home-icon
نصوص عن الأعمال التي يتعدى نفعها

حرص السلف على الأعمال التي يتعدى نفعها:

في مسند أحمد عن بنت خباب قالت: خرج خباب في سرية، وكان رسول الله ﷺ يتعاهدنا حتى كان يحلب عنزًا لنا، فكان يحلبها في جفنة لنا فكانت تمتلئ حتى تطفح، قالت: فلما قدم خباب حلبها فعاد حلابها إلى ما كان، فقلنا لـخباب: كان رسول الله ﷺ يحلبها حتى تمتلئ جفنتنا، فلما حلبتها نقص حلابها.

وكان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.

وكان عمر يتعاهد الأرامل فيستقي لهن المار بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة فدخل إليها طلحة نهارًا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك طلحة، عثرات عمر تتبع؟

وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن. وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه؛ فكان يخدمني.

وفي مراسيل أبي داود عن أبي قلابة أن ناسًا من أصحاب رسول الله ﷺ قدموا يثنون على صاحب لهم خيرا، قالوا: ما رأينا مثل فلان قط، ما كان في مسير إلا كان في قراءة، ولا نزلنا منزلًا إلا كان في صلاة، قال: فمن كان يكفيه ضيعته؟ حتى ذكر: ومن كان يعلف جمله أو دابته؟ قالوا: نحن، قال: فكلكم خير منه.

هل رأيت أجر من يقوم بخدمة الآخرين ونفعهم، وفي حديث أنس (رضي الله عنه) قال: كنا مع النبي ﷺ أكثرنا ظلًّا الذي يستظل بكسائه، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئًا، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا، فقال النبي ﷺ: «ذهب الـمفطرون اليوم بالأجر».

في حديث مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه…».

في الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ قال: «الـمسلم أخو الـمسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة».

الأعمال البدنية:

قال تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:114].
وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ : «كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، يعدل بين اثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة».

وفي حديث آخر عن أبي بردة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: «على كل مسلم صدقة. فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الـحاجة الـملهوف. قالو: فإن لم يجد؟ قال: فليعمل بالـمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة».

وفي حديث آخر عن أبي ذر (رضي الله عنه)قال: سألت النبي ﷺ : أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين ضائعًا أو تصنع لأخرق. قال: فإن لـم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك.

وفي الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ : «تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالـمعروف ونهيك عن الـمنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الـحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة».

وفي مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «حق الـمسلم على الـمسلم ست». قيل: ما هن يا رسول الله ؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه». وفي الحديث الصحيح عن تميم الداري أن النبي ﷺ قال: «الدين النصيحة». قلنا: لـمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة الـمسلمين وعامتهم».

تعليم الجاهل: في سنن ابن ماجه عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن النبي ﷺ قال: «من علم علمًا فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل». وروى البخاري عن عثمان بن عفان قال: قال النبي ﷺ : «إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه».

وفي مسند أحمد عن ابن عباس عن النبي ﷺ أنه قال: «علموا ويسروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت».

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي حديث الترمذي عن حذيفة بن اليمان عن النبي ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالـمعروف ولتنهون عن الـمنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم». وفي مسند أحمد عن درة بنت أبي لهب قالت: قام رجل إلى النبي ﷺ وهو على الـمنبر فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ فقال ﷺ : «خير الناس أقرؤهم وأتقاهم وآمرهم بالـمعروف وأنهاهم عن الـمنكر وأوصلهم للرحم».

إعانة المظلوم، عن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ : «انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا». قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالـمًا؟ قال: «تأخذ فوق يديه».

إعانة المسلم في بعض أعماله، وذلك مثل أن تحمل له المتاع في سيارته، أو توصله لمكان آخر بدون أجرة، ففي الحديث الذي مر آنفًا قال ﷺ : «وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة، «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».

إعانة المسلم في بعض مهنته، مثل الموظف الجديد تعلمه نوعية العمل، أو تعلمه الحاسب الآلي إذا كانت ظروف العمل تتطلب معرفته وهذا الموظف لا يعرف أو لا يحسن استخدامه، وفي الحديث الذي مر سابقًا: «وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الـحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة».

الإصلاح بين الناس، وفي الحديث المتفق عليه عن أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا». وذكرنا قول الله تعالى: ﴿لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 114].

إعانة المسلم بالجاه والشفاعة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله ﷺ إذا جاءه السائل أو طُلبت إليه حاجة قال: «اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء».

كل عمل معنوي يفرح به أخوك المسلم، مثل تبسمك في وجه أخيك، كما مر في الحديث، وفي حديث جرير قال: ما حجبني النبي ﷺ منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل فضرب بيده في صدري وقال: «اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًّا».

