home-icon
موقف أم المؤمنين خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مع الرسول ﷺ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

إنَّ الباحث والقارئ للسيرة النبوية المطهرة سيجد فيها ركنًا مهمًّا في مسيرة الدعوة الإسلامية، ربما غفل عنه كثيرون، أو جعلوه في هامش هذه المسيرة، وهذا الركن هو إسهام المرأة في الدعوة إلى الله، ووقوفها مع الرجل في سبيل تبليغ رسالة الله ﷻ إلى الناس.

وقد كانت أولى القدوات وأفضلها في صدر الإسلام أم المؤمنين خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، التي ضربت أروع مثال للزوجة الصالحة، والمرأة الداعية، في مواقفها المشرفة الكثيرة مع زوجها ﷺ.

قال عنها الرسول ﷺ: «ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزوجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء».

ولا يتسع المقام لنخوض في مناقب أم المؤمنين خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، ويكفي أن نذكر موقفًا لها مع رسول الله ﷺ حينما أحس بالخوف وخشي على نفسه، فقالت تلك الكلمات التي بقيت وضَّاءة إلى هذا اليوم: «كلا أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق».

فلم يكن هذا الموقف مجرد كلمات تواسي به زوجها ﷺ، وإنما كانت نابعة من إيمان عميق بهذه الدعوة ورسولها ﷺ، فهي تحكي عن واقع عاشته خمس عشرة سنة قبل البعثة مع هذه الصفات الرفيعة في شخص النبي ﷺ، وما تلتها من سنين البعثة.

وليس هذا فحسب، بل إنَّ عملها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كان يسبق قولها، فقد كانت سندًا متينًا للنبي ﷺ في دعوته منذ البعثة، رغم مكانتها الاجتماعية العالية وثرائها المالي الهائل، لم يمنعها هذا من أن تكون تلك الزوجة التي تضحي بذلك كله وتقف مع زوجها في دعوته إلى الله تعالى، فقد عانت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كل أنواع المعاناة مع الرسول ﷺ.

وكانت آخر هذه المعاناة الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين لمدة ثلاث سنوات، وهي تشارك زوجها في هذا الحصار وتعاني معه الجوع والفقر والحرمان وقلة الحيلة، حتى أدركتها المنية وهي في تلك الحال، فرضي الله عنها وأرضاها، وأبدلها الله تعالى خيرًا من ذلك، كما قال ﷺ : «بشروا خديجة ببيت من الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب».
فليكن للمرأة المسلمة المعاصرة في خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قدوة حسنة في التضحية والفداء لهذا الدين، والوقوف مع زوجها في العمل الدعوي بكل ما تملك من العلم والمال والوقت، ولا سيما أنَّ الأعداء لا يألون جهدًا في النيل منها بكل الوسائل والسبل.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.