home-icon
كلمة افتتاح موقع شبكة السُّنة النبوية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

بُشراكَ يا مَورِدَ الضَّمْأَى لِمعـرفةٍ             يا ساحةَ النِّتِّ بالخيراتِ بُشْراكِ
إن كانَ ساحُكِ بالأشواكِ مُزدحمًا            بينَ الوُرودِ الـتي تزهو حَنَايـَاكِ
فَهَهُنَا وَردةٌ اليـومَ نَغْرِسُـهَا                    طابَتْ وَطَابَ بِهَا يانِتُّ مَجْنَاكِ
بَلَى هيَ سنةُ المختارِ موقِعُـهَا              كالشمسِ تزهو ضِيَاءً بينَ أَفْلاكِ

أيها الإخوة والأخوات:

أحييكم وأرحب بكم فـي يوم من أيام السُّنة النبوية، في هذا اليوم الذي نطلق فيه جميعًا مسارًا علميًّا لخدمة سنة المصطفى وسيرة المجتبى عليه الصلاة والسلام يتمثل في هذا الموقع الشامل على الشبكة العنكبوتية باسم: شبكة السُّنة النبوية وعلومها، وكم يبلغ السرور مبلغه، ونحن نقدم لبنة من لبنات بناء السُّنة النبوية ونقدم خطوة من الخطوات لنتصل بالعالم أجمع لنقول له: هذه رسالتنا، والتي قال الله تعالى عنها: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].

أيها الإخوة والأخوات: لسنا بحاجة إلى أن نبين أهمية السُّنة النبوية وعظم منزلتها، وعُلوَّ مكانتها في كتاب الله عز وجل الذي جاء فيه هذا المعنى في أكثرَ من عشر صيغ مختلفة تؤكد العمل بها والأمر بالتمسك بها، وبالتحاكم إليها، واقتران طاعته عليه الصلاة والسلام بطاعة الله عز وجل، والتحذير من مخالفة أمره أو ارتكاب نهيه في مثل قوله جل شأنه: ﴿مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7]، وقوله جل شأنه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، وقوله جل شأنه: ﴿لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].

وهذه المعاني أكَّدها النبي عليه الصلاة والسلام في عشرات الأحاديث النبوية الصحيحة في مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي» أخرجه الحاكم وصححه، والحديث المشهور: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ»، وقوله: «بلِّغوا عني ولو آية».

أيها الأفاضل والفاضلات: من هذا المنطلق وعت الأمة مسؤولية حمل السُّنة النبوية ونشرها، وأدركت قيمة هذه الأمانة عبر أجيالها المتتالية، منذ جيل الصحابة رضوان الله عليهم وحتى عصرنا هذا، وأبلت بلاءً حسنًا في خدمة السُّنة وصيانتها والحفاظ عليها، ونقلها للأجيال المتعاقبة، والدفاع عنها من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وكان لكل جيل وجهته في خدمة السُّنة حسب ما اقتضاه الواقع والإمكانات.

  • فمنهم من عُنِيَ بجمعها وتدوينها وتصنيفها.
  • ومنهم من عُنِيَ بوضع القواعد وسن الضوابط التي تميز مقبولها من مردودها، ومتواترها من آحادها.
  • ومنهم من عُنِيَ بدراسة أسانيدها وشرح متونها، واستنباط الحكم والأحكام منها.
  • ومنهم من عُنِيَ بتفسير غريب السُّنة، والتعريف برجالها، ودرء التصحيف عنها.
  • ومنهم من عُنِيَ بالدفاع عنها ودفع الشبهات ودحض الافتراءات التي وُجهت إليها خصوصًا في عصرنا الحاضر.

وهكذا وعلى امتداد خمسة عشر قرنًا توالت الجهود، وتعاقبت الخدمات، وتواصل الاهتمام والانشغال بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، وكان نتاج ذلك هذا الكم الهائل من المصنفات التي ورثناها عنهم.

وبدخول العالم عصر التقنية المتقدمة كثر الكلام عن ضرورة الاستفادة من هذه التقنية الحديثة بكل جوانبها، سواء أجهزة الإعلام الإلكترونية، مثل: «الحاسبات، الأقراص المضغوطة، الأشرطة السمعية، أقراص الليزر، التلفاز، البث الفضائي» كأدوات لإنشاء برامج خدمية للحديث الشريف، وبرامج تعليمية وتوضيحية، وبرامج توثيقية، وبرامج تحليلية، وغيرها، لنشر الوعي الشرعي الديني والحديثي، ونحن نعيش في زمن هجمة شرسة جديدة على الإسلام بعامة، وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام وسنته بخاصة، وصولًا إلى الهجوم على القرآن الكريم.

