home-icon
رمضان ميدان تنافس الصالحين صورة تطبيقية

الحمد لله الذي أمر عباده بالمسارعة إلى الخيرات، وأعدَّ لهم على ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار، وأصلِّي وأسلِّم على النبي المختار، وعلى آله وأصحابه الأخيار، والتابعين ومن تبعهم واقتفى أثرهم ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:

فمن تمام فضل الله عز وجل على عباده أن جعل لهم مواسم للربح، وأوقاتًا للسبق، يتنافس فيها المتنافسون في الطاعات والقربات، ومن أعظم هذه المواسم: شهر رمضان المبارك؛ شهر النفحات الربانية، والرحمات الإلهية، والطاعات الخالصة.

وإذا كان أهل الدنيا يتسابقون في أعمالهم وأموالهم وتجاراتهم، فمن باب أولى أن يكون للمؤمن تنافس فيما يرفع درجته في جنات النعيم، ويدنيه من رب العالمين، قال تعالى:
﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ﴾ [المطففين: 26]،
وقال صلى الله عليه وسلم:
«بادروا بالأعمال ستًّا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة».

إنَّ شهر رمضان شهر البركات والخيرات، وشهر النفحات والهبات، والنفس المؤمنة تستقبل هذا الشهر بفرح وسرور؛ لما فيه من صيام وقيام واستغفار وعبادات وطاعات، والمطلوب من المسلم أن يضاعف طاعاته في هذا الشهر لينافس الصالحين ويندرج تحت زمرة المتقين، ويفوز مع الفائزين.

ومجالات المنافسة إلى الخيرات في هذا الشهر الفضيل كثيرة، نذكر منها ما يلي:

من أهمِّ ما يسارع إليه العبد من الخيرات: الإيمان بالله وتجديد العهد به سبحانه، وقد أمر الله بذلك، فقال:

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ءَامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبْلُۚ﴾ [النساء: 136].

ومن المسارعة إلى الخيرات أن يؤدي العبد ما افتُرض عليه من الفرائض في أول فرصة، وأن يحافظ على ذلك محافظة تامَّة، فأفضل ما تقرَّب به العبد إلى ربه أداء ما افترض الله عليه، فقد جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

﴿إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه…﴾.

ومن المسارعة إلى الخيرات: الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خُلَّة ولا شفاعة، قال تعالى:

﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا بَيْعٌۭ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌۭ وَلَا شَفَـٰعَةٌۭۗ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [البقرة: 254].

كما أنَّ النبي ﷺ حثَّ على المنافسة في الإنفاق وفي تلاوة كتاب الله الكريم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:

﴿لا حسد إلَّا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالًا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار﴾.

وشهر رمضان له خصوصية في فضل الإنفاق والتلاوة، كما يتبين من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال:
كان النبي ﷺ أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي ﷺ القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة.

ومن المسارعة إلى الخيرات: التسابق إلى المساجد مبكرًا، والحرص على التكبيرة الأولى والصف الأول،
روى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
﴿سبعة يظلهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه…﴾ وذكر منهم:
﴿وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد﴾.

وروى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
﴿لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا﴾.

ومن أهمِّ مجالات المسارعة إلى الخيرات: المسارعة إلى نصرة دين الله، وهو واجب على كل مسلم حسب استطاعته، وقد مدح الله سبحانه من نصر دينه بماله ونفسه، فقال:
﴿مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًۭا﴾ [الأحزاب: 23].

ونصرة دين الله تعالى تكون بوسائل عدة، من أهمها: الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله تعالى، وإعانة المجاهدين، وكفالة الدعاة وطلاب العلم، ونشر الكتب النافعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعليم والتربية، وغيرها.

وهنا ونحن نتحدث عن المنافسة في الخير نعرض لصورة التنافس الواقعية في شهر رمضان؛ لكونه أعظم المواسم، ومن أفسح الميادين للمسابقة والمنافسة.

فما الأعمال التي ينافس فيها ليكون مع السابقين؟

وأذكر شيئًا من الأعمال التي هي كلُّ التنافس على سبيل المثال:

