home-icon
الدعوة فقه وأساليب

لم يكن موضع التدين من الداعية إلَّا بمكان قريب، والتمسك بالشريعة يحتم على الداعية التقيد بالضوابط الشرعية التي ترافق الدعوة وتسير حذوها بل قد ينقص من أجر الداعية التي لا تلتزم بها وتتحلى بأخلاقها.

ضوابط دعوة المرأة:

قيام المرأة المسلمة بالدعوة إلى الله تعالى ينبغي ألا يخرجها عن فطرتها وأنوثتها، وهناك ضوابط مهمة في هذا الباب نجملها فيما يلي:

  1. الأصل: قرار المرأة في البيت، قال تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾
    [الأحزاب: 33] وقال ﷺ: «المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان حتى ترجع».
  2. للمرأة أحكام خاصة، لا بد من مراعاتها في أي نشاط دعوي إليها، أو تقوم به، ومن ذلك:
  1. التزام الحجاب الشرعي بشروط مع تغطية الوجه والكفين، فالوجه موضع الزينة، ومكان المعرفة، والأدلة على وجوب ستره كثيرة.
  2. تحريم سفرها دون محرم، قال ﷺ: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم».
  3. تحريم خلوة المرأة بالأجانب، لقوله ﷺ: «لا يخلون رجل بامرأة إلَّا مع ذي محرم» وفي رواية: «إلَّا كان الشيطان ثالثهما».
  4. تحريم اختلاطها بالرجال الأجانب، فقد قال ﷺ للنساء: «استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق»، فكانت المرأة تلتصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
  5. تحريم خروجها من بيتها إلا بإذن وليها، إلى غير ذلك من الضوابط الشرعية التي لا يجوز الإخلال بها.
  1. يضرب أعداء الإسلام على هذا الوتر الحساس، ويجعلون مثل هذه الأحكام مدخلًا لوصفهم الإسلام بإهانته المرأة، وتأثر بذلك بعض دعاة الإسلام، فحصل لديهم تفلت في هذا الباب، فيتأكد في حق دعاة أهل السُّنة: ضرورة الانضباط في ذلك، وعدم التأثر والانصياع لشهوات المجتمع ورغباته.
  2. الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة: أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول ﷺ والقرون المفضلة، وما رواه التاريخ من النماذج النسائية الفذة لا يقارن أبدًا بما رُوي عن الرجال، وذلك مصداق قول النبي ﷺ: «كمل من الرجال كثير، ولا يكمل من النساء إلا: آسية: امرأة فرعون، ومريم: بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»، فطلب مساواة المرأة بالرجل في أمور الدعوة ينافي روح الدعوة أصلًا.
  3. ولا يعني هذا الكلام إلغاء دور المرأة وتهميشه وإهماله، بل دورها لا يُنكَر، وشأنها له أهميته، بل إن هذا البحث ما كتب إلا لبيان هذا الدور، ولكن مع التزام ما سبق من ضوابط.
  4. الأصل أن قيام المرأة بالدعوة بين بنات جنسها، فتعمل الأساليب والوسائل المفيدة في ذلك، ولا تخرج عن هذا الأصل إلا بالضوابط الشرعية.

الأساليب المثلى في الدعوة:

من أهمِّ ما ينبغي أن تتنبه له الداعية الموفقة التي تريد أن يثمر قولها وعملها في بيتها ومجتمعها وأمتها: الأساليب الناجحة التي تكون عونًا لها بعد الله سبحانه وتعالى على وصولها إلى النتائج المطلوبة.

ومن ذلك -بإجمال- ما ذكره الله تعالى بقوله سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].

ففي هذه الآية مجمل الأساليب الناجحة وهي:

الحكمة:

ويُقصد بها وضع الشيء في موضعه، ومنها: ضبط النفس والحلم والأناة والتعامل بعقلانية، ومن الحكمة في الدعوة:

  • اختيار الوقت المناسب في الدعوة.
  • اختيار المكان المناسب، فله أثر على القبول.
  • اختيار الموضوع المناسب، وكل ما كان الموضوع في واقع المتحدث معهن كان أولى وأفضل وأقرب إلى القبول.
  • اتباع قاعدة: التيسير المنضبط بضوابط الشرع والمبني على الدليل اتِّباعًا لما ورد مثل قول رسول الله ﷺ: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا».
  • التدرج والمرحلية في الدعوة والتبليغ، فالنفوس تحتاج إلى تمرين وعسفها شيئًا فشيئًا، وهذا اتِّباع لما جاء في حديث معاذ عندما بعثه ﷺ إلى اليمن فقال له: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم»، فأمره النبي ﷺ بأن يتدرج بعرض التكاليف عليهم، وهكذا الداعي الموفق والداعية الموفقة، وينبني على التدرج مراعاة الأولويات في الدعوة والأهم فالمهم.
  • ومن الحكمة: مراعاة المصالح والمفاسد، فدفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وعند تعارض المصلحتين ينظر في أعلاهما، وعند تعارض المفسدتين يتجنب أعظمهما ضررًا، وهكذا، والداعية الموفقة هي التي تزن بهذا الميزان.

الموعظة الحسنة:

ويقصد بها اتِّباع أحسن القول في عرضه على المدعوين، واللطف فيه، والتودد إلى صاحبه، وانتقاء العبارات المناسبة للشخص المدعو وللمقام الذي هو فيه. ويدخل في الموعظة الحسنة الربط بالدليل في الترغيب والترهيب. ومن الموعظة الحسنة القصة، فقد تكرر ذكر القصص في القرآن والسُّنة كثيرًا، وذلك لما فيها من العظة والعبرة، بشرط أن تكون صحيحة، فإن ما وقع فيه القُصاص من محاذير كان بسبب اعتمادهم على القصص والحكايات التي لم ترد في القرآن والسُّنة.

ومنها مخاطبة الناس بما يحبون أن يخاطبوا، كأن تقول الداعية لفلانة من الناس: يا أم فلان، يا أختي، يا أيتها المؤمنة الصادقة، ولعامة النساء: أيتها الأخوات العزيزات، أيتها المؤمنات بالله، وهكذا.

ومنها استعمال الأساليب المقنعة كالتوكيد بالقسم أو تكرار الكلام عند الحاجة إليه ونحو ذلك.

المجادلة بالتي هي أحسن:

والمجادلة هي مقارعة الحجة بالحجة، أو هي المخاصمة في البيان والكلام لإلزام الخصم، وهكذا، ويمكن استعمال المجادلة في مجالات عدة، منها ما يلي:

  • مع المخالف في الرأي، بحسب هذا المخالف، فإن كان مؤمنًا بالله ينطلق معه بالمجادلة من الملتقى وهو الإيمان، وإن كان عقلانيًّا فبالحجج العقلانية.
  • مع الناس بما يفهمونه ويدخل في ذلك حال الحديث معهم كأن يقول: لو قال قائل كذا لقيل كذا.
  • مع الطلاب والطالبات لتعويدهم أسلوب المجادلة والمناظرة، وهكذا، ويجب أن تراعَى الآداب في ذلك، ومنها:
  • الربط بالدليل.
  • عدم التعدي بالقول أو الفعل على الشخص المجادل.
  • عدم تحميل الكلام ما لا يحتمل.
  • عدم الكذب.
  • الهدوء وعدم الغضب.
  • التسليم للحق.
  • عدم الخروج عن الموضوع.
  • إحسان الظن.
  • مراعاة تقوى الله ﷻ وأنه سيحاسب العبد على كلامه إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشرٌّ.