
الحمد لله الذي منَّ وأنعم علينا سبحانه وتعالى بنعم تجِل عن العد والحصر، وأصلِّي وأسلم على من جعله الله تعالى قدوة للبشر، وعلى آله وأصحابه السادة الغُرِّ، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم ما تتابعت الأيام والليالي والدهر، أما بعد:
فكم لله سبحانه وتعالى على عباده من نِعم ومِنح، لا يحصيها عادٌّ، ولا يستطيع حصرها حسَّاب.
ونحن –قراءنا الكرام– ندلف إلى نعمة من أجَلِّ النعم، ومنحة تتوالى على مدى السنين والأعوام، ذلكم هو شهر الصيام والقيام، والطاعات والقربات، والفوز والرضوان، قال تعالى:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدٗى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]
هذا الشهر الذي أعتقد أنه لا يُجهل فضله وخيره، وما فيه من الغنائم والمغانم، والحوافز والجوائز، مسلم يعيش في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الأحاديث، وعمت فيه المواعظ، وتعددت مصادر التوجيه، ويكفينا من ذلك ما وعد الله تعالى به من مضاعفة الحسنات إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما ثبت ذلك عن المصطفى ﷺ، وجعل فيه العشر المتضمنة لليلة القدر، التي تعدل في الأجور ألف شهر.
قال تعالى:
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]
﴿لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٞ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٖ﴾ [القدر: 3]
أيُّ كرم بعد هذا لا يدركه مسلم عاقل، يعنيه مستقبله، وتهمه آخرته، ثم لا يعمل له؟!
ومن هنا لن نسهب في هذه الفضائل التي يسمعها ويقرؤها المسلم في يومه وليلته، ولكن نقف معه وقفات لعلَّها ترسم لنا منهجًا للتعامل الحق مع هذا الشهر ليكسب مكاسبه في دنياه وآخرته.
الوقفة الأولى:
هنيئًا لك أخي المسلم إدراك الشهر، هنيئًا لك لما ستكسبه بإذن الله تعالى من عظيم الأجر، وكثرة الفضائل التي لا تُعَد ولا تُحصى، هنيئًا لك ما أخلصت النية، وجددت العزم، وحررت القصد، في صيامك، وقيامك، وسائر طاعاتك، وكفك عن السيئات، وإن صغرت، أو قلَّت، هنيئًا لك ما عرفت قيمة الشهر، فعلمت وعملت، وبذلت واجتهدت، وأنفقت وصبرت، واغتنمت الوقت، وحاسبت نفسك وإن أخطأت، وهنيئًا لك، ولكل من كان مثلك بهذا الشهر الكريم، شهر رمضان.
الوقفة الثانية:
لعلَّ من الخير ونحن نستقبل الشهر -شهر رمضان- بكل أحاسيسنا وشعورنا ومشاعرنا وعقولنا وعواطفنا، ألا نكتفي بهذه الأحاسيس والمشاعر –وإن كانت هي المنطلق– لنتجاوزها إلى برمجة الوقت والأعمال حتى نصل إلى المستوى المنشود، وإلى القمة التي وصل إليها الأسلاف وتعاملوا بها مع هذا الشهر.
نبرمج اليوم والليلة، ولنقسم الأعمال عليها، ونبرمج الأعمال ونقسمها على الوقت وما نريد أن نؤديه، كما يجتهد أصحاب الأموال والشركات في عمل الموارد والمصاريف، وكلٌّ حسب وظيفته وعمله وموقعه من أسرته ومجتمعه، حتى لا تستهلكنا الأعمال الجانبية، ويمضي عليها الليل والنهار، ورصيدك لا يسجل فيه إلا قليلًا، وقد سبق المتنافسون السباقون والزمن لا يعود.
أحسَبُ أن هذه البرمجة المبدئية الواضحة من أهمِّ المعينات والمقومات للوصول إلى الهدف المنشود من الشهر الكريم، ولقطف الثمار من هذه المنحة الربانية.