  • المسارعة إلى التوبة والاستغفار بعد الإقلاع عن جميع الذنوب كبيرة كانت أو صغيرة.
  • استمرار الاستغفار ليلًا ونهارًا سرًّا وجهرًا.
  • تجديد النظر إلى الفرائض التي افترضها الله سبحانه وتعالى على العبد، وأخذ العهد على النفس على المواظبة عليها.
  • الحرص على الصلوات المكتوبة جماعة في المسجد، والحرص على التكبيرة الأولى والصف الأول، والتبكير إلى المسجد؛ فللصلاة مكانتها الخاصة التي لا تخفى على المسلم الحصيف العامل وتعاهد نفسه ذلك.
  • الحرص على الصيام بجميع واجباته وآدابه ومستحباته، ومنها:
    • استشعار أهمية الصيام والهدف منه، وأنه يوصل إلى التقوى كما ذكر القرآن.
    • ضبط مواعيد الفطور والسحور واتباع السُّنة فيها.
    • تجنب المحرمات كلها ومنها الغيبة والنميمة والكذب.
    • صيانة الجوارح من الموبقات.
  • الحرص على الإكثار من تلاوة كتاب الله، وذلك بأن يكون له حزب يومي من القرآن الكريم حفظًا وتلاوةً.
  • أن يخصص وقتًا كل يوم لتدبَّر القرآن وفَهْمِ معانيه ومطالبه.
  • الحرص على صلاة التراويح جماعة وألا ينصرف إلَّا بعد انصراف الإمام.
  • المشاركة في تفطير الصائمين كل يوم بقدر ما يستطيع، وكلما أكثر من ذلك كان أولى وأكثر أجرًا.
  • الحرص والمسارعة في رعاية أهل بيته زوجة وأولادًا لاغتنام هذا الشهر؛ ليكون له أجرهم، وينظم لهم برنامجًا يوضحه لهم؛ ليلتزموا فيه كما يصنع لنفسه.
  • المسارعة في العفو والإحسان تجاه الأقارب والجيران والأصدقاء وعامَّة المسلمين، ويبدأ حياة جديدة معهم بالصلة والرحمة والمودة، وأقلها: الدعاء لهم، وصلتهم بالهاتف.
  • أن يعمل برنامجًا مع الوالدين ليزيد من بره لهما زيارة، وهدية، وعطية، ودعاءً، وقيامًا بحاجاتهما، وذلك يوميًّا.
  • شهر رمضان شهر الجهاد وشهر الانتصارات الفاصلة، ففيه وقعت واقعة بدر، وفيه تم فتح مكة، فعلى العبد المسلم في هذا الشهر الكريم أن يقوم بكل عمل يستطيعه لينصر به دين الله ويعلي كلمته؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة، وإهداء الكُتُب، والشريط النافع، والمطوية والمحاضرة، والدرس، وغير ذلك.
  • أن يقوم بعمرة في شهر رمضان؛ لأنها تعدل حجة.
  • أن يقوم بمواساة الفقراء والمساكين ومساعدتهم بالمال والطعام والشراب والملابس، وأن يشارك في نفع الغير، وأن يخصص شيئًا من ماله لذلك، فإن لم يكن لديه شيء من المال يُعِنْ بجهده وبدنه وبلسانه.
  • أن يعتكف في العشر الأواخر إن تيسر، والأفضل في الحرم المكي أو الحرم النبوي إن تيسر، فإن لم تكن العشر جميعها فبعضها، ويستغل اعتكافه بالقراءة والصلاة، والذكر والدعاء، والتأمل والمحاسبة.
  • أن يحرص على تحري ليلة القدر في العشر الأواخر، فيحيي الليل بالصلاة والتلاوة وذكر الله والدعاء.
  • أن يلتزم الأذكار المقيدة ويحرص عليها، وأن يجعل له نصيبًا من الأذكار المطلقة.
  • أن يقلل من الارتباطات التي لا داعي لها ليستغل وقته. 
  • أن يحرص على الدعاء لنفسه ووالديه وأسرته وأقاربه والمسلمين أجمعين، وبخاصة عند الإفطار وفي السحر، وبين الأذان والإقامة وفي الصلوات، ولا يمل، وإنما يلح على الله سبحانه بحاجاته الأخروية ولا مانع من طلب الأمور الدنيوية.
  • أن يخصص وقتًا لحفظ شيء من القرآن ومراجعته، وحفظ شيء من السُّنة كلٌّ بحسبه.
  • أن يدخل الفرح على أولاده وإخوانه وجيرانه وأقاربه وأصدقائه وعامة المسلمين بما يستطيع.
  • أن يجمع صدقات الفطر قبل العيد بوقت كافٍ ويوزعها على المحتاجين.
  • أن يزور مريضًا له حق الزيارة، ويشيع جنازةً.

هذه أمثلة سريعة للمنافسة في هذا الشهر المبارك، فعلى الموفقين الصادقين أن ينافسوا فيها وفي غيرها.

ولا بد للمسلم أن يحرص على ما يسهِّل عليه المسارعة إلى الخيرات من العلم الصحيح، والإخلاص، وقراءة القرآن بتدبر معانيه، والاطلاع على سيرة المصطفى ﷺ وسير الصحابة والصالحين، وبرمجة الوقت وغير ذلك من الوسائل، كما سبق بيان ذلك في هذه الكلمات الموجزة.

أسأل الله أن يوفقنا بفضله ومَنِّه لما يحب ويرضى، ويجعل آخرتنا خيرًا من الأُولى، ويجعلنا من المسارعين إلى الخيرات ويحشرنا مع المتقين الأبرار، إنه سميع قريب، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد وآله صحبه أجمعين.