الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإنَّه لا يخفى على أحد أهمية خطبة الجمعة ومكانتها وأثرها في نفوس المسلمين، وكان رسول الله ﷺ يأمر أصحابه بالتبكير إلى المسجد يوم الجمعة بعد الغُسل ولبس أحسن ما عند الرجل من الملابس، واستعمال الطيب والسواك، وكان له ﷺ لباس خاص ليوم الجمعة واستقبال الوفود حتى يظهر أمام الناس يوم الجمعة بمظهر حسن، ومما يدل على أهمية خطبة الجمعة نهيه ﷺ عن الكلام عندها والأمر بالإنصات لخطبة الخطيب، وأن من قال لأخيه: أنصت، أو مسَّ الحصى فقد لغا، ومن لغا فليس له من جمعته شيء، ولأهميتها كان الخلفاء والأمراء هم الذين يقومون بخطبة الجمعة قبل انقسام الدولة الإسلامية الموحدة إلى دويلات! ونذكر فيما يلي بعض الأفكار والمقترحات حول خطبة الجمعة حتى تؤدي دورها في إصلاح الأمة:

• يجب على الخطيب قبل أن يأتي لإلقاء الخطبة الإعداد التام والتحضير الجيد للخطبة، ومن المستحسن أن يكون الخطيب جهوري الصوت.
• يجب أن تشتمل الخطبة على آيات من القرآن الكريم وأحاديث من سُنة المصطفى ﷺ، وألا تخلو الخطبة من الاستناد إليهما.
• أن يكون من أهم عناصر الخطبة الحث على التوحيد والتقوى، وكان رسول الله ﷺ قلَّما يخطب دون أن يحث الناس على تقوى الله ﷻ ويخوفهم من العذاب على المعاصي.
• ومما يشد انتباه المصلين التركيز على الموضوع مع الاستدلال بالكتاب والسُّنة ثم بأدلة عقلية، والمقارنة بين تعاليم الإسلام وأديان أخرى وإثبات بطلان هذه الأديان أو نسخها.
• أن يكون موضوع الخطبة له صلة بالمجتمع وبالأحداث المتجددة وبالمناسبات، وبعد اختيار الموضوع لا بد أن يذكر أهميته في الإسلام، وحكمه، وواقع الناس تجاهه، وما يجب عليهم في ذلك، والحلول المناسبة العملية تجاه الأحداث المتجددة.
• أن يركز في خطبته على الدعوة إلى سبيل الله ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125] وهو الإسلام، وليس إلى أفكاره الخاصة، ويدخل في ذلك الإيمان بكل ما أخبر الله ﷻ به ورسوله وما أوجب الله ﷻ من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ بما شرع الله في الطهارة والصلاة والمعاملات والنكاح والطلاق والجنايات والنفقات، ويدخل في ذلك مكارم الأخلاق والأعمال والنهي عن سيئ الأعمال وسفاسف الأخلاق.
• أن يختار في خطبة الجمعة جوامع الكلم بدون إطالة مملة، ففي صحيح مسلم قال أبو وائل: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست، فقال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إنَّ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، وإنَّ من البيان سحرًا».
• أن يكون من أهداف الخطبة الدعوة إلى الإسلام بكل موضوعاته بذكر محاسنها وتخويف الناس من عواقب سيئة في الدنيا والآخرة إن لم يعملوا بها.
• مما ينبغي للخطيب مراعاة الحال مكانًا وزمانًا وجماعةً، فيعمل بما يناسب المكان صغرًا وتزاحمًا، والزمان صيفًا وشتاءً، ويراعي وضع جماعة المسجد وما يحتاجونه من التعاليم الشرعية.
• أن تشتمل على الوعظ المحرك للقلوب البعيد عن المبالغات، المستند للأدلة الصحيحة من القرآن والسُّنة النبوية.
• ومما يُعلم أنَّ الخطبة تُلقى على مجموعة كبيرة من المصلين فيحسن في النهاية أن يدعو الخطيب للمسلمين وولاتهم وضعائفهم ومرضاهم وغيرهم، فلعل الله سبحانه وتعالى يستجيب دعاء هؤلاء المصلين.
• ومن أهمِّ ما يُعتنى به في الخطبة معالجة المشكلات الواقعية التي وقع فيها كثير من المسلمين المعالجة الواقعية البعيدة عن المثالية مع فتح أبواب الفأل للمسلمين تجاه تعاملهم مع مشكلاتهم.

وفي النهاية أوصي نفسي وإخواني الخطباء بالتذكير بأنهم على ثغر عظيم من ثغور البلاغ والبيان والدعوة، فيهتموا به غاية الاهتمام، وأن يولوه عنايتهم وجدهم واجتهادهم ليقوموا بالتكليف الذي تحملوه، وأسأل الله تعالى أن يجزيهم خير الجزاء على ما قاموا به ووجهوا وأرشدوا وبينوا، إنه سميع قريب، وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمد ﷺ وآله وصحبه أجمعين.