الأعـمال المالية:

الإنـفـاق:

قال سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ۞ يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ﴾ [التوبة:34-35].

وقال ﷻ: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:261].

وقال تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة:265].

وقال ﷻ: ﴿لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ۞ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ۞ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:272-274].

تحرير رقبة:

قال تعالى: ﴿فَلَا ٱقْتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ ۞ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ ۞ فَكُّ رَقَبَةٍ ۞ أَوْ إِطْعَـٰمٌۭ فِى يَوْمٍۢ ذِى مَسْغَبَةٍۢ ۞ يَتِيمًۭا ذَا مَقْرَبَةٍ ۞ أَوْ مِسْكِينًۭا ذَا مَتْرَبَةٍۢ ۞ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْمَرْحَمَةِ ۞ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ﴾ [البلد11-18] وكذا قد حث الله تعالى على إعانة المكاتب فقال: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ ٱلْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًۭا ۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ ءَاتَىٰكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا۟ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًۭا لِّتَبْتَغُوا۟ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعْدِ إِكْرَٰهِهِنَّ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ﴾ [النور:33]، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:

«من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار حتى فرجه بفرجه»، وعن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ : «ثلاثة لـهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ﷺ ، والعبد الـمملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران».

ومنها إطعام الطعام، قال ﷻ: ﴿وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًۭا وَيَتِيمًۭا وَأَسِيرًا ۞ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءًۭ وَلَا شُكُورًا ۞ إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًۭا قَمْطَرِيرًۭا ۞ فَوَقَىٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمِ وَلَقَّىٰهُمْ نَضْرَةًۭ وَسُرُورًۭا ۞ وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُوا۟ جَنَّةًۭ وَحَرِيرًۭا﴾ [الإنسان:8-12] وقال ﷻ: ﴿فَلَا ٱقْتَحَمَ ٱلْعَقَبَةَ ۞ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ ۞ فَكُّ رَقَبَةٍ ۞ أَوْ إِطْعَـٰمٌۭ فِى يَوْمٍۢ ذِى مَسْغَبَةٍۢ ۞ يَتِيمًۭا ذَا مَقْرَبَةٍ ۞ أَوْ مِسْكِينًۭا ذَا مَتْرَبَةٍۢ ۞ ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْمَرْحَمَةِ ۞ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْمَيْمَنَةِ﴾ [البلد11-18].

عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) عن النبي ﷺ قال: «أطعموا الـجائع وعودوا الـمريض وفكوا العاني».

وفي مسند أحمد وسنن الترمذي عن علي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ : «إن في الـجنة لغرفًا يُرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها». فقال أعرابي: يا رسول الله، لـمن هي؟ قال: «لـمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى لله بالليل والناس نيام».

وعن أبي هريرة أن رجلًا شكا إلى النبي ﷺ قسوة قلبه فقال: «امسح رأس اليتيم وأطعم الـمسكين».

كسوة العاري:

في حديث أبي داود والترمذي عن أبي سعيد الـخدري قال: قال رسول الله ﷺ : «أيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الـجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمإ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق الـمختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الـجنة».

ومنها إنكاح من بلغ النكاح ومساعدتهم في الزواج، وقد أمر الله ﷻ المسلمين بذلك وقال: ﴿وَأَنكِحُوا۟ ٱلْأَيَـٰمَىٰ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا۟ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌۭ﴾ [النور:32].

وفي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : «ثلاثة حق على الله عونهم: الـمجاهد في سبيل الله، والـمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.

الإنفاق في سبيل الله، في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله ﷺ قال: «من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الـجنة: يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة»، فقال أبو بكر (رضي الله عنه): بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم». وفي حديث الترمذي والنسائي عن خريم بن فاتك قال: قال رسول الله ﷺ : «من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمئة ضعف».

ومنها ما أنفق في تعليم أبناء المسلمين بإقامة المدارس والمؤسسات التعليمية ونشر الكتب المفيدة، عن عثمان بن عفان قال: قال النبي ﷺ : «إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلَّمه».

وفي ابن ماجه عن معاذ بن أنس أن النبي ﷺ قال: «من علَّم علمًا فله أجر من عمل به لا ينقص من أجر العامل».

ومنها ما أُنفق في أعمال الدعوة، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي حازم قال أخبرني سهل (رضي الله عنه) يعني ابن سعد قال: قال النبي ﷺ يوم خيبر: «لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علِيٌّ؟» فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا خير لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم». وقال الله ﷻ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المزمل:20].

