
الـمُهلكات:
في الحياة يسعى المسلم للمنافسة في الخيرات مستحضرًا قول الله ﷻ في الحديث القدسي: «وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه…».
فالمسلم وهو يقرأ هذا الحديث قراءة متأنية، يدرك الأولويات في الأعمال بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وهذه الأولويات هي المقربة إلى حب الله سبحانه، وحبه سبحانه للعبد درجات بقدر ما يتقرب به هذا العبد، وأول الأولويات العمل بما فرضه الله ﷻ، والمحافظة على ذلك، وإتقانه، ثم النوافل، وبقدر حسنها والمواظبة عليها وزيادتها يتقرب من ربه جل وعلا.
والعاقل من يدرك ذلك، ويعمل، على هذا المنهج، ويستغل كل عوامل الزمان، والمكان، والحال، ويضع برنامجه وفق هذا المنهج العظيم حتى يلقى الله جل وعلا.
وفي مقابل ذلك يحذر الحذر الشديد من عثرات الطريق المعرقلة للمسيرة الحياتية.
كما يحذر أشد من ذلك من المهلكات القاتلة التي تحبط المنتج كله، وتفسده فتقضي عليه.
وفي هذه الأسطر إشارة إلى بعض الأمثلة في ذلك، فمن العثرات:
- عدم وضوح منهج العمل الذي يعمله المسلم، فتارة يعمل كذا، وتارة يتركه، ولا يدري لم عمل هذا ولم تركه، ولا يدرك أصلًا قيمة هذا العمل، فيضعف تجاهه، وهذا من الخطورة بمكان حيث قد يرتد الإنسان عن عمل كان فيه من أشد المنافسين فيتأخر، وهذا يجيب عن معرفة السر في شكاوى كثيرين أنني أبدأ عملًا ثم أتركه، وهو في الأصل لم يتصوره ويتصور أهميته.
- عدم أخذ الزاد، فالمعالي، والعلو يحتاج إلى جهد والطريق طويل، وقد يكون شاقًّا فيحتاج إلى التزود بما يساعده، وأعظم الزاد اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء المستمر بالثبات في الحياة وبعد الممات، ومن الزاد قراءة القرآن بتدبر وخضوع وخشوع، وتصور لما يحويه من العقائد والفوائد والفرائد.
- أكل الحرام، فهو في ذاته معيق، إذ هو من الكبائر، وهو مانع لغيره من الطاعات، فهو يمنع إجابة الدعاء ويجلب سخط المولى، وهو مدخل من مداخل الشيطان، وينبت الجسد من الحرام.
- عدم تصور أثر الرجاء والخوف اللذين هما كجناحي الطائر للعبد، وقد كثر ذكرهما في القرآن، وهما من حادي الطريق، والعلامات المضيئة، إذا غفل عنها العبد أُطفئت هذه الإضاءات فيفتر العبد، ويقل عمله، تصور قوله ﷻ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: 46] فتُظهر الآية أثر الخوف.
- ومنها: حب ظهور عمله، ولو كان بحجة أن يراه الناس وهو قدوة لهم، وهذا قد يعود إلى العجب، وهو من الصنف الثاني المهلك، ومن علاج ذلك حرص العبد على أن يعمل أعمالًا جليلة، لا يعرفها أحد فتكون خاصة بينه وبين الله جل وعلا.
- عمل المعاصي المتنوعة التي تقف حجر عثرة في تقدم المسلم بعمله فتفسد عليه ما كان يعمله، كالغيبة، والنميمة، والكذب، والشك، والبهتان، ومن المعلوم أن المعصية قد تمنع طاعة، وقد تمنع الرزق، كما جاء في الآثار الكثيرة، وكان كثير من السلف يخشى هذه المعاصي من منعها للطاعات، فبعضهم يقول: حُرمت قيام الليل لمعصية عملتها، كما جاء عن ابن المبارك والشافعي وغيرهم، وأحوالهم في ذلك كثيرة لعل الله ييسر الإسهاب فيها في مقالة أخرى.
تلك إشارات عابرة لهذه العثرات، أما الأخطر فهو المهلك، وقد يقع فيها الإنسان من حيث لا يشعر، ومن أخطرها:
- الشرك بالله سبحانه شركًا أكبر، وهذا معلوم، لكن قد يكون من الشرك ما لا يحسبه المسلم كذلك، وهذا من الخطورة العظيمة، كمن يصر على دعاء غير الله ﷻ، أو يدعو أصحاب الأضرحة والقبور بدل أن يدعو لهم، وغيرها مما يجب التنبه له.
- السخرية والاستهزاء بالله تعالى أو برسوله ﷺ أو بشرعه بشكل واضح وصريح، أو بدعوى الطرفة والنكتة، أو بدعوى عدم تقبل العقل، أو بأي حجة من الحجج التي يمليها الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء أو الإعجاب بما عند الآخرين ونحو ذلك، وهذا من أبرز ما ظهر في الآونة الأخيرة وبخاصة في وسائل الإعلام المختلفة، ومن علاج ذلك: التأمل والنظر، والتفكير الجاد كما قال الله ﷻ: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ﴾ [سبأ: 54].
- العُجب في عمل الإنسان لنفسه فيعجب بعمله وتميزه، والعُجب محبط للعمل، وفي هذا قصة الرجل الذي أعجب بطاعاته وتألى على الله تعالى بأنه لا يغفر لفلان، قال الله ﷻ: «من ذا الذي يتألى علَيَّ فقد أحبطت عملك وغفرت له» وما قاده إلى ذلك إلا إعجابه بنفسه، والإنسان عليه أن يعمل ويرجو من الله سبحانه وتعالى قبول عمله، ويخشى رده.
- إبراز عمله وإظهاره للناس وتحري ردود الفعل بالثناء والمدح، ومع الوقت يتجذر مثل هذا الفعل في النفس، ويندرج تحت هذا المراءاة بالعمل، وإن ادعى صاحبه أن ليس كذلك فالأمر ليس سهلًا، وقد أخبر ﷺ أن الشرك الخفي: أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وهو من أقصر الطرق لمحبطات الأعمال. ووسائل الاتصال المعاصرة لها دور كبير في غرس هذا المعنى في النفوس، وبخاصة عندما تبرز الأعمال الشخصية ويطلب صاحبها التجاوب معها، أظن ذلك محلًّا للتأمل.
- التشكيك في ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كالتشكيك في الواجبات القطعية، أو المحرمات القطعية، وفي الوقت نفسه التساهل في غيرها بحجة أنها ليست قطعية وإبرازها للناس لتتخير منها ما شاءت فكان مثل هذا يوحي للناس بالعبث في القضايا، حتى يصل الأمر إلى ترك كثير من الأعمال الصالحة أو التساهل في المحرمات.
- النفاق، وهذا لا يحتاج إلى تفصيل، فهو معلوم لكل مسلم، يكفي أن الله سبحانه وتعالى جلَّى معانيه في القرآن الكريم بتفصيل واضح وبيِّن، لكن الإشارة هنا لما قد ظهر من ظواهر هي من سمات المنافقين للحذر منها.
تلكم بعض عثرات الطريق التي يحتاج المسلم لاستظهارها وعدم التساهل فيها، والحذر منها حتى لا يقع فيها من حيث يشعر أو من حيث لا يشعر، أما كيف يتقيها؟ فهي المقالة القادمة بإذن الله تعالى.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ووقانا شر المهلكات والمحبطات، وأعاذنا من كل شر وفتنة، إنه قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...