ومن ثَمَّ تأتي أهمية هذا الموقع (شبكة السُّنة النبوية وعلومها) لخدمة السُّنة النبوية والسيرة المطهرة، لينضم مع كثير من المواقع العاملة في خدمة السُّنة المشرفة، وهو موقع نأمل أن يكون متميزًا في موقعه ومكانه، إذ ينطلق من أرض النبوة الخاتمة، وبلد الحرمين الشريفين التي رفعت شعار خدمة الإسلام ودعم المسلمين، ونشر السُّنة النبوية بمختلف الوسائل.

كما نأمل أن يكون متميزًا في هدفه وغايته، إذ مبتغاه أن يوصل السُّنة وعلومها إلى أسماع العالم وينشر رسالة الإسلام بفكر يتميز بالوسطية والاعتدال دون شطط أو غلو، أو خروج أو انحراف، ويتميز في شموله وسعته، إذ يسع السُّنة والسيرة معًا، ويعالج كل ما يتعلق بهما من علوم ومعارف، ويتميز في عمقه وأصالته، إذ يحرص على الاستفادة من كل الكتابات والكتاب والمختصين والمختصات في السُّنة والسيرة، ومن كل من يريد أن يسهم من أهل العلم بعامة.

ونأمل في بداية الإطلاق أن تكون هذه خطوة أولى للموقع تعقبها خطوات أخرى متلاحقة بمشروعات متعددة تقوم على خدمة السُّنة المشرفة، ونرجو أن تكون مكانة الموقع في هذا الوقت كمكانة كتاب صحيح البخاري رضي الله عنه في وقته.

معاشر الإخوة والأخوات: هذا هو الموقع، وهذه انطلاقته التي نشهدها هذا اليوم، لكن وقتًا ليس بالقليل مضى في التفكير فيه وإنشائه، وكان ذلك قبل سنوات يعلو الطموح لإيجاده، ويتعثر بالعقبات تارات، لكن تشجيع معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في كل مقابلاتي معه، وحثه على إخراجه كان دافعًا قويًّا لبعثه، ثم في الاستمرار بهذا المشروع، ثم في تبنيه وتبني افتتاحه، فجزاه الله خيرًا، وأثابه، وجعل كلماته وخطواته في ميزان حسناته وبارك في جهده وعلمه ووقته.

وثَمَّ دافع آخر، وهو ترحيب الإخوة في المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالربوة، ورعايتهم وتحملهم وصبرهم مع ما لاقوه من التعب معنا، فشكر الله سعيهم وأعانهم ووفقهم وجعل ذلك في ميزان حسناتهم.
وإنْ أنْسَ لا أنْسَ جميع الإخوة والأخوات العاملين في الموقع ما يقرب من عشرة أشهر في مختلف اللجان العاملة العلمية والتقنية والإعلامية والإدارية واللجنة النسوية وسائر المتعاونين والمتعاونات فأشكرهم، وأسأل الله تعالى أن يضمنا جميعًا في سلك خدمة السُّنة النبوية وأن يعيننا على ذلك.

وأنتم أيها الإخوة والأخوات الداعمون لنا معنويًّا وماديًّا، يطيب لنا أن نقول للجميع: هذا موقعكم وينتظر مشاركاتكم، وتفاعلكم، ويرحب بكل كلمة تكتبونها، مشاركة، ونقدًا، وتفاعلًا، ودعمًا لمسيرته فهو منكم وإليكم.

أسأل الله تعالى أن يجعل كل خطوة لكم في هذا المضمار تضاعف أضعافًا مضاعفة، تجدونها عند ربكم يوم تلقونه.

وأخيرًا -وليس آخرًا- نلتقي في هذا الموقع تجمعنا فيه سنة النبي عليه الصلاة والسلام على الحق والهدى، تنفي عنا شحناء النفوس، وبغضاء الأقاويل، وننفي عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وإفك الأفاكين، وتأويل الجاهلين، تؤلف القلوب، وتوحد الكلمة، وتنمي الإخاء والصفاء، وتنشر الخير للعالَم، وتزرع المحبة والود، كما جعلنا حب نبينا محمدٍ عليه الصلاة والسلام فوق كل حُب، هذا ما يُرجى وما يؤمل، وليس ذلك على الله بعزيز .

سدد الله الخطى، وحقق الآمال، وأصلح النيات والأعمال، وكفانا شر الأعداء والحاقدين، وصلَّى الله وسلَّمَ على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.