home-icon
يا حافظة القرآن

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنَّ القرآن هو أعظم الكلام؛ لأنه ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، فهو كلام المولى الجليل سبحانه وتعالى، ومعجزته الخالدة لأمة الإسلام.

وقد تحدى الله تعالى المشركين أن يأتوا بسورة من مثله، فلم ولن يفعلوا؛ ويبقى التحدي القائم حتى يوم القيامة، شاهدًا على إعجاز القرآن، قال الله جل وعلا: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ [الإسراء: 88].

القرآن نعمة الله على هذه الأمة:

قال الله تعالى ممتنًّا على الأمة بما أنعم به عليها من الإسلام والقرآن: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، فقد جاء عن بعض السلف في هذه الآية الكريمة أنَّ فضل الله سبحانه وتعالى الإسلام ورحمته القرآن. فالقرآن نعمة الله الجليلة على هذه الأمة، أنزله رب العالمين من فوق سبع سموات وبلغه جبريل عليه السلام لخاتم المرسلين محمد ﷺ، وبلغه الرسول إلى الأمة، فنشهد أنه بلغ وأدَّى الأمانة ﷺ، فالحمد لله على نعمة الإسلام، والحمد لله على نعمة القرآن.

وقد تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه، وأودعه في صدور أهل العلم، فلا تستطيع قوى الأرض أن تعبث بهذا الوحي العظيم، قال جل وعلا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، وقال سبحانه: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ [العنكبوت: 49].

وجعل الله هذا الكتاب العظيم منهاجًا للأمة وللبشرية كلها، إلَّا من حقَّت عليهم الضلالة ولم يقبلوا هدى الله تعالى، فقال تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9]. وجعله سبحانه شفاء للمؤمنين به من أسقام الأبدان والقلوب، فقال سبحانه: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء: 82].

وجمع الله للقائمين بحقِّ القرآن، تلاوة وعملًا، مع ما سبق من الهداية والشفاء وسعادة الدنيا، عظيم الأجر في الآخرة، فقال جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾ [فاطر: 29-30].

حفظ القرآن نعمة لا تقدر بثمن!

إنَّ حفظ كتاب الله تعالى من أجلِّ الأعمال الصالحة؛ إذا صلحت نية العبد فيه وكانت خالصة لله تعالى، وحسب حُفاظ هذا الكتاب أن يوصفوا بالعلم بما أودعه الله في صدورهم من كتابه العظيم، إلى جانب ما جاء من الفضائل الكثيرة لحملة هذا الكتاب الكريم الحافظين له، العاملين به. ومما جاء في هذه الفضائل:

الثواب العظيم والمنزلة العالية:
ومن ذلك ما جاء في السنة المطهرة: قول النبي ﷺ: «الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» (رواه البخاري ومسلم).

الشرف الرفيع والخصائص التي ليست لأحد سواهم:
فقد خصَّ الله تعالى حملة كتابه بشرف عظيم؛ ورفع قدرهم بجعلهم أهله وخاصته، فعن أنس بن مالك أنَّ رسول الله ﷺ قال: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ: أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ» (رواه ابن ماجه).

وصايا لحافظة القرآن:

مما سبق يتضح الشرف العظيم والأجر الكبير الذي بُشر به حفظة كتاب الله تعالى، لكن هذا الشرف إنما يُنال بالقيام بحق هذا الكتاب الكريم، فقد قال رسول الله ﷺ: «والقرآن حجة لك أو عليك» (رواه مسلم).
ومن هنا فإنَّ على حافظة كتاب الله تعالى أن تراعي حقوق هذا الكتاب عليها، التي منها:

1. الإخلاص لله تعالى:

حتى يتحقق لكِ –أختاه– ما بشرك الله به في كتابه وسنة نبيه ﷺ من فضائل أهل القرآن، ينبغي أولًا وقبل كل شيء: الإخلاص لله تعالى في حفظك لكتابه ودراسته؛ وأن تكون غايتك من ذلك رضاه عنكِ وجنته سبحانه.

فاستحضري دائمًا حديث رسول الله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» (متفق عليه).

وكم من فتاة أقبلت على الحفظ لمنافسة قريناتها، أو ليشار إليها بالحافظة، ونحو ذلك من أبواب الرياء والسمعة، ثم بعد زمن تبخر الحفظ وتفلت منها؛ لأنها لم تُخلص النية، فلم يحصل لها التوفيق في المحافظة عليه.

ومن الأحاديث العظيمة في هذا الباب: حديث الثلاثة الذين أخبر النبي ﷺ أنهم أول من تُسعر بهم النار، منهم: «رجل تعلم العلم وعلّمه، وقرأ القرآن، فعرفه الله بنعمه، فاعترف بها، فقال له تعالى: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليُقال عالم، وقرأت القرآن ليُقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار» (رواه مسلم).

2. التخلق بأخلاقه:

تذكري –أيتها المباركة– ما قالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خلق رسول الله ﷺ:
«كان خلقه القرآن» (رواه مسلم).

فتمثلي ما تقرئين وتحفظين، واعملي به، وكوني قدوة للناس في ذلك.

وإليك وصية جامعة في ذلك من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ، قال:
“ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إذا الناس يختالون. وينبغي أن يكون باكيًا محزونًا حكيمًا عليمًا سكينًا، ولا يكون جافيًا ولا غافلًا ولا صخبًا ولا صياحًا ولا حديدًا.”

3. المراجعة والحذر من تفلته:

ومن أهم الوصايا –أختي الحافظة الموفقة بإذن ربك–: المراجعة المستمرة لما حفظتِه، واجعلي وِردًا يوميًّا ثابتًا لذلك لا تتركينه مهما يكن؛ حتى يثبت الحفظ ولا يتفلت.

قال الرسول ﷺ:
«تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها» (متفق عليه).

ومن المفيد أن تضع الحافظة جدولًا مكتوبًا مرتبًا للحفظ والمراجعة، ليكون ضابطًا لها من التسويف والغفلة؛ فتتابع من خلاله انتظامها في تعاهد ما تحفظه.

4. الحذر من هجره:

واحذري أيتها المباركة من الوقوع في آفة هجر القرآن، واعلمي أن لهجره صورًا كثيرة، منها: هجر تلاوته، وهجر تدبره، وهجر العمل به، إلى غيرها من الصور.

قال الله تعالى:
﴿وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يَـٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُوا۟ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ مَهْجُورًۭا﴾ [الفرقان: 30]

فاستعيني بالله تعالى على القيام بحقوق هذا الكتاب العظيم، فإنَّ المولى البرّ الرحيم متى علم صدقك وفّقك وسدّد خطاك.

ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا تعلموا آية لا يجاوزها أحدهم حتى يعمل بها.

فاحذري أن يكون حظك منه ترديد اللسان، دون تأثر القلب وعمل الجوارح! وهل يليق بمن تنتسب إلى دور التحفيظ المباركة، أن تشارك في غيبة أو نميمة؟!
أو هل يليق بها أن تقصر في صلواتها وما افترض عليها؟!

5. التدبر والتفكر:

قال الله تعالى:

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]

ومما ذكره العلماء في أهمية التدبر وتعظيم شأنه ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في «الفروق»، حيث ذكر أن الذكر (أي الأذكار عمومًا غير التلاوة) بتدبر أفضل من تلاوة القرآن بغير تدبر!
فما بالك –أيتها المباركة– إذا كانت تلاوتك للقرآن بتدبر مع كونه أفضل الذكر؟!

فارْبئي بنفسك –أيتها المباركة– عن هجر تدبر القرآن، وافتحي قلبك لكنوزه وفوائده؛ عسى الله تعالى أن ينفع بك حيثما كنتِ ببركة تدبرك!

العمل به وتمثله في واقع الحياة:

إنَّ من أهمِّ آثار القرآن على النفوس المؤمنة: تحقيقه شرعية ومنهاجًا في حياتهم، في حركاتهم وسكناتهم، في ليلهم ونهارهم، فالقرآن ليس مواعظ مجردة، بل أُنزل لصلاح الدين والدنيا، وعمارة الكون بتحقيق العبودية لله رب العالمين.

قال الله تعالى:

﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ﴾ [إبراهيم: 1]

وعلى حفظة كتاب الله مسؤولية عظيمة في ذلك تفوق غيرهم؛ لأنهم في محل القدوة، فينبغي أن يُرى أثر القرآن عليهم، في بيوتهم، وفي أماكن عملهم أو دراستهم، وفي كل مكان.

فاحرصي –أيتها المباركة– على التخلق بأخلاق القرآن في مجالسك ومعاملاتك، وكوني نورًا يشع منه الضياء لمن حولك؛ فإذا سمعت غيبة –مثلًا– ذكَّرت من حولك –بحكمة ورفق– بقول الله تعالى:
﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱجْتَنِبُوا۟ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌۭ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًۭا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌۭ رَّحِيمٌۭ﴾ [الحجرات: 12]

وإذا سمعتِ همزًا ولمزًا، ذكِّريهم بقول الله تعالى:
﴿وَيْلٌۭ لِّكُلِّ هُمَزَةٍۢ لُّمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]

وهكذا، بكل مقامٍ آية، وبأسلوب مهذب يلامس القلوب ويهيئها لتقبل النصح، اقتداءً برسول الله ﷺ، في لطفه وتوجيهه.

تحفيظ الأخريات:

روى مسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله ﷺ قال:

«ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم).

وفي رواية:
«لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» (رواه مسلم).

