
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تعم الخيرات، وأصلِّي وأسلِّم على سيد البريات، وعلى آله وأصحابه أهل السبق والمكرمات، ومَن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم يُبعث المخلوقات، أما بعد:
ها هي دورة رمضان لهذا العام تكتمل، والمؤمنون على درجات في تخرجهم في هذه الدورة، فمنهم المؤمنون الذين هفت نفوسهم، وتطلعت أفئدتهم لقيام رمضان وبلوغه، واشرأبت أعناقهم لفضائله ونفحاته، عرفوا قيمة الشهر، ومكانته، فحمدوا الله تعالى على بلوغه، فشمروا عن ساعد الجد، وجدُّوا واجتهدوا، أمضوا نهاره بالصيام، وليله بالقيام، وما بين هذا وذاك قرآن وذكر وإحسان وإنفاق وتعامل حَسَن، وصدقة وبر، ودعوة وأمر بمعروف، ودعاء ومناجاة، واستغفار وتوبة، فعمروا شهرهم بالطاعات والقربات، فحري لهؤلاء المؤمنين أن يكونوا من المقبولين في هذا الشهر الكريم فقد قُبل صيامهم وقيامهم واستُجيب دعاؤهم، ولُبيت مطالبهم، وبُلِّغوا أمانيهم.
وآخرون فرطوا، فمضى عليهم الشهر، فذهب نهارهم بالتضجر من الصيام، أو التأفف والتبرم من طول النهار، أو أمضوا أكثره بالنوم المتواصل، وسهروا في لياليه على كثير من المكروهات والمحظورات، وأقل ما فيها ضياع الأوقات، فلم يستفيدوا من شهرهم، ولم يتخرجوا في هذه الدورة الرمضانية بما تخرج به المؤمنون الطائعون.
ومع كل ما سبق، خير الله عميم، ورحمته واسعة، وفضله كبير ليواصل المحسن إحسانه، مع رجاء قبول عمله وإحسانه فيسابق غيره حتى يصل غايته، ويحقق مناه في الدنيا والآخرة، فيستأنف نشاطه وقد تدرب في هذه الدورة على الصيام والقيام والقراءة والإنفاق والإحسان فالمواسم –ولله الحمد والمنة– مستمرة، ففي الصيام ندبنا النبي ﷺ إلى صيام ستٍّ من شوال ليُكتب للعبد صيام السُّنة كلها كما جاء الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: «من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر» يعني في الأجر والمثوبة، وغير ذلك مما ندبنا الشرع إلى صيامه، كصيام الاثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو أعلاها وهو صيام يوم وفطر يوم.
وفي مجال الصلاة والقيام، الليل كله مساحة رحبة لأن يَجعل المسلم له حظًّا من القيام، ولو بثلاث ركعات، فأفضل الصلاة –غير الفريضة– صلاة الليل. وفي مجال الإنفاق الخيري -صدقة على فقير ومسكين، وتبرع في مجال خيري- بأن يجعل الإنسان شيئًا ولو يسيرًا سوى الزكاة، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
وغير ذلك من مجالات الأعمال الصالحة التي تعوَّدها المسلم في هذا الشهر المبارك، ناهيك عن ترك المحظورات، والبُعد عن الرذائل، وتجنب المكروهات، يتمثل الحريص الموفق قول الله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر: 99]
سائلًا الله تعالى التوفيق والسداد والقبول.
والآخر الذي فرَّط ولم يستفد من شهره فالمجال واسع لاستئناف الحياة من جديد، بالتأسف على الماضي، والندم على التفريط، والتوبة من سائر الذنوب والمعاصي، والبدء بالمنافسة في الصالحات، والله سبحانه ندب إلى التوبة حتى ولو وقعت من الإنسان الذنوب الكبار: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]
والآخر الذي فرَّط ولم يستفد من شهره، فالمجال واسع لاستئناف الحياة من جديد، بالتأسف على الماضي، والندم على التفريط، والتوبة من سائر الذنوب والمعاصي، والبدء بالمنافسة في الصالحات.
والله سبحانه ندب إلى التوبة حتى ولو وقعت من الإنسان الذنوب الكبار، فقال تعالى:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]
والتوبة تجبُّ ما قبلها، بل حُسن العمل بعد التوبة يقلب السيئات حسنات، قال الله تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ﴾ [هود: 114]
ويقول النبي ﷺ: «وأتْبِعِ السيئة الحسنة تمحُها».
