home-icon
جهاد المرأة: حديث ومعنًى

حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله! ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: «لكن أحسن الجهاد وأجمله: الحج، حج مبرور» قالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله عليه الصلاة والسلام.

يا له من حديث عظيم، حيث بيَّن صلة النساء بالجهاد والحج، ذلكم العملان العظيمان في دين الله، فالجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة، واصطلاحًا: قتال الكفار خاصة، أما الحج ففي اللغة: يعني القصد، وفي الشرع: قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص.

فبيَّن الحديث الشريف بيان فضل الجهاد في سبيل الله جل شأنه الذي هو دعوة الكفار وقتالهم حتى يدخلوا في دين الله جل شأنه، إذ إن عائشة رضي الله عنها تسابق إلى أن تسأل عن حُكم هذا العمل عظيم الفضل بالنسبة للمرأة المسلمة. ويظهر من الحديث أيضًا حُكم الجهاد بالنسبة للمرأة، وقد بيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام أنَّ الجهاد المتعارف عليه ليس واجبًا على المرأة، واتفق الفقهاء على ذلك، ومما يدل عليه أيضًا أن آيات وجوب القتال -مثل قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]، وقوله: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36]- قد خصصتها السُّنة على الرجال، فأخرجت النساء من هذا الحكم، وبينت أنه لا يجب الجهاد على النساء، قال الصنعاني رضي الله عنه: «دل ما ذكر على أنه لا يجب الجهاد على المرأة وعلى أنَّ الثواب الذي يقوم مقام جهاد الرجال حج المرأة وعمرتها».

ومن الحكمة من عدم وجوب الجهاد على النساء –والله جل شأنه أعلم– ما يلي:

  1. أنَّ تكوين المرأة الخَلْقي يختلف عن تكوين الرجل؛ فقد هيأ الله تعالى كلًّا من الرجال أو النساء للقيام بما كُلفوا به من وظائف، فالطبيعة التي خُلقت عليها المرأة من ضعف البنية في الجسم ورقة في العاطفة، وفزع عند المصائب، كلها تتنافى مع ما يستلزمه الجهاد، من قوة الجسم وكمال في العقل وقدرة على التحمل وشجاعة وإقدام فالإسلام راعى هذا الأمر ولم يوجب على المرأة الجهاد.
  2. المرأة مأمورة بالستر والحجاب، والاستقرار في البيت، والابتعاد عن الرجال وعدم الاختلاط بهم وعدم مواجهتهم، ففي إيجاب الجهاد عليها تعريض لها للخروج أمام الرجال والاختلاط بهم ومزاولة الأعمال الخاصة بهم.

وأخذ العلماء من هذا الحديث، مجالًا من مجالات الجهاد للمرأة، ألا وهو الحج قال عليه الصلاة والسلام: «عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»، وذلك أن في كلا العمليتين مشقة وجهدًا وعملًا، فلذلك سمى الرسول عليه الصلاة والسلام الحج جهادًا. وهذا يقودنا إلى أن نبيِّن بعض المجالات التي يمكن أن تسهم فيها المرأة، وهي بالنسبة لها من باب الجهاد، ومن ذلك:

  • العمل في البيت بمختلف شُعَبِه وألوانه من خدمة الزوج ومعاونته ومساعدته في مهامه، وتهيئة الجو المناسب له، وإعداد ما يلزمه، وكذلك القيام على تربية الأبناء والبنات، فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق، وهذا من أعظم أبواب الجهاد، ومجالات المسؤولية، قال عليه الصلاة والسلام: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها».
  • العمل في مجالات العمل الأخرى إذا لم يُخِلَّ بالعمل البيتي، وأن يكون ذلك في المجالات الخاصة بالمرأة كأن تعمل معلمة للطالبات أو طبيبة للنساء، أو ممرضة لهن، ونحو ذلك، فلا بد من انتفاء الاختلاط مع الرجال، فإسهامها بذلك مجال من مجالات الجهاد، وفي ذلك خير عظيم إذا استُغل لنشر الخير والفضيلة.
  • العمل بوسائل الدعوة المتاحة لها، كالكتابة في المجالات المختلفة، أو النصيحة المباشرة، أو غير المباشرة، ونحو ذلك من الوسائل التي تستطيعها وكل ذلك من الجهاد.
  • سائر الطاعات والقربات قياسًا على الحج، بل جاء في بعض الروايات «لكن أفضل الجهاد وأجمله حج مبرور، ثم لزوم الحصر»، يفيد بأن المسلمة إذا حجت فرضها أ تلزم بيتها اتباعًا للقاعدة العامة: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، ففيه توجيه لعدم تكرار الحج، فبيتها أفضل من حجها إذا قامت بالواجبات عليها، والله جل شأنه أعلم.

إليك إلهي قد أتيت ملبيًّا            فبارك إلهي حَجتي ودعائيا
قصدتك مضطرًّا وجئت باكيًا         وحاشاك ربي أن ترد بكائيا
كفانيَ فخرًا أنني لك عابد          فيا فرحي إن صرت عبدًا مُواليا
أتيت بلا زاد وجودك مطمعي       وما خاب من يهفو لجودك ساعيا
إليك إلهي قد حـضرت مؤملًا       خلاص فؤادي من ذنوبي ملبيا

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.