home-icon
عندما يتعطل التفكير

يتساءل الإنسان عن تصرفات كثيرين فلا يجد لها مبررًا معقولًا، فيحتار؛ لأنَّ العقل يرفضها، والمراد بالعقل هنا: العقل السَّوي في أقل مراتبه، وتعظم المسألة عندما يكون التصرف، أو حتى الرأي تجاه قضايا فكرية أو منهجية؛ لأنَّ لها أثرًا متعديًا للآخرين سلبًا وإيجابًا.

ومن هنا ندرك تمامًا لماذا كثرت الآيات القرآنية التي تدعو الإنسان إلى النظر والتفكر، كما تدعو إلى البُعد عن العقل الجمعي الذي يتبع فيه الفرد المجموعة من الناس، أو كما يسمى: صوت الجمهور أو الجماهير، دون تأمل ونظر فيما يطرحون -كما يسميه علماء النفس- لأنَّ العقل الجمعي يسوق الإنسان إلى آراء ومواقف قد لا يرتضيها هو لو فكَّر وتأمَّل قليلًا، يقول الله سبحانه وتعالى داعيًا إلى هذا النوع من التفكر، أقصد البُعد عن العقل الجمعي: قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ[سبأ: 46].

بمعنى أنَّ كل واحد يفكر -أو كل اثنين يفكران- هل النبي ﷺ أصيب بجنون حتى تُرفض دعوته؟ الجواب في العقل الجمعي لقريش: نعم، أما عند التفكير البعيد وعدم الانسياق خلف الجموع فلا. وهنا اختلف نمط التفكير فاختلفت النتيجة.

وهذا ما تقصده المقالة بعنوانها: عندما يتعطل التفكير الصحيح فينساق خلف المجموع بدون تأمل ونظر في العواقب والنتائج.

فعندما يتعطل التفكير يُلغي الإنسان منحة من منح الله تعالى التي ميَّزه بها عن سائر الحيوان، وهي العقل الصحيح، فيسلم عقله لغيره، وهذا فيه جحود لهذه النعمة العظيمة.

ويترتب على ذلك اختلال العقل والموازين لدى هذا الإنسان، واختلال أحكامه، واختلال مواقفه، وضلاله في مسيرته الحياتية فليس له منهج يسير عليه ولا ضوابط يتعامل بها.

عندما يتعطل التفكير يبقى الإنسان أسيرًا لغيره فلا يدري أي اتجاه يتجه، فلتنظر مثلًا لكفار قريش عندما وقفوا موقفًا عنيفًا من دعوة محمد ﷺ، فهم في اتجاه المعارضة، وعندما ينفرد أحدهم بمناقشته ﷺ تتغير مواقفه كما في قصة الوليد بن المغيرة المعروفة.

عندما يتعطل التفكير تُقبل الدعاوي العريضة من الأسياد دون تأمل ونظر، ولو كان مخالفًا لأبسط البديهيات، خذ مثلًا لطم الخدود وضرب الأجساد بالسيوف والسلاسل من الأتباع، بينما كبيرهم لا يفعله ولا أولاده، فأي تفكير سليم يقبل هذا؟!

وعندما يتعطل التفكير يصل بعض هؤلاء إلى جحود الخالق عز وجل الذي يتعين الإقرار بوجوده سبحانه وألوهيته بمختلف الأدلة النقلية والعقلية والحسية؛ لأنَّ الانسياق وراء المنكِر والجاحد يوقع في التسليم بهذا الجمود، بل يلبس اللبوس السيئ وهو العكس.

وعندما يتعطل التفكير تختل الموازين، وتضطرب المعايير حتى تصل إلى أعظم الأشياء، وقد تصل إلى التعدي إلى حق من حقوق الله تعالى أو تعظيمه سبحانه، أو حقوق رسوله ﷺ، أو احترامه وتقديره، فيصل هذا الإنسان إلى مرحلة الغرور المعاكس.

عندما يتعطل التفكير يصل إلى الانسياق وراء الشعارات البراقة والمصطلحات الفضفاضة دون وعي بمدلولاتها.

بل عند البحث والنظر تجد أصحابها مختلفين في تحديدها، مثل مصطلحات الاشتراكية، والحداثة، والتنوير، فضلًا على المصطلحات القديمة في أسمائها والجديدة في أسماء أخرى مثل مختلف الفرق الضالة، كالمعتزلة، والخوارج، وغيرها. 

ومن هنا يحتاج المرء إلى وقفة أو وقفات تأمل مع النفس لتسترشد بالتعاليم الربَّانية في كتاب الله تعالى وسُنة نبيه رسول الله ﷺ مع إعمال القواعد والضوابط للتفكير السليم المهتدي بهَدْي الوحيَينِ.

أعان الله الجميع وسددهم.