home-icon
مصدرية السنة النبوية في التشريع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا شكَّ أنَّ السنة النبوية المتمثلة في أقوال النبي عليه الصلاة والسلام وأفعاله وتقريراته مصدر أساسي لهذا الدين، فتشترك مع القرآن الكريم في هذه المصدرية، فكلاهما وحي من الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 4] ولكن القرآن يختلف عن السُّنة، حيث إنه كلام الله تعالى مباشرة نزَّله على رسوله عليه الصلاة والسلام، وتعبَّد الناس بتلاوته، أما في التشريع وتلقي منهاج الحياة فلا يختلفان، بل يكمل بعضهما بعضًا إن تخصيصًا أو تقييدًا أو توضيحًا أو تبيانًا، وقد تضافرت النصوص القرآنية على ذلك، قال تعالى: ﴿ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر:7] وقال سبحانه: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:71] ويقول سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:65] وغيرها من الآيات كثيرة، قررت هذا المعنى العظيم.

ومن هنا وجب على الفرد المسلم، والأمة المسلمة تعظيم هذين المصدرين والعمل بهما في جميع شؤون الحياة كلها اجتماعية أو اقتصادية أو تربوية أو سياسية، وغيرها، وعدم الحيد عنهما أو مخالفتهما مخالفة صريحة، بل يجب انشراح الصدر بقبول ما تضمنه هذان المصدران ولو خالف الهوى والمزاج، ورغبات النفس وشهواتها، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36]. وقال سبحانه فيمن يخالف هذين المصدرين: ﴿لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63].

وهذا يؤكد بجلاء ووضوح أنه ما من مشكلة تحدث إلَّا بسبب الانحراف عن هذين المصدرين غلوًّا أو تقصيرًا، فالمشكلات الفردية والجماعية لم تحدث في الأمة إلا بسبب البُعد عن هذين المصدرين، واتباع الأهواء والرغبات، ولذلك نجد التأكيد الجازم في كتاب الله تعالى بأساليب متعددة على التمسك بهذين المصدرين، فتارة يأمر بطاعة الله ورسوله، وتارة بالنصِّ على اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، وتارة بتعليق الفوز والفلاح على السير وفق تعاليمهما، وأخرى بالتحذير من المخالفة، كما سبق في بعض الآيات. وأجد هذه المشاركة فرصة للتأكيد على شبابنا التأكيد الجازم لاتباع ما جاء فيهما متمثلًا في اتباع أهل العلم العارفين بهما، كما أوصى بذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، هذا هو المنهج الحق، رزقني الله وإياكم السير عليه.