مصالح العباد في كل شيء؛ فهي رحمة كلها، وعدل كلها، مصدرها العدل الرحيم، يقول الإمام ابن القيم :: «وإذا تأملت الشريعة التي بعث الله بها رسوله حق التأمل وجدتها من أولها إلى آخرها شاهدةً بذلك ناطقةً به، ووجدت الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة باديًا على صفحاتها، منادياً عليها، يدعو العقول والألباب إليها، وأنه لا يجوز على أحكم الحاكمين، ولا يليق به أن يشرع لعباده ما يضادّها؛ وذلك لأن الذي شرعها علم ما في خلافها من المفاسد والقبائح والظلم والسفه الذي يتعالى عن إرادته وشرعه، وأنه لا يصلح العباد إلا عليها، ولا سعادة لهم بدونها البتة»().
والإسلام يأمر بالرفق في جميع الأمور مع جميع فئات الناس؛ الصغار والكبار، والرجال والنساء، والضعاف والأقوياء، والمرضى والأصحاء, وحتى مع البهائم والدواب وغيرها؛ لأن الإنسان إذا وجِّه إلى عملٍ طيبٍ بأسلوبٍ هادئٍ وقولٍ حسنٍ كان عاملاً للقبول، يقول ابن الجوزي :: «واعلم أن رياضة النفس تكون بالتلطف, والتنقل من حال إلى حال، ولا ينبغي أن يؤخذ أولاً بالعنف، ولكن بالتلطف، ثم يمزج الرغبة والرهبة»().
وفيما يلي من الصفحات نعيش في رحاب هذا الحديث الشريف الذي روته عائشة لقَالَتْ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِن اليَهُودِ عَلَى النَّبِيِّ غ , فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلتُ: بَل عَلَيْكُم السَّامُ وَاللَّعْنَةُ, فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ! إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ. قُلتُ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: قُلتُ: وَعَلَيْكُمْ». فهماً ودراسةً واستنباطاً للأحكام القيمة والدروس النافعة لكل مسلمٍ، وداعيةٍ ومربٍّ يريد فقهه على فهمٍ وبصيرةٍ.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا، وأن يجعل هذا العمل من المدخرات، وأن يعفو عن الزلل والتقصير والخطيئات, إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.