home-icon
وقفات مع قوله عليه الصلاة والسلام: «خير الناس أنفعهم للناس» الحج نموذجًا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

من سمات هذا الدين أنه يربي في النفوس المعاني الكبيرة، بحيث يكون المسلم كالنخلة في نفعها المتعدد في كل حال –هكذا شبهه النبي عليه الصلاة والسلام–، قال ابن كثير في تفسيره: «إن المؤمن كشجرة من النخل لا يزال يُرفع له عمل صالح في كل حين ووقت وصباح ومساء».

والمسلم كذلك نافع لنفسه يجلب الخير لها، ونافع لغيره، هكذا يربي الإسلام أتباعه، بلا حقد ولا حسد، ولا أنانية ولا بغضاء، بل محبة وإخاء، ومودة وتراحم، وصلة وصدقة، وبر وإحسان.
ومبادئ الإسلام وأركانه تنمي في النفوس هذه المعاني العظيمة.

والحج أحد هذه المبادئ، تظهر فيه هذه المعاني بوضوح إذ يجتمع عدد كبير من المسلمين في تلك البقاع الطاهرة، ليؤدوا ركنًا من أركان الإسلام، بهيئة واحدة، وحركة جماعية واحدة، متجهين لرب واحد، تذوب فيه الفوارق اللونية والقلبية والعرقية والحدود الجغرافية، بل هي هدف من أهدافه التي نصَّ عليها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، فقال سبحانه: ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ (27) لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ﴾ [الحج: 27- 28]، فالحج كله منافع، منافع دنيوية ومنافع أخروية.

وهنا تتجلى منافع العباد بعضهم لبعض بصور عظيمة وكبيرة وظاهرة، ومن أهم ملامح هذا النفع المتعدي:

النفع العلمي والدعوي:

في المسلمين بعض الجهل، وشيء من التقصير والخلل، وهفوات وزلات، والحج فرصة للتصحيح والتقويم، فالجميع جاء باذلًا ماله وجهده، متفرغًا عن المشاغل أداءً لهذه العبادة ويجدها كل مسلم فرصة ليسمع ويتعلم؛ ومن الدعوة والتعليم النصيحة، وإلقاء الكلمة على الرفقة أو الحملة، وتوزيع الكتاب النافع، والشريط المفيد، واللوحة الهادفة، والمطوية المختصرة، وغيرها مما يُستطاع فعله.

النفع المادي:

بأن ينفع المسلم أخاه، فقد تحمل الحاج نفقات الحج، وقد تكون باهظة، فليكن الحج مقبولًا بحمل شيء من النفقة للبذل والعطاء والصدقة والهدية، ولسنا بحاجة لعرض النصوص المرغبة في الإنفاق، ولكننا نذكر هنا أنه اجتمع للحاج شرف الزمان والمكان والحال، تضاعف الأجور أضعافًا مضاعفة ما لا يتخيله منفِق بذل شيئًا من ماله، ففي الحجاج فقير ومسكين، ومحتاج وابن سبيل، وجائع وعطشان، وفيهم صديق وحميم، ففرصة أعظِمْ بها من فرصة لمد يد العون والمساعدة، فيساعد المحتاج، ويتصدق على الفقير والمسكين، ويواسي الضعيف، وينفس عن المكروب، ويروي العطشان، ويشبع الجائع، ويهدي للقريب والصديق.

النفع البدني:

والحج كله عمل وحركة، وجد ونشاط، طواف وسعي، وقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ومنًى، ورمي للجمار، حركة دؤوبة، فما أعظمها وأجلها، والحاج يستشعر بأن جميع هذه الخطوات لله سبحانه وتعالى، عبادة وقربة. وتعظم هذه الخطوات وتضاعف عند مساعدتك لضعيف، أو حمل له في سيارتك، أو مساعدته بحمل متاعه، أو توصيل طلبات له، أو دلِّه على مكانه ومقر خيمته، أو إسعافه حال إصابته، ونفع عظيم آخر، بل ومنافع أخرى تتجلى في صور كثيرة، منها ما يلي:

  • إبداء رأي أو اقتراح نافع على مستوى حملة حج أو وزارة أو مؤسسة ونحوها و«الدين النصيحة».
  • حمل همِّ الحجاج وغيرهم من المسلمين، فههنا تُسكب العبرات، ويناجَى رب البريات سبحانه وتعالى، على صعيد عرفات، في صبيحة مزدلفة، وبعد رمي الجمار، وفي الطواف والسعي، يدعو الحاج لنفسه ولمن له حق عليه من الوالد والولد، والزوجة والقريب، وولاة الأمر والعلماء، والمجاهدين والمستضعفين، وجميع المسلمين في كل مكان.
  • كف الشر عن المسلمين، فقد لا يستطيع الحاج الدعوة ونشر العلم، ولا البذل والإنفاق، وليس عنده القدرة لينفع ببدنه فلا أقل من أن يكف الشر عن إخوانه المسلمين.

هذه صور وأمثلة لإظهار النفع المتعدي للآخرين حال أداء هذه الشعيرة، فليكن المسلم الحاج كريمًا مع نفسه لينفعها وينفع الآخرين بجميع هذه المجالات أو ببعضها، كل حسب استطاعته وقدرته، قارنًا جميع هذه الأعمال بالقصد الحسن والنية الطيبة التي قادته لأداء هذه الشعيرة، وليجعل كل حاج من حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل»، شعارًا له في الحج وغيره.

نسأل الله جل وشأنه أن يوفق المسلمين الإخلاص والمتابعة في جميع أعمالهم وأن يجعل حجهم مبرورًا وسعيهم مشكورًا وذنبهم مغفورًا، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.