
انتهى موسم الحج وعاد الحجاج إلى ديارهم بعد أن قضوا مناسكهم ونفوسهم ممتلئة رجاء لله سبحانه وتعالى بقبول حجهم واستجابة دعواتهم وغفران ذنوبهم ومضاعفة حسناتهم، وفي الوقت نفسه تغشاهم رهبة وخوف من الرد وعدم القبول، فهم بين حالين: حال الرجاء، وحال الخوف، يسيرون في هذه الحياة كجناحي طائر حال طيرانه.
وهكذا المسلم في كل أعماله يسير على هذه المنهجية التي تضبطه وتضبط مسيره، تقودها محبة العبد لربه جل وعلا، وهو بهذه المنهجية ينتهج النهج الصحيح الموصل للغاية الكبرى: رضا الله سبحانه وتعالى ودخول الجنة.
والحج طريق من الطرق الموصلة للجنة إذا كان حجًّا مبرورًا، والاستفادة من الحج والعمل بعده ليسا مرتبطَيْنِ بالحاج فحسب، بل بكل مسلم، ومن هنا يسعى المؤمن وقد يمر عليه هذا الموسم العظيم حاجًّا أو غير حاج يتذكر معاني الحج ليجعلها منارة تحدد له معالم الطريق الصحيح لحياته كلها.
في الحج تعلمنا تحقق قوة الاستجابة لله سبحانه وتعالى، فعندما لبى الملبي: «لبَّيك اللَّهُمَّ لبَّيك» مطيعًا منقادًا لأمر الله سبحانه، ثم طاف وسعى ووقف بعرفة وبات بمزدلفة ومنًى ورمى الجمار ونحر وحلق، كل ذلك استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، دون أن يعلم العبد حِكمة ذلك، ومع هذا يقوم بها بكل طواعية وانقياد، هذا هو الاستسلام الحق الذي يجب أن يستصحبه المسلم في كل شؤون حياته، وبخاصة العبادات، فينفذها متمثلًا: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة: 285] أما المعاملات فحكمتها واضحة جلية، فكل معاملة حلال سوى ما أدى إلى ضرر في النفس أو الغير أو غرر وجهالة أو غش وخداع أو ربًا أو أكل أموال الناس بالباطل، فهل نعمل بهذا المنهج فنسعد في الدنيا والآخرة؟
وفي الحجِّ تعلمنا عِظَمَ شأن التوحيد لله ﷻ، فلا معبود بحق سوى الله جل وعلا، يعلو توحيده في شعار الحج: «لبَّيك لا شريك لك لبَّيك» وتعمق توحيده سبحانه في أقوال الحاج كلها وأذكاره، ومنها في يوم عرفه: «خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير»، وأفعال الحج كلها تدل على هذا المعنى العظيم من الطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنًى ورمي الجمار والنحر والحلق، فهذه أقوى دلالة على تعميق التوحيد لله جل وعلا حيث لا تدرك كنهها ولا حِكمتها، فهي تُفعَل تعبدًا لله تعالى.
فهل نجعل كل أقوالنا وأعمالنا منطلقة من هذا التوحيد فتطمئن قلوبنا ونأمن في دنيانا وأخرانا؟
وفي الحج وجدنا منافع عظيمة، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾ [الحج: 28] منافع دنيوية وأخروية تعود على الإنسان ذاته والآخرين، فالبيع والشراء والتعارف والتآلف وطلب الأجر ورجاء المغفرة، كل هذا وغيره يراه الحاج صورة واضحة وجليَّة، فلا تعارض بين طلب أمور الدنيا المباحة وبين طلب الأجر والمثوبة، ولا تعارض بين السعي وعلو الهمة في الدنيا وبين السعي لعلو ما عند الله في الآخرة، وقد تمثل هذا في الحج بصورة عملية لكل متأمل.
فهل تعلو هممنا لنطلب الرفعة في الدنيا في أصل الله لنا، ونطلب علو ما أعده الله لنا في الآخرة؟ هكذا يفكر المسلم العامل الحصيف.
وفي الحجِّ محظورات وممنوعات للحج خاصة، ومحظورات وممنوعات في الدين عامة، أخص منها: ما يتعلق بتعامل الحاج مع غيره، فانضم إلى ذلك مدرسة تهذيب الأخلاق والتدريب العملي، تمثل ذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: 197] وقول النبي ﷺ: «من حجَّ فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» فكبح جماح نفسه، واندفاع شهواته، وألجم نفسه عن كل ممنوع ليخرج المسلم بذلك المتخلق بأخلاق الإسلام والمتأدب بأدبه، يمشي على الأرض وحاله تحكي تعاليم دينه، فهل نجعل هذا الخلق وحسن التعامل وتلك الآداب منهاجًا لنا في تعاملنا مع الآخرين أيًّا كانوا أقرباء وجيرانًا، وزملاء عمل، ومعارف، ومسلمين وغير مسلمين؟ هكذا يعلمنا الحج، فلنتعلم منه ذلك.
وأخيرًا: في موسم الحج وفي موسم العشر وفي كل موسم من مواسم الفضل والإحسان، تجديد للحياة وبعث للهمة، ونفض لغبار الكسل والخمول، واستئناف للحياة بأرقى صورها، فنجدد علاقتنا بخالقنا، وفي علاقتنا بالمخلوقين، وفي جميع شؤون حياتنا، فنملأ صحفنا البيضاء بأحسن الأقوال والأعمال فلنتفق على ذلك، ونجدد العهد والعزم، فنحسن الانطلاقة لحياة أفضل.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...