home-icon
للطلاب والطالبات

من الكلمات التي كنا نسمعها ونرددها في تاريخنا المعاصر أن الشباب هم عدة المستقبل، وأمل الأمة، وذخر الوطن.

هذه حقيقة، لكنها تبقى أمورًا مجملة، وقضايا عامة، ما لم تفكك وتنقل إلى وسائل عملية، وأساليب تطبيقية، وتتواصى عليها محاضن التربية، ومناطق المسؤولية.

ولا شك أنها قضية من أخطر القضايا إن لم تكن أخطرها في واقع الأمة، وما علت الأمم ونهضت إلا بشبابها وفتياتها، وما دخل عليها الوهن وغزيت إلا من طريق إضعاف شبابها وبناتها.

وفي هذه الأسطر سأخصص فئة من هؤلاء لنتناول شيئًا من همومهم، وللمشاركة في أدوات تفعيلهم ليواصلوا سيرهم في المسار الصحيح. هؤلاء هم فئة الطلاب والطالبات، ولعلي أختصر المقدمات لأحدد ما أردته من خلال هذه الفقرات:

أولاها: الطلاب والطالبات هم أبناؤنا وبناتنا، وفلذات أكبادنا، وعدتنا وعتادنا، وأغلى ما نملك، وأنفس ما ندخر، وهم أبناء إخواننا وأخواتنا وبناتهم، وأبناء أقاربنا وبناتهم، وأبناء جيراننا وبناتهم.

والخلاصة: هم أبناء هذا الوطن والمجتمع وبناته، فليسوا غرباء ولا مجهولين لا يُعرفون، ولا هم من جنس آخر، ولا هم من كوكب غير كوكب الأرض.

إذا كان ذلك كذلك فجديتهم وحرصهم وقوتهم ونشاطهم ووعيهم نتاجه للمجتمع في الحاضر والمستقبل.

وإذا كان ذلك كذلك فكل جهد يبذل لهم، وكل إمكانات تسخر لهم استثمار في أعظم مجالات الاستثمار، الذي سيعود نفعه، ونتاجه في الحال والآل والمآل، والحاضر والمستقبل.
وإذا كان ذلك كذلك: فكل إهمال تجاههم أو تقاعس، أو تباطؤ، أو فتور فهو خسارة في أعظم مجالات الاستثمار.

وإذا كان ذلك كذلك: فالمسؤولية كبيرة على أهل الشأن وبخاصة على المباشرين له: وفي مقدمتهم:

  • الأسرة.
  • التربية والتعليم «وزارة، وإدارة تعليم، ومدرسة، ومخطط، ومشرف، ومعلم».
  • الثقافة والإعلام.
  • رعاية الشباب.
  • أهل العلم والفكر والدعوة والتوجيه، وغيرهم.

فكل من هؤلاء وأولئك مسؤول، وسيسأل عن مسؤوليته «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» «إن الله سائل كل راع عما استرعاه».

ومن أبجديات أركان المسؤولية: الأداء بإخلاص، وتخطيط، وإتقان، وحسن تنفيذ، وحرص ومتابعة وتقويم.

وثانيًا: من أبجديات التعامل مع الطلاب والطالبات تكامل أداء الجهات المعنية في مهماتها، رسمية وغير رسمية، فما يتلقاه في المدرسة يجب أن يكمله في المنزل، ويتابعه في المنزل، وما يتعلمه في المدرسة من الآداب والأخلاق والأحكام الشرعية والعلوم والمعارف يجب أن يتسق معه ما يتلقاه في الإعلام، وألا يكون الفارق هنا إلا سعة العلم والمعرفة، وشموليتها، واختلاف الأسلوب والعرض، وما يتعلمه في المدرسة صباحًا يجب ألا يتناقض مع مناشطه في المسجد أو في مناشط رعاية الشباب أو الجهات الأخرى فيكون مكملًا له، ومفعلًا له.

وإذا كان ذلك كذلك: فمن الخطأ الفادح والخسارة لهذا المنتج العظيم: أن تهمل الأسرة فينشأ الناشئ ضعيفًا، مستثمرًا طاقته وجهده في الشارع، أو أصدقاء السوء، أو الإنترنت وغيره، ومن ثم يرتد هذا الطالب أو الطالبة فيبقى عالة على أسرته ومجتمعه. وأن يعرض في الإعلام ما يناقض التعليم، وأقصد بالإعلام: الإعلام الشمولي: من خلال الشاشة، أو الإذاعة، أو الصحافة، أو الإنترنت، أو غيرها.

وأحسب أن التناقض في واقعنا يعيشه الكبار، فما بالك بالطالب الصغير، أو المراهق، بل وحتى الجامعي.