ما أُنفق في الوقف، عن ابن عمر (رضي الله عنه) أن عمر بن الـخطاب رضي الله عنه أصاب أرضًا بخيبر فأتى النبي ﷺ يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله: إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها». قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالـمعروف ويطعم غير متمول.

ومنها النفقة على الأهل، وفي حديث مسلم عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجرًا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم؟!». وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك».

ومنها ما أُنفق في صلة الرحم، وأحق الناس بالبر والصلة الوالدان ثم الأقرب فالأقرب، وفي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي ﷺ: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها». قال: ثم أي؟ قال: «ثم بر الوالدين». قال: ثم أي؟ قال: «الـجهاد في سبيل الله». قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني. وفي أحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي عن سلمان بن عامر الضبي قال: قال رسول الله ﷺ: «الصدقة على الـمسكين صدقة، وهي على ذي القرابة اثنتان صلة وصدقة». الإحسان إلى البهائم: «عُذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» متفق عليه.

وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ: «أن رجلًا رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الـجنـة». هذا في البخاري وفي مسلم: «أن امرأة بغيًّا رأت كلبًا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها». وكذلك إذا غرس مسلم غرسًا فكل من يستفيد من هذا الغرس يكون ذلك صدقة في حق الغارس، وإن كان هذا المستفيد حيوانًا، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة».

الإقراض:

في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد عن محمد بن كعب القرظي أن أبا قتادة كان له على رجل دين وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبي فسأله عنه فقال: نعم هو في البيت يأكل خزيرة، فناداه يا فلان اخرج، فقد أخبرت أنك ههنا، فخرج إليه فقال: ما يغيبك عني؟ قال: إني معسر وليس عندي، قال: آللهِ إنك معسر؟ قال: نعم، فبكى أبو قتادة ثم قال: سمعت رسول الله ﷺيقول: «من نفس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة». وفي الحديث الذي رواه مسلم عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الـحي من الأنصار قبل أن يهلكوا، فكان أولُ من لقينا أبا اليسر صاحب رسول الله ﷺ ومعه غلام له معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافري وعلى غلامه بردة ومعافري، فقال له أبي: يا عم إني أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل كان لي على فلان بن فلان الحرامي مال، فأتيت أهله فسلمت فقلت: ثَمَّ هو؟ قالوا: لا، فخرج علَيَّ ابن له جفر فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمي، فقلت: اخرج إلَيَّ فقد علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت مني؟ قال: أنا والله أحدثك ثم لا أكذبك، خشيت والله أن أحدثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك، وكنت صاحب رسول الله ﷺ ، وكنت والله معسرًا، قال: قلت: آللهِ؟ قال: آللهِ. قلت: آللهِ؟ قال: آللهِ. قلت: آللهِ؟ قال: آللهِ. قال: فأتى بصحيفته فمحاها بيده، فقال: إن وجدت قضاء فاقضني وإلا أنت في حل فأشهد بصر عيني هاتين ووضع إصبعيه على عينيه وسمع أذني هاتين ووعاه قلبي هذا وأشار إلى مناط قلبه رسول الله ﷺ وهو يقول: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله». ومن حِكم مشروعية صدقة الفطر والأضاحي لكي يستفيد الفقراء والمساكين، عن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: فرض النبي ﷺ صدقة الفطر، أو قال رمضان، على الذكر والأنثى والـحر والـمملوك صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير… فكان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير حتى إن كان ليعطي عن بني وكان ابن عمر (رضي الله عنه) يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين. وقد منع التزود بلحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام في أيام الجدب، عن عبد الرحمن بن عابس عن أبيه قال قلت لعائشة أنهى النبي ﷺ أن تؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه فأراد أن يطعم الغني الفقير، وإن كنا لنرفع الكراع فنأكله بعد خمس عشرة. قيل: ما اضطركم إليه؟ فضحكت، قالت: ما شبع آل محمد ﷺ من خبز بر مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله.

وننبه في الأخير إلى أن الحاجة كلما كانت ماسة فسد هذه الحاجة كان سببًا لكسب أعظم أجر، والصدقات والمعونات المالية كلما كانت سببًا في تفريج الكربات عن أكبر عدد من المكروبين ووصلت إلى أكثر عدد من المحتاجين، واستمر نفعها وعطاؤها، كان ثوابها أعظم عند الله ﷻ، ولذا لما سأل سعد بن عبادة رسول الله ﷺ فقال: إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال:

«الـماء». فحفر بئرًا وقال: هذه لأم سعد، وذلك لما كان المسلمون حينئذ في أمس الحاجة إلى الماء ويتعدى نفعه لأكبر عدد ممكن، كما أنه مما يستمر نفعه، فدل عليه الرسول ﷺ.