home-icon
حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»

روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس».

وفي رواية لمسلم أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «حق المسلم على المسلم ست: قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمِد الله فسمِّتْه، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتَّبِعه».

هذان نصَّان كريمان جاءا ببعض حقوق المسلم، والحق هنا: «ما يتأكد فعله ولا ينبغي تركه، وكان حكمه واجبًا وجوبًا شرعيًّا، أو مندوبًا ندبًا مؤكدًا» وهذه الحقوق خمسة أو ستة، وهناك حقوق أخرى جاءت ببيانها أحاديث أخر، وهنا نلقي الضوء على ما ذُكر في الحديث:

الحق الأول: «رد السلام»:

السلام هو تحية المسلمين، وتحية أهل الجنة، وتحية أهل جميع الشرائع السماوية، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: 69] وقال سبحانه: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ۚ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 44].

والسلام أن يقول المسلِّم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأقلُّه: السلام عليكم.

والسلام من خير أعمال الإسلام، ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف».

والسلام يورث المودة والألفة والمحبة بين المسلمين، ففي رواية مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».

ومما يجدر بالذكر أنه لا يجوز إبدال تحية المسلمين بألفاظ أخرى، مثل أن يقول: صباح الخير، أو مساء الخير، أو مرحبًا، نعم يجوز بعد السلام زيادة بعض هذه العبارات مثلما ذُكِر.ومن أحكام السلام كما في الحديث الذي أخرجه البخاري: عن أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير».

الحق الثاني: «إجابة الدعوة»:

إجابة الدعوة مما يزيد الألفة والمحبة بين المسلمين، ويطهر القلوب من الغل والظنون السيئة، كما أن تلبية دعوة المسلم لأخيه المسلم ومشاركته أفراحه تُدخل السرور على قلبه، ولذلك جعل الشرع ذلك حقًّا من حقوق المسلمين، ففي مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليُصَلِّ -أي فليَدْعُ- وإن كان مفطرًا فليَطْعَمْ».

فالشرع أوجب إجابة الداعي ولو كان المدعو صائمًا، فليحضر ولا يأكل ولكن يدعو الله تعالى لصاحب الدعوة، وجُعل عدم إجابة الدعوة من معصية الله جل شأنه ورسوله عليه الصلاة والسلام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه كان يقول: «بئس الطعام طعام الوليمة؛ يدعى إليه الأغنياء ويترك المساكين، فمن لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله».

ولا يجوز التخلف عن الدعوة إلا لمن كان لديه عُذر شرعي من بُعد المسافة ونحوه، أما إذا كان في بيت الداعي بعض المنكرات فعليه أن ينكرها ويطلب منه إزالتها، وإذا لم يقدر على الإنكار أو أنكرها ولم تُزَلْ لا تلزمه إجابة الدعوة.

الحق الثالث: «تشميت العاطس»:

العطاس من الأمور التي تعتري كل إنسان، وهو بلا شك نعمة من نعم الله تعالى حيث يخفف عنه ما يؤثر عليه سلبًا، وهي نعمة تستحق الحمد والشكر لله سبحانه وتعالى، فمن آداب العطاس أنَّ المسلم إذا عطس يقول: الحمد لله، ويقول أخوه المسلم: يرحمك الله، ثم يقول العاطس: يهديكم الله ويصلح بالكم.

والدعاء بالرحمة للمسلم العاطس بعد أن قال: الحمد لله، حق من حقوقه، وهذا الدعاء يسمى التشميت، أو التسميت، والتشميت حق مؤكد وواجب محتم، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فليرده ما استطاع، فإذا قال ها ضحك منه الشيطان»، وإذا لم يحمد العاطس فلا يشمت، ففي صحيح مسلم عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى وهو في بيت بنت الفضل بن عباس فعطست فلم يشمتني، وعطست فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها، فلما جاءها قالت: عطس عندك ابني فلم تشمته وعطست فشمتها، فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله فلم أشمته، وعطست فحمدت الله فشمتها، سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه».

الحق الرابع: «وإذا استنصحك فانصح له»:

النصيحة: إرادة الخير للمنصوح له، وهي مبدأ من مبادئ الإسلام، قرَّرها الله جل شأنه في كتابه، ورسوله عليه الصلاة والسلام في سنته، ومن النصيحة: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي مهمة الأنبياء والمرسلين، قال تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: 62]، وقال عن هود عليه السلام: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ﴾ [الأعراف: 68].

والنصيحة من أعظم الطاعات وأفضلها، ففي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام قال: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». بل بايع بعض الصحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصيحة، ففي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله قال: بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. ومن آداب النصيحة أن تكون سرًّا، لأن النصيحة في العلن فضيحة، وأن تكون بأسلوب مناسب وكلام لطيف، والطعام لا يكون شهيًّا إلا إذا قدِّم في وعاء جيد نظيف، فكذلك النصيحة تحتاج إلى أسلوب نظيف.

الحق الخامس: «عيادة المريض»:

الـمرض: ابتلاء من الله سبحانه يصيب به عباده ليرى صبرهم أو جزعهم، فيجزي الصابر ويكفر عن سيئاته ويرفع درجته، وأما من جزع فلا ينفعه جزعه، بل يزيد في مرضه ومعاناته. والمريض في حال متغيرة عن حال صحته وقوته، والشيطان يدخل فيه ليوسوس له ويصيبه باليأس من رحمة الله جل شأنه، ففي هذه الحالة يجب على إخوانه المسلمين زيارته وتسليته والتخفيف من معاناته ونصحه بما يفعل في هذه الحالة من رجاء رحمة الله تعالى ودعائه، وأن المرض يطهر الذنوب ويرفع الدرجة، وأن الله تعالى قد ابتلى عباده المخلصين من الأنبياء والمرسلين والصالحين، مثل أيوب رضي الله عنه، ويشير عليه إلى الطبيب الحاذق إذا كان يعرفه معرفة تامة. ولعيادة المريض أجر عظيم وثواب جزيل، ففي مسلم عن ثوبان مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة»، قيل: يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: «جناها».

الحق السادس: «اتباع الجنائز»:

قال تعالى:﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]، فالموت نهاية كل مخلوق، والإسلام كما كرَّم الإنسان حال حياته، كرَّمه حال مماته، وجعل له حقوقًا حال احتضاره وبعد وفاته. فمن حقِّه حال احتضاره تلقينه «لا إله إلا الله» برفق وأسلوب لطيف، وإذا مات كان حقًّا على ذويه تغسيله وتكفينه وتجهيزه للصلاة عليه.

وواجب على من علم بوفاته -وبخاصة من أهله وأصدقائه وأقاربه وجيرانه- أن يشيعوا جنازته، ويشهدوا الصلاة عليه، ويكثروا الدعاء له بالمغفرة والرحمة، فقد جعل الشرع في ذلك أجرًا عظيمًا وثوابًا جزيلًا، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا وكان معه حتى يصلَّى عليها ويُفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أُحد، ومن صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تُدفن فإنه يرجع بقيراط».

هذه بعض حقوق المسلم، فمن قام بها لأخيه المسلم فقد فتح لنفسه أبوابًا من الأجر في الآخرة، والسعادة والحياة الطيبة في الدنيا، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من القائمين بحقوق المسلمين في حياتهم وبعد مماتهم، إنه سميع قريب، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.