أبسط النتائج في ذلك: فقدان المصداقية، واتهام مناهج التعليم، والازدواجية في التلقي، وتبادل الاتهامات، وضعف المنتج في النهاية.

ولعلي هنا أكتفي بأمثلة سريعة: فعندما يدرس الطالب أو الطالبة آداب اللباس -مثلًا- بكل ما بذل في هذا المنهج من جهد، ثم يرى شاشة التلفاز: فيجد ما يناقض ذلك عمليًّا. وعندما يدرس قواعد اللغة العربية ماذا يسمع في الإعلام بعامة، وعندما يدرس حقائق الدين ماذا يقرأ ويسمع من الخلط العجيب، وغيره كثير.

وهنا من المسؤول؟ التربية، أم الإعلام؟ فليعد المسؤول للسؤال جوابًا، لأن المتلقي سيحاسب من خلال التاريخ، ومن خلال المستقبل.

ومن الخطأ أن يجد الطالب أو الطالبة، الأب والأم في سلوك خطأ كالكذب، وسب الآخرين، والغش، أو التدخين، أو غيرها من السلوكيات الخطأ أو العادات السيئة.

هكذا ندرك التكامل بين الجهات التي للطالب عليها حقوق، ندرك بعض الأخطاء والممارسات في ذلك.

ثالثًا: إكرام المعلم: المعلم والمعلمة ممن يتحملون مسؤولية حقوق الطلاب والطالبات، بل إن المسؤولية التنفيذية المباشرة عليهما، وإليهما ينظر الطالب والطالبة في قوله وسلوكه وتصرفاته.
ولعظم هذه المسؤولية، كان جزاؤها لمن قام بحقها عظيمًا، فأعلى الناس بعد الأنبياء والمرسلين المعلمون «العلماء ورثة الأنبياء».

وإذا كان ذلك كذلك، عظم حقه علينا -نحن المجتمع والدولة- لعظم مسؤوليته ووجب إكرامه، ومن ثَمَّ محاسبته محاسبة دقيقة.

ولا أقصد بالإكرام الإكرام المادي فحسب، فهذا من الإكرام، لكن من أولويات الإكرام: الإكرام المعنوي كالاحترام والتقدير، ودعوته في المنتديات، ووضع أمكنة لائقة له في المحافل كما يوضع لذوي الوجاهات الأخرى، ألسنا نردد في محافلنا:

قم للمعلم وفـــه التبجيـــــلا             كاد المعلم أن يكون رسولا

ومن ذلك تسهيل الخدمات عليه: كالخدمات الصحية، وتخصيص مستشفيات له، ومنها تسهيل مراجعاته الحكومية، ومساعدته في تسهيل إجراءات أبنائه وبناته وأهله.
ومن ذلك عدم الضغط عليه في أداء مهمته، والعدل بين المعلمين وغيرها مما لا يعجز أهل الشأن إدراكه.

وحينها تجب محاسبته محاسبة دقيقة على أدائه، ومطالبته بالإتقان، والمتابعة، ومناقشته عن كل ما يجب عليه، وعما خالف فيه، وتطبيق لائحة العقوبات عليه، وهذا مردوده على الطالب والطالبة، ومن ثَمَّ على الوطن بأكمله.

أدرك أن وزارة التربية والتعليم تعمل بعض المناشط لبعض المعلمين، وهذا جيد، لكن المطلوب أعظم وأكبر وأعم، في كل المدن والمحافظات وغيرها.

رابعًا: إكرام أسرة الطالب: ومرة أخرى لا أقصد إكرامًا ماديًّا مباشرًا كما يتبادر إلى الذهن، ولكن أقصد: رعاية الطالب أسريًّا، فغني عن القول أن الأسر متفاوتة غنًى وفقرًا، تماسكًا وتفككًا، متابعةً وإهمالًا، وهكذا فالتعرف من خلال المدرسة أو الإشراف على الطالب وأسرته، يُوحد الأسرة الفقيرة التي ليس لها دخل، والأسرة التي لا عائل لها، والأسرة المهملة، والأسرة المليئة بالأخطاء السلوكية، وقليل من الأسر المجدة والمتابعة، وغيرها.

فالأسرة المُجدة والمتابعة تشجع بوسائل التشجيع: بالشكر، والدرع، والتكريم في المدرسة، والإشادة بها في مجالس الآباء والأمهات، وحفلات المدرسة، وإظهار التنافس على مستوى الإدارة التعليمية.

والأسر المفككة اجتماعيًّا تساعد في إعادة الروابط، ومحاولة إنقاذ الطالب أو الطالبة عن طريق الإرشاد التربوي وغيره.

