
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد:
فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة».
في هذه الزاوية نتناول بالشرح حديثًا عظيم المعنى قوي المبنى يتحدث عن فضل تنفيس الكرب والنفع للآخرين، ومناسبة الحديث ونحن بين يدي الشهر الفضيل ظاهرة جلية، فرمضان المبارك بما فُرض فيه من الصيام وسُنَّ فيه من القيام، وشرع فيه من العبادات، وأُكِّد فيه من الآداب، ووُضع فيه من الحوافز، شهر التربية والتهذيب، والتقويم والتأديب، شهر المحاسبة والمراجعة، شهر الجِد والعمل، والقيام بالمسؤولية، والمشاركة في كسب الخيرات، والفوز بالفلاح والنجاة.
رمضان شهر تربية الأفراد ليسمو بهم إلى مدارج الكمال وتربية الأسر والبيوت ليطهرها ويهذبها وينقيها ويصفيها من كل سوء ومكروه، ويربيها وينميها على أكمل الأخلاق والآداب والتعاون على البر والتقوى.
والصوم عبادة فردية تهذب نفس الصائم وتصفي روحه، ويكون جُنَّة له يوم القيامة، ولكنه كذلك يحث الإنسان على الرحمة بالفقراء والمساكين، والعطف على البائسين، فإنَّ الإنسان إذا أصابه الجوع تذكر المسكين الجائع، وإذا عطش تذكر الظمآن، وبهذا التذكر تنداح أمامه صور من معاناة إخوانه المسلمين قريبًا وبعيدًا، فيتفقد أحوالهم، ويعين محتاجهم، ويلبس عاريهم، ويغيث ملهوفهم، ويحمل ماشيهم، فيحقق بذلك رضا مولاه وخالقه، ويحقق بذلك راحة في نفسه وضميره، ويحقق بذلك أجورًا أخروية، وفوائد دنيوية، وتتعدد منافع نفع الآخرين وتعود لتشمل الباذل والآخذ والفرد والمجتمع؛ ونجد أن أهداف الإسلام من وراء الأمر بنفع الغير والتنفيس عنهم تتعدد وتتنوع، فمنها على سبيل المثال:
- ابتغاء رضا الرب سبحانه، وهو أعلى الأهداف وأهمها، وهنا نؤكد على أهمية الإخلاص وتصحيح النية، قال تعالى: ﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ (262) ۞ قَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞ وَمَغۡفِرَةٌ خَيۡرٞ مِّن صَدَقَةٖ يَتۡبَعُهَآ أَذٗىۗ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٞ (263) يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ لَّا يَقۡدِرُونَ عَلَىٰ شَيۡءٖ مِّمَّا كَسَبُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة: 262 – 264].
- علاج مشكلة الفقر وآثاره الخطيرة، تصور أخي الكريم: أنَّ الجيران إذا تكافلوا لسد عوز الفقراء منهم فلا شكَّ أن حاجتهم ستخف، فكيف إذا تكاتف المجتمع كله؟!
- تقليل دوافع الجريمة والتقليل من مخاطر الحياة من الافتقار والديون.
- إدخال السرور في قلب المسلم وفي الحديث: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه».
- نصرة الحق وتقويته، ولا يخفى على مسلم ما للأعمال المتعدِّي نفعها من تأثير ظاهر في نشر الدين وقيام كثير من المناشط الدعوية والعلمية وغيرها.
وأما فضائل العمل المتعدِّي نفعه للناس فهي كثيرة، نذكر منها باختصار ما يلي:
- القائم بأي عمل ينفع الناس يجازى بأضعافه في الآخرة، أرأيت إلى حديث هذا المقال، وكيف أنَّ الله تعالى رتَّب على تنفيس الكربة الدنيوية أن ينفس بها كربة من كرب يوم القيامة يوم يفرُّ المرء من أخيه وأُمِّه وأبيه!، قال النووي عند شرحه لهذا الحديث معدِّدًا صور النفع «وفيه: فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك».
- تنفيس الكرب ونفع الآخرين سبب لمحبة الله جل شأنه ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، بل إنَّ النفع المتعدي ينفع صاحبه حتى ولو دخل النار، وذلك بشفاعة من انتفع بعمله؛ فعن أنس مرفوعًا: «إنَّ الرَّجل من أهل الجنة ليشرف على أهل النار فيناديه رجل من أهل النار: يا فلان أما تعرفني؟ قال: لا والله ما أعرفك، من أنت ويحك؟ قال: أنا الذي مررت بي في الدنيا فاستسقيتني شربة ماء فسقيتك فاشفع لي بها عند ربك، قال: فدخل ذلك الرجل على الله في زوره فقال: يا رب إني أشرفت على أهل النار، فقام رجلٌ من أهل النار فنادى: يا فلان أما تعرفني؟ فقلت: لا والله ما أعرفك، ومن أنت؟ قال: أنا الذي مررت بك في الدنيا فاستسقيتني فسقيتك فاشفع لي بها عند ربك، يا رب فشفعني فيه، قال: فيشفعه الله فيه وأخرجه من النار».
- العمل المتعدي ينفع صاحبه في الدنيا قال تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (7) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ﴾ [الليل: 5 – 7].
وأخيرًا -وليس آخرًا- فإنَّ عمل الخير في رمضان تضاعف حسناته، وتُبارك عاقبته، ونستن في ذلك بسنة نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام الذي كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي عليه الصلاة والسلام القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة.
أسأل الله جل شأنه أن يوفقنا بفضله ومنِّه لما يحب ويرضى ويجعل آخرتنا خيرًا من الأولى، ويجعلنا من المسارعين إلى الخيرات ويحشرنا مع المتقين الأبرار، إنَّه سميعٌ قريبٌ، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...

وقـفـة مع التقنية
في كل زمن تجد ظواهر، ويقف الناس منها موقف الرافض، أو موقف المتخوف، أو المنبهر، أو المنغمس فيها دون تأمل...