هل هذا الحديث صحيح؟

غني عن القول أن نقول: إن السنة النبوية مصدر أساس من مصادر التشريع، فهي منطلق أساسي لحياة المسلم، لذا لا غرابة أن نسمع السؤال المتكرر: هل هذا الحديث صحيح؟ وهذا يدل بحمد الله جل شأنه– على وعي من قِبَل كثير من المسلمين لتحري صواب العمل في هذه الحياة، الذي هو أحد ركني قبول العمل عند الله تعالى.

ومن هنا تأتي أهمية هذا السؤال، الذي أحاول الإجابة عن مضمونه في النقاط الآتية:

التصحيح والتضعيف:

وهذا يعني صحة نسبة هذا الحديث أو ذاك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أو عدم صحة النسبة إليه. وتلك مهمة عظيمة وخطيرة، والمزلق فيها مزلق عسير، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتواتر: «من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، وفي رواية عند مسلم: «من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»، وهذه الرواية تفيد بأن الوعيد يقع على الإنسان الذي نسب حديثًا إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو غير صحيح ولو لم يكن متعمدًا، وهذا

يعنى أنه لا بد من شدَّة التحري والتثبت فيما يُنسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام حتى لا يقع المسلم في هذا الوعيد الشديد، كيف نستدل على معرفة الحديث من حيث الصحة والضعف؟

ذكر المحدثون أنه يمكن معرفة الحديث الصحيح من خلال الطرق الآتية:

  1. أن يوجد الحديث في الصحيحين صحيح الإمام البخاري وصحيح الإمام مسلم رحمهما الله تعالى أو في أحدهما وذلك لتلقي العلماء لهما بالقبول، فكل ما فيهما صحيح. ويبقى السؤال: هل يلزم من صحة ما فيهما العمل بها؟ وهذا سؤال مهمٌّ جدًّا، لأنَّ العمل يستلزم مسائل أخرى، كجمع الأحاديث التي في موضوع واحد، وبيان الناسخ والمنسوخ، والشاذ والمحفوظ، وذكر ما يعارضها، وهل يمكن الجمع بينهما أو لا؟ ثم بوسائل حل التعارض، وغير ذلك. وهذا يلزم منه أن يكون الناظر في هذا من أهل الدراية والفقه والاستنباط، ولذا فرَّق العلماء بين حفاظ الحديث، وبين الفقهاء. فتدبَّر وتأمل.
  2. أن ينص إمام معتبر من أئمة الحديث على صحة الحديث مثل أصحاب السنن، كالإمام أبي داود السجستاني، والإمام أبي عيسى الترمذي، والإمام أبي شعيب النسائي، والإمام ابن ماجه القزويني رحمهم الله وأمثالهم، فإذا نصَّ الإمام وليس له معارض من مثله، يؤخذ بهذا التصحيح، وإنْ عورض من مثله يحتاج إلى الترجيح بمسوغات الترجيح المعروفة عند المحدثين شريطة أن يكون قادرًا على الترجيح فإن لم يكن قادرًا على ذلك فليسأل من لديه علم بذلك.
  3. أن يوجد الحديث في الكتب التي التزم أصحابها الصحة غير الصحيحين كابن خزيمة وابن حبان رحمهما الله، وليس لهم معارض فإذا وجد فيهما أو في أمثالهما ولم يوجد المعارض فيؤخذ به إما إذا وجد المعارض فيلزم الترجيح على ما سبق.
  4. إذا لم يوجد في الكتب التي التزمت الصحة غير الصحيحين ولم يوجد نص من إمام معتبر في التصحيح والتضعيف يلزم دراسة إسناد الحديث، من خلال قواعد دراسة الأسانيد المعروفة عند المحدثين من معرفة عدالة الرواة، وضبطهم، واتصال السند، وعدم وجود شذوذ في الإسناد، ولا علة… إلخ. ولاشكَّ أن معرفة هذه ليست أمرًا سهلًا بل تحتاج إلى علم، ودراية.
  5. وفيما سوى هذه الحالات على المسلم أن يتقي الله تعالى ويسأل أهل العلم بذلك حتى لا يقع في الوعيد الشديد.

وبعد ذلك يرد سؤال مهم، هو: هل يؤخذ بتصحيح المعاصرين؟ لا شكَّ أنه بذلت جهود كبيرة لخدمة الحديث على مدى التاريخ الإسلامي منذ عصر الصحابة والتابعين، مرورًا بقرني التدوين الذهبيين، وهما القرنان الثاني والثالث الهجريين، ثم ما بعدهما، إلى عصرنا الحاضر.

أقول: بُذلت جهود يقل نظيرها وبخاصة في علم الحديث، ومنه الحكم على الأحاديث، ولا يكاد يتعسر اليوم الحكم على الحديث من العارف بذلك، هذه الجهود التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يضاعف لأصحابها المثوبة والأجر. وفي الوقت الحاضر بُذلت وتُبذل جهود في هذا الباب، وممن اشتهر بذلك: فضيلة الشيخ ناصر الدين الألباني رضي الله عنه؛ فله مؤلفات تشهد له بالتبحر في هذا العلم، وكذلك فضيلة الشيخ أحمد شاكر، وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته. فهؤلاء وأمثالهم يؤخذ بحكمهم ما لم يكن لهم معارض ممن سبقهم أو من أمثالهم، فإن كان لهم معارض يلزم الترجيح على ما سبق.

لعلَّ من المفيد هنا التنويه بأنَّ علماء الحديث كما بذلوا جهودًا جبارة في جمع الحديث الصحيح، بذلوا جهودًا لا تقل عن تلك الجهود في جمع الأحاديث الضعيفة، بل والموضوعة، وبيانها، وبيان قواعد التضعيف، والوضع وما يتعلق بذلك مما يحتاج إلى مقالات خاصة، وللشيخ الألباني رضي الله عنه جُهد في ذلك أيضًا مثل: سلسلة الأحاديث الضعيفة. ومن المفيد أيضًا التنويه بأنه يشتهر على ألسنة الناس على مدى التاريخ أحاديث قد تكون صحيحة وقد تكون ضعيفة أو موضوعة، ومعرفة هذه الأحاديث من الأهمية بمكان، ولذا ألَّف فيها أهل العلم مؤلفات، من أشهرها: المقاصد الحسنة فيما اشتهر من الأحاديث على الألسنة، لشمس الدين السخاوي رضي الله عنه. ومما أخذه الموقع في رسالته بيان مثل هذه الأحاديث لتكون معلومة لدى المسلمين. 

ونختم هذه الكلمات بالعودة إلى بيان خطورة الحكم على الحديث دون علم وبصيرة، وبهذا نعلم خطورة التسرع في نشر أحاديث لا يُعلم حكمها، كما ينشر في كثير من مواقع الإنترنت، أو المنتديات أو في رسائل الجوال، أو في التداول في المجالس، بل وحتى في الكلمات الوعظية، أو الكتابات الصحفية، أو البرامج الإعلامية وغيرها، فالحذر الحذر من التسرع حتى لا يقع المسلم في الوعيد الشديد، فيقول على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بغير علم.

سدد الله الخُطى ونفع بالجهود. وصلَّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.