
في تاريخنا المجيد تراث ضخم لم يكن لأمة من الأمم، تراثٌ يعتز به المسلم، أصالةً وتنوعًا وكمًّا ووضوحًا.
يؤسس لقارئه منهجية لحياته، ويعلمه حقبًا من تاريخ أمته، ويطلعه على نماذج من القدوات، ويصور له أسباب عزته، ويبرز له مقومات حضارته، ويوسع معارفه، ويقوي معلوماته، ويضيف خبرات إلى خبراته، وينمي مداركه. والكل يجد بغيته، فالعالم الشرعي يجد البحر الذي لا ساحل له.
والأديب يجد ما ينمي أدبه، والشاعر يجد ما يصقل موهبته ويظهر إبداعه، واللغوي يغوص على ما يثري مادته اللغوية، والمؤرخ يطلعه على تاريخه ويستخرج منه العِبَر والخبرات، والمعلم يجد ما يثري معلوماته، والمربي يرى فيه ما يجدد أساليب تربيته، وقل في غيرهم كذلك.
وأخص بالذكر هنا طلاب العلم بعامة وطلاب الحديث بخاصة، فسير المحدثين من الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى يومنا الحاضر سير مملوءة بالكنوز العظيمة، واللآلئ والدرر، مما يستطيع طالب الحديث أن يلتقط منها ما شاء وهو ما يثري ملكته الحديثية، ويطلعه على مناهج وطرائق المحدثين في تصانيفهم، وروايتهم وفي الجرح والتعديل، والتعامل مع قواعد التحديث وعلوم المصطلح، ومن ثم الوصول إلى التعامل مع السُّنة النبوية وفق القواعد الصحيحة والضوابط المرعية. هذا الجانب أعنى الاطلاع على مناهج المحدثين من الأهمية الكبيرة، والأثر الفاعل على طالب الحديث من وجوه، أحسب أن منها:
- ومن أهم ما يفيده الاطِّلاع على مناهج المحدثين وسيرهم وطرائقهم أن يدرك طالب العلم، مدى حرص أعداء الإسلام ومن تبعهم من أبناء المسلمين على القدح في السُّنة، ورمي الشبهة عليها، وإظهارها، وترويجها، وهو ما يفسر لطالب العلم كثيرًا مما يقع في التاريخ والواقع لكي ترد هذه السُّنة، ويزداد اطمئنانه أن الله تعالى حافظ كتابه وسنة رسوله ﷺ فالشبهة المعاصرة هي الشبهة القديمة إلا أنها تُلبَس أثوابًا أخرى تناسب لغة العصر ومتطلبات الواقع، وإدراك طالب العلم لهذه القضية المهمة يجعله يزداد في طلب الرسوخ العلمي، وفي السُّنة بخاصة، فهي من أهم ما يستهدفه أعداء الإسلام، ومِن ثَمَّ يزداد بذله وجهده العلمي في التبصر بها وفهمها وفقهها والدفاع عنها ليركب مركب سلفه المحدثين فيسهم ولو بالقليل، وبخاصة وقد أتيح كثير من الوسائل وهيئ كثير من المناشط ليحقق طالب الحديث مراده في فهم السُّنة والدفاع عنها.
- إدراك الجهد المضني والجبار الذي بذله المحدثون في جمع حديث رسول الله ﷺ، ومن مختلف مصادر الجمع، وأهمها ما حفظه الصحابة رضوان الله عليهم، والتابعون رحمهم الله فعلى طالب الحديث أن يحذو حذوهم ويتشبه بهم.
- معرفة الكم الضخم مما جُمع من حديث رسول الله ﷺ من أقواله وأفعاله، وطرائق حياته، وأخلاقه، وتعامله بعامة، وهذه المعرفة المتعمقة مما يعين طالب الحديث على حسن الاقتداء برسول الله ﷺ والتأسي بسيرته العطرة ﷺ وكذا اتباع سُنته ﷺ واقتفاؤها وعدم الزيادة والنقص عليها.
- في التعمق بالاطلاع على مناهج المحدثين وأحوالهم يدرك طالب الحديث طرائق التصنيف والجمع، وهو ما يعين على فقه الحديث، ونقله إلى الواقع العملي ليكون منهاج حياة المسلم بعيدًا عن كل انحراف.
- ومن ذلك زيادة الإيمان وقوة اليقين بحفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الدين الذي تكفَّل سبحانه بحفظه في قوله جلَّ وعلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ولا شك أنَّ مما يدخل في الذِّكر السُّنة النبوية التي هي صنو القرآن الكريم وشقيقته.
ولْتَبقَ أخي طالب العلم على يقين مما ذُكِر، خذ مثلًا صحيح البخاري أو غيره، وانظر ما كتبه أهل العلم قديمًا وحديثًا عنه من جميع الوجوه لترى تلك الآثار العظيمة، أحسب أنَّ الأمر لا يحتاج إلى مزيد إقناع، وإنَّما هو بيان لعِظَم الأمر وجديته وعميق أثره.
إضـــاءة: قد لا تفيد غيرك في كثير من الأعمال بقدر ما تضر نفسك فيها بالنقص فالزم طرائق القوم وتشبه بهم لتتدرج نحو الكمال.
والله من وراء القصد.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...