
في الآونة الأخيرة انتشرت بعض الكتب المترجمة عن الغرب، تحكي في الغالب تجارب لأشخاص أرادوا كتابة تجربتهم في الحياة، وغالبًا ما يكونون موظفين في شركات كبرى، أو مارسوا عملًا ذا أهمية عظيمة، وغالبًا -أيضًا- ما تكون الكتابة على شكل قواعد أو مواد أو فصول ينطلق فيها الكاتب من قصة أو حكاية وقعت له أو وقعت لغيره فيستخرج منها قاعدة من القواعد التي يراها.
وغالبًا -أيضًا- ما تكون هذه الكتابات في الاستفادة مما منحه الله سبحانه وتعالى الإنسان من قدرات وكيفية استغلالها فيما يوصل الإنسان لتحقيق أهدافه، واستفادته من هذه الحياة، ومن هذا الوجه تسابق الناس في الغرب للإقبال عليها وتسابق كثير من شبان العرب وفتياتهم على المترجم منها، وصار يُرمز إلى كل كتاب يراد التسويق له بأنه الأكثر مبيعًا في كذا وكذا. وهذا كله لا غبار عليه، فالحياة ميدان فسيح لإقامة التجارب الحياتية، واستفادة بعض الناس من بعض، بل إن هذا أمر من الأهمية بمكان بالنسبة للمسلم إذ هو مأمور أن يستفيد من غيره، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، كما ورد. وشاهد المقال هنا: إذا كان الناس في الغرب أدركوا أهمية هذا الشأن، أعني محاولة تطوير أنفسهم، والاستفادة من قدراتهم، واستغلال إمكاناتهم، وتفعيل مواهبهم، وذلك من خلال قراءتهم لتلك التجارب البشرية.
أقول: أفلا يسوغ لنا -نحن المسلمين- أن نقف وقفة تأمل في هذا المعنى الكبير من خلال ما لدينا من كنوز علمية، وعملية وخبرات وتجارب قل نظيرها على مر التاريخ؟! ولأنتقل لشيء من التفصيل أقف مع عدد من المنطلقات المهمة لينطلق منها كل من يريد تطوير ذاته، والعمل على بناء نفسه، وبلوغ أهدافه، والاستفادة من قدراته، وما منحه الله تعالى من الحواس والإمكانات والمواهب ولمن أراد أن يعرف نفسه فيزكيها ويستثمرها.
الأول: سؤال أوجهه لكل واحد منا، وهو سؤال صريح يندر من يجيب عنه إجابة كافيه، وهو: هل عرفت نفسك المعرفة الحقيقية؟! تتمثل في ذلك قوله تعالى: ﴿وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21]، بمختلف جوانب النفس البشرية من حيث خلقتها، وما أودع الله ﷻ فيها.
إن من أكبر جوانب العظمة أن تنطلق من المعرفة، وأهم جوانب المعرفة ومعرفتك لنفسك، ومعرفة الأولويات الكبرى التي تجب عليك، فأحتاج أنا وأنت لنعرف:
- أسرار خلق النفس البشرية.
- تفضيلها على سائر المخلوقات.
- قدراتها وإمكاناتها.
- صفاتها وسماتها وأخلاقها.
- كيفية تنمية الجوانب الإيجابية فيها.
- كيفية تفعيل ما لديها من القدرات.
- كيفية معالجة السلبيات المتصفة بها.
- إقبالها وإدبارها.
- المؤثرات الداخلية الحسية والمعنوية.
المؤثرات الخارجية، وغير ذلك مما يحتاج إليه في معرفة النفس البشرية شريطة أن يُتعامل مع ذلك بصراحة ووضوح وشفافية من نفسك لنفسك، ونكرر: مع نفسك، قال تعالى: ﴿وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: 21].
الثاني: مما نفخر به نحن المسلمين وجود القدوة العملية، فأيما بغيت منها وجدته متمثلًا أمامك بصورة عملية واضحة، ولم تُنقَل سيرة أو شمائل، أو أقوال، أو أحوال، أو تجارب، أو خبرات أو غيرها بمثل ما نُقلت عن القدوة رسول الله ﷺ. ذكر الله سبحانه في القرآن الكريم هذا المعنى صراحة بقوله سبحانه: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وذكر أجزاء من هذه القدوة في مثل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4]، وقوله: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]، وغيرها من الآيات التي تدل دلالة واضحة على القدوة العملية ﷺ.
وبناء على وضوح هذه الحقيقة يمكن لكل متطلع نحو الحياة المُثلى، والسعادة في الأولى والأخرى أن يكتشف نفسه من خلال اقتدائه بالقدوة ﷺ. وهذا يدعو بكل تأكيد إلى أن يبذل المرء جهده لمعرفة نفسه المعرفة النافعة ليسعى جهده في تفعيل كل ملحظ إيجابي، ويعالج كل صفة سلبية يكتشفها عن نفسه.
إن كثيرًا من مشكلاتنا مع أنفسنا سببها عدم معرفتنا بها، وكثير منا يقيس نفسه على شخص آخر، وكثير يتطلع إلى أن يكون مثل فلان، وآخر يتغنى بأمجاد أبيه وأخيه، وآخرون كثر لم يفكروا في هذا الأمر. إنها دعوة صريحة لكل مسلم بعامة ولكل طموح بخاصة أن يبدأ مشواره الحقيقي في هذه الحياة بمعرفته لنفسه المعرفة الحقيقية التي تبدأ من مصارحته لنفسه، ومعرفة إيجابياته وسلبياته، لينطلق بعدها إلى الميادين العملية النافعة، ومن ثم يجد اللذة في الحياة، والسعادة فيها، وبلوغ الأماني دنيا وأخرى. حقق الله الآمال وسدد الخطى.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...