والأسرة ذات الأبناء والبنات الموهوبين تحتضن مواهبهم، وتكافئ، وتنمي، ولا يُكتفى بجمعية في مدينة واحدة، بل يكون منهجًا شموليًّا. والأسرة الفقيرة تساعد قدر الإمكان ولو عن طريق مساعدة الطالب نفسه.

هكذا تكرم أسرة الطالب، وهل هذا صعب أو مستحيل؟ أظن أن المسألة حسن إدارة ابتداء بالوزارة، وانتهاء بإدارة المدرسة.

خامسًا: للطالب حقوق مباشرة، ويمكن ذكر جملة من هذه الحقوق التي تمليها المسؤولية اتجاهه كما يلي:

  1. الرعاية الأبوية الحقيقية، فهل يدرك الوالدان ذلك، في رعاية مشاعر الابن، وحاجاته الأساسية، ومتابعته ومعرفة زملائه، ومعرفة المدرسة نفسها وقدراتها، وجديتها.
  2. الرعاية المدرسية بالتعرف عليه وعلى قدراته، وإمكاناته، ومعرفة حالة أسرته كما سبق، وتشجيع الموهوب، ومتابعة الهازل، وعلاج من لديه مشكلة، وتوفير المناشط المنمية لمداركه.
  3. القيام بحقه تجاه العملية التعليمية نفسها.
  4. القيام بحقه تجاه العلم الذي يتلقاه.
  5. تشجيعه باستمرار وبخاصة عند تحسن أدائه.
  6. إشعاره بأن المدرسة بيته الثاني، وأن المعلم أب حنون، وصديق مخلص.
  7. مساعدة من يحتاج ماديًّا ولو عن طريق التكافل الاجتماعي.

وإذا كان ذلك كذلك، فمن الخطأ: انشغال الوزارة عن الإدارات، والإدارة عن المدارس، والنتيجة: انشغال عن الأصل وهو «الطالب».

ومن الخطأ: الإنفاق الجزل في مجالات جانبية، وإهمال الأصل، ومن أراد أدراك ذلك فليراجع ميزانية الجهات المعنية في ذلك وفي مقدمتها: الوزارة ذات الشأن.

ومن الخطأ: انشغال المسؤولين أيًّا كانوا بأمور جانبية للتنقل بين الشرق والغرب وترك الأمور لغيرهم.

ومن الخطأ: إكثار التجارب قبل إنضاج ما قبلها.

ومن الخطأ: قدح الحاضر في السابق، وهكذا لنبدأ من جديد.

ومن الخطأ: انشغال الآباء والأمهات بجزئيات الحياة أو بترفيه أنفسهم، وإهمال أبنائهم وبناتهم، وتركهم للآلة والشارع والأصدقاء، وغيرها.

كل هذه الأخطاء وغيرها لها نصيب في الواقع، لكن التاريخ يسجل والجيل القادم سيحاسب، فليعد كل مسؤول للسؤال جوابًا، وأفضل الإجابات هو الاستدراك، وقول الحق والعمل به ولو كان مرًّا.

وسادس الحقوق: المتابعة، المتابعة، المتابعة:

إذا كنا درسنا أن أهم بنود الحياة: التربية، وتحتاج عملًا ضخمًا ورعاية مستمرة، وهذا كله لا يثمر إلا بالمتابعة.

فالمتابعة: تبصر بالواقع الصحيح، وتطور ما يحتاج إلى تطوير، وتشخص مكمن الداء، وتسهم في علاج المشكلة، وتشجع المُجِد والمخلص، وتبين مناطق الخلل لمن أوكل إليهم مسؤولية، ولم يقوموا بحقها، وهي الطريق الصحيح للتقويم.

وفقدان المتابعة أو ضعفها: يوسعان الفجوة، ويزيدان المشكلة، ويضخمانها، ويهدران المال، والجهد، ومن ثم: ضعف المنتج، ومن ثم أيضًا يضعف المجتمع ويهدر طاقاته ومقدراته وأمواله.

إضاءة: والمتابعة يتبعها المحاسبة والتقويم الفعلي ليعذر الجيل الحاضر والمستقبلي.

تلكم إشارات لحقوق الطلاب والطالبات علها تشجع المجدين، وتسهم في التذكير، والذكرى تنفع المؤمنين المخلصين، وتسهم في إيقاظ الغافلين، وتعذر عند رب العالمين.

والمسألة جد لا هزل، وعزم لا تراخٍ، ثم لنبشر بالخير العظيم، والتوفيق والتسديد، وحسن الإنتاج، ولنفخر بأبنائنا وبناتنا، ويفخروا بنا، ويفخر بنا وبهم الوطن، ويسعد الجميع دنيا وأخرى، وهذا ما نتمناه.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.