فيا لها من فضيلة عظيمة! أن تجتمع الحافظة مع أخواتها، سواء في مسجد أو في بيت، على مدارسة كتاب الله وتدارسه، فتنال بذلك البركة والسكينة والمكانة عند الله.

والحافظة الموفقة، الحريصة على نشر الخير والهدى، تأخذ بأيدي أخواتها من زميلات وصديقات وقريبات، وتحب لهن ما تحب لنفسها.

كما أنها تتحرى الخيرية الواردة في قول النبي ﷺ:
«خيركم من تعلم القرآن وعلّمه» (رواه البخاري).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شرح الحديث:
“وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمَّل في أنفسهم المُكمِّلون لغيرهم، وذلك جمعٌ بين النفع القاصر والمتعدي.”

طريقك إلى الرفعة!

وهكذا –أيتها الحافظة المباركة– تعلمين أي شرف حباكِ الله تعالى به، حين اصطفاك من بين عباده للإقبال على كتابه حفظًا ومدارسة، وكما علمتِ –فيما سبق– أي فضل تنالينه عندما تقومين بحقوق هذا الكتاب من التدبر والعمل به وتعليمه لغيرك.

إنه طريقك إلى الرفعة في الدارين، إن أخلصتِ لله تعالى وصدقتِ في مسيرتك.

قال رسول الله ﷺ:
«إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين» (رواه مسلم).

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكنّ من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته، وأن يوفق أخواتنا وبناتنا الحافظات إلى نيل الفضائل والمكرمات، ورفعة الدرجات في الدنيا والآخرة.

﴿يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ دَرَجَـٰتٍۢ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ﴾ [المجادلة: 11]

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

العمل به وتمثله في واقع الحياة:

إنَّ من أهمِّ آثار القرآن على النفوس المؤمنة: تحقيقه شرعية ومنهاجًا في حياتهم، في حركاتهم وسكناتهم، في ليلهم ونهارهم، فالقرآن ليس مواعظ مجردة، بل أُنزل القرآن لصلاح الدين والدنيا، وعمارة الكون بتحقيق العبودية لله رب العالمين. وعلى حفظة كتاب الله مسؤولية في ذلك تفوق غيرهم؛ لأنهم في محل القدوة، فينبغي أن يُرى أثر القرآن عليهم، في بيوتهم، وفي أماكن عملهم أو دراستهم، وفي كل مكان.
فاحرصي –أيتها المباركة– على التخلق بأخلاق القرآن في مجالسك ومعاملاتك، وكوني نورًا يشع منه الضياء لمن حولك؛ فإذا سمعت غيبة –مثلًا– ذكَّرت من حولك –بحكمة ورفق– بقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]، أو سمعت همزًا ولمزًا ذكرت قوله تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾ [الهمزة: 1]. وهكذا بما يناسب كل مقام وحال، وبأسلوب جميل مهذب يهيئ القلوب لتقبل النصح.

تحفيظ الأخريات:

روى مسلم عن أبي هريرة أنَّ رسول الله  قال: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
وفي رواية أخرى عدم تقييد ذلك بالمساجد، ولفظها: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلَّا حفَّتهم الملائكة»، فإذا اجتمعت الحافظة مع أخواتها في مكان آخر غير المسجد مثل كبيت إحداهن –مثلًا– كان لهن هذا الفضل أيضًا بإذن الله سبحانه وتعالى.
فهذه فضيلة عظيمة للاجتماع على كتاب الله تعالى تلاوة ومدارسة، والحافظة الموفقة الحريصة على نشر الخير والهدى تأخذ بأيدي أخواتها من زميلات وصديقات وقريبات، وتحب لهن مثل ما تحب لنفسها.
كما أنها بذلك تتحرى الخيرية الكريمة الواردة في قول النبي : «خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه»().
قال الحافظ ابن كثير حول هذا الحديث: «وهذه صفات المؤمنين المتبعين للرسل، وهم الكُمَّلُ في أنفسهم الـمُكَمِّلون لغيرهم، وذلك جمع بين النفع القاصر والمتعدي».

طريقك إلى الرفعة!

وهكذا –أيتها الحافظة المباركة– تعلمين أي شرف حباك الله تعالى به عندما اصطفاك فيمن اصطفى من عباده للإقبال على كتابه حفظًا ومدارسة. كما علمت –فيما سبق– أي فضل تنالين عندما تقومين بحقوق هذا الكتاب من التدبر والعمل به وتعليمه غيرك. إنه طريقك إلى الرفعة في الدارين، إن أخلصت لله تعالى في هذا الأمر الكريم العظيم، وصدق رسول الهدى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، إذ يقول: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين». أسأل المولى القدير سبحانه أن يوفق أخواتنا وبناتنا الحافظات إلى نيل الفضائل والمكرمات، ورفعة الدرجات في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب. وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.