حريٌّ بالموفَّق المواصلة والاستمرار، والحذر من العُجب والغرور، وحريٌّ بالمفرِّط الاستغفار والإنابة، واستئناف الحياة الجديدة.
ويُندب للجميع في غروب شمس ليلة العيد البدء بالتكبير، قال الله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]
أنعم به من شعار يُعلن العبودية لله تعالى، والعظمة له سبحانه، والكبرياء لجلاله، فنختم الشهر بهذا التعظيم والتوحيد والإجلال للمولى.
وما خُتم الشهر بذلك إلا كان جديرًا بالقبول، فلا يُختم بالمزامير، والطرب، والملاهي، والفسق، والمكروهات والمحرمات، فيكون الإنسان كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثًا، وكمن يبني في النهار ويهدم بالليل.
وما أجمل هذا الدين حيث يعقب هذه العبودية العظيمة وما حوت من عبوديات كبرى من الصيام والقيام وغيرها، يعقب بالعيد، وما أدراك ما العيد؟
إنه عيد الفطر المبارك، يُفتتح بتوزيع صدقة الفطر قبل صلاة العيد، وبلبس الجديد من الثياب، ويخرج الناس بأبهى حُلّة، وأفضل لباس، يخرجون لمُصلاهم، والابتسامة على وجوههم، والفرحة تعلو محياهم، وألسنتهم تلهج بالتكبير، وقلوبهم تتجه للخالق بالرجاء العظيم لقبول شهر الصيام بما بذل فيه من الأعمال، وبالمغفرة لما وقع من الذنوب والتقصير، والأمل بأن يعود أعوامًا كثيرة وأزمنة مديدة.
عيدنا أهل الإسلام عيد عظيم لا يجوز فيه الصيام. عيدنا عيد الفرحة باكتمال عبودية يُرجى قبولها. عيدنا عيد التواصل والزيارات لذوي القربى بالسلام والاجتماع والهدية والفرحة والالتقاء. عيدنا عيد الصفاء وغسل الأدران من القلوب، ليعود الإخاء والمحبة والمودة، والتراحم والتعاطف.
عيدنا عيد الرحمة والشفقة للمسكين والأرملة واليتيم والمحتاج بمواساتهم حتى يفرحوا مع إخوانهم المسلمين. عيدنا عيد الشعور بالإخاء لكل مسلم في أرجاء الأرض لترتفع الأكف وتتضرع القلوب بالدعاء لضعفاء المسلمين ومجاهدين ومنكوبين وأراملهم وأيتامهم فيواسوا ولو بالدعاء، وهو عند الله تعالى عظيم.
عيدنا لا عيد لنا غيره في العام إلا عيد الأضحى المبارك، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، فلا عيد إلا هذا.
عيدنا ليس عيد أشر وبطر، ولا لهو ومزامير، ولا نكران للنعم، ولا تقليد للكفار في أعيادهم.
هذا هو عيدنا –بمفهومنا الإسلامي– الذي يجب أن نحييه في نفوسنا، وبين أهلينا ومجتمعنا، ومجتمعات المسلمين.
فلا يكون عيدًا شكليًّا يمر ولا يغير ما في نفوسنا فتتراكم الأدران، وتزيد الأحقاد، ويخفت ضوء هذا العيد فلا نفرح به، ولا نسر بمروره.
فلنتعيد رغم أنف النفوس الضعيفة، ورغم الأجواء القاتمة في كثير من البقاع، في عالمنا الإسلامي، ولْنَقُلْ بلسان الحال لكل الأمم في الأرض إن شعارنا: عدم اليأس والقنوط، والصبح قريب، والأمل يحدونا، والرجاء بمستقبل مشرق لأمة الإسلام وإن طال الزمن، وتغيمت السماء.
تقبل الله مني ومنكم الصيام والقيام، وسائر الأعمال، وغفر الله لي ولكم، ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، وأعاد علينا رمضان أعوامًا كثيرة وأزمنة مديدة، وأمة الإسلام في نصرٍ وعزٍّ وتمكين، وعيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...