الوقفة الثالثة:
المسلم الحق هو الذي يعيش في هذه الدنيا طالبًا العلو في مسعاه إلى مراقي الصعود ليصل إلى القمة فيسجَّل ضمن السابقين، الفائزين، ومن فضل الله تعالى أن الفائزين غير محصورين في عدد معين.
قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة: 148]
يجب أن يعلمنا الشهر أنه لا حد للأعمال الصالحة التي تصحبها النوايا الخالصة، فليكن رسول الله ﷺ القدوة والرائد الذي ينظر إليه المسلم فيتشجع ويقوى،
ها هو يقوم الليل ﷺ حتى تتفطر قدماه من طول القيام، وهو الذي قد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»،
ألا يكون أسوتنا؟
وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان ﷺ أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، ويوقظ أهله في العشر الأواخر ليغتنموا ليلة القدر، ويشد المئزر، ويلزم مسجده، ويبتعد عن لذَّات الدنيا وشهوتها في العشر.
ما بال كثيرين همتهم تتنوع في هذا الشهر يمنة ويسرة، ويسلكون كل وادٍ إلَّا وادي النجاة والفوز، ويبحرون في كل مركب إلا مركب الصعود،
ألا يكفي ما فرطنا في سائر الأيام والليالي لنعود مع هذه الفرصة التي قد لا تعود؟
الوقفة الرابعة:
لست وحدك أخي المسلم وأختي المسلمة في كوكب بعيد عن إخوانكم وأخواتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فأنت بجسدك وروحك ومشاعرك بين إخوانك المسلمين، تعيش أفراحهم وأتراحهم، فمن الخير العميم والفوز والنجاة أن تعيش تلك الأفراح والأتراح تستشعرها، وتسهم في تنمية الأفراح ومعالجة الأتراح، إسهامًا بمال، وتفطيرًا لصائم، وسعيًا لحل مشكلة أرملة، أو عطف على مسكين، وقيام على يتيم، ودعوة إلى الخير، ودعاء صادق من القلب لحُكَّام المسلمين بأن ينهجوا شرع الله، ويقيموا حدوده، وفرائضه، ولعلمائهم بالعون والتسديد، ولدعاتهم بالإخلاص والجدِّ، ولكل مسؤول بالقيام بمسؤوليته، وللآباء والأمهات بحسن التربية والبناء لأسرهم، وللفقراء والمساكين والضعفاء والمجاهدين، ولعامة المسلمين والمسلمات فلتكن كريمًا ولو في دعائك، واعلم أن مردود الدعاء عليك دنيا وأخرى.
الوقفة الخامسة:
ولأسرتك عليك حقٌّ، بل حق عظيم فليكن في تخطيطك نصيب عظيم للرقي بهم، وحثهم، ومشاركتهم وليروا فيك القدوة في قولك وفعلك وفي صيامك وقيامك، وإنفاقك وإحسانك وأشعرهم بحنونك عليهم وشفقتك وحرصك، وصوِّر لهم عظم الفوز لمن اغتنم هذا الشهر وفداحة الخسارة لمن فرط فيه، وأعنهم على كل ما فيه خير، وابذل من مالك ما تستطيع لتجد، استمع إلى قراءتهم القرآن، وأبد إعجابك بها، وشجِّع المُجِد، وبيِّن خطأ المخطئ، وعلاج الخطأ، ضع لهم الحوافز والجوائز، وسترى أثر ذلك على نفسك وعليهم في الدنيا والآخرة.
الوقفة الأخيرة:
نحن نستقبل رمضان بكل فرح واغتباط، فلنعقد العزم، ونجدد النية ونستشعر عظمة الشهر، وما فيه من كثرة الثواب وعظم الأجر، ونكثر من الأعمال التي كان يكثر منها رسول الله ﷺ ، رزقني الله تعالى وإياكم والمسلمين والمسلمات حسن الصيام والقيام، وتوجنا سبحانه وتعالى بالقبول والرضوان، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...