
لا شكَّ أنَّ الجهاد بمفهومه الخاص: قتال الكفار لنشر دين الله تعالى، من أفضل الأعمال وأزكاها، وقد تضافرت النصوص من القرآن الكريم والسُّنة النبوية على بيان فضل المجاهدين وعلو منزلتهم ومكانتهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة:111]. وفي السُّنة روى الشيخان عن أنس رضي اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما فيها».
وهذا الجهاد –بهذا المفهوم– الذي هذا فضله لا يجب إلا على الرجال، وقد فصَّل أهل العلم حُكمه في مظانه، وللجهاد مفهوم عام، وهو بذل الجهد في عبادة الله تعالى وطاعته والدعوة إليه، وفي هذا المفهوم يدخل الرجال والنساء، لكن النساء يتميزن بجهاد خاص نصَّ عليه النبي ﷺ فقد جاء في الصحيح وغيره عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت: يا رسول الله! نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لكُنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور». وفي رواية أخرى قال: «لا ولكن أفضل الجهاد حج مبرور». وفي رواية أخرى أنها قالت: استأذنت النبي ﷺ في الجهاد فقال: «جهادكن الحج». فهنا يقرر النبي ﷺ أنَّ الجهاد بما قصدته عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في سؤالها الذي هو قتال الكفار ليس واجبًا على المرأة، لكنه أشار إلى حقيقة أخرى وهي أنَّ الحج ومثله العمرة هو جهاد بالنسبة للمرأة، قال الحافظ ابن حجر: «دلَّ حديث عائشة على أنَّ الجهاد غير واجب على النساء» لماذا؟ لما يلي:
- أنَّ تكوين المرأة الخَلْقي يختلف عن الرجل حيث هيّأ الله ﷻ جسم كل واحد منهما للقيام بما كلف به من وظائف، فطبيعة خَلق المرأة لا يتأتى معها ما يتطلبه الجهاد والقتال.
- أنَّ المرأة مأمورة بالستر والحجاب، والقرار في البيت، والابتعاد عن مخالطة الرجال، وفي إيجاب الجهاد عليها تعريض لها لمناقضة هذا الأصل.
هذا بيان لحِكمة عدم وجوب الجهاد عليها، فلِم جعل النبي ﷺ الحج جهادًا بالنسبة لها؟
هذا فيه إشارة إلى أنَّ ثواب الحج بالنسبة لها يقوم مقام ثواب الجهاد، يقول الصنعاني رحمه الله : «دلَّ ما ذكر على أنه لا يجب الجهاد على المرأة، وعلى أنَّ الثواب الذي يقوم مقام ثواب جهاد الرجال حج المرأة وعمرتها». وإذا كان الأمر كذلك فجدير بالمرأة المسلمة أن تستشعر هذا الأمر العظيم الذي هو منحة عظيمة بالنسبة لها حيث أسقط عنها تكليف الجهاد وجعل الحج يقوم مقامه، ولعلَّ من كمال ذلك أن تعي المرأة المسلمة الحاجَّة هذه الحقيقة العظيمة فتؤديها خير أداء، ومما يعين على ذلك:
- احتساب نية الطاعة بأداء هذا الركن العظيم فتستشعر المرأة عظم هذه النية، وتجردها من جميع الشوائب والمقاصد الدنيوية، فإنما الأعمال
بالنيات. - أن تتصور عظم المكان الذي هي فيه، فهو أفضل الأماكن على الإطلاق والحسنات فيه مضاعفة، والسيئات فيه معظمة، كما تتصور عظم الحال التي تلبست بها وهي أداء الركن الخامس من أركان الإسلام فإنَّ هذا التصور يعينها ويسهل عليه جميع مقررات هذا الحج على الوجه الشرعي.
- أن تجتهد كمال الاجتهاد في تنفيذ أعمال الحج كما جاء ذلك عن رسول الله ﷺ فقد قال ﷺ: «لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه» محتسبة في ذلك اتباع السُّنة، فتحصل على أجر الحج وأجر الاتباع.
وبناء على ذلك تتصور عظم الحسنات ومضاعفتها فيجتمع لها في هذا الحج ما يلي:
- الحج، قال ﷺ: «والحجُّ المبرور ليس له جزاء إلَّا الجنة».
- مضاعفة الحسنات في الحرم؛ فالصلاة فيه بمئة ألف صلاة فيما سواه، وكذا الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمئة ضعف إلى أضعاف كثيرة.
- وموسم يكثر فيه ذكر الله تعالى ويشرع هذا الإكثار، والذكر مقصود العبادات الأعظم، وطارد للشيطان، ومثقل للميزان، ومُرضٍ للرحمن، ومن أفضل الأعمال وأزكاها.
- وموطن، بل مواطن من إجابة الدعاء: حال الطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، ومنى، وغيرها، فيلهج لسانها وتحضر قلبها وتلح بالدعاء من خيري الدنيا والآخرة لنفسها ومن له حق عليها وللمسلمين أجمعين.
- زمان العمل الصالح فيه أفضل من الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، قال النبي ﷺ: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه»، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلَّا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء».
- بذل للمال في أفضل ما يبذل فيه على أداء عبادة لله سبحانه وتعالى من أجَلِّ العبادات.
- إظهار لتوحيد الله سبحانه وتعالى، إذ هو من أعظم مقاصد الحج فيتجلى هذا التوحيد في التلبية والتجرد والوقوف والدعاء والرمي والامتثال، وغير ذلك مما يحصل للمرأة المسلمة في حجها، فلا يمكن بعد ذلك أن تتخيَّل الحسنات التي تحصل عليها.
ويجب أن تشارك المرأة بقدر ما تستطيع علميًّا ودعويًّا وماديًّا وبدنيًّا لمساعدة أخواتها الحاجات، ومن مقررات هذه المشاركة ما يلي:
- النصيحة المباشرة لمن احتاجت إلى ذلك.
- تعليم مناسك الحج أو بعضها، فتعلِّم جاهلة، وتصحِّح سلوكًا وتعالج خطأً.
- التذكير والوعظ بهذه المناسبة العظيمة واستغلالها.
- المشاركة في برنامج الحملة بقدر ما أعطاها الله من العلم أو الجهد البدني.
- اصطحاب مجموعة من الكتيبات تتعلق بالعقيدة أو المناسك أو الأمور التربوية والسلوكية لتوزيعها –على الأقل– مع من تشاركهن في الحملة.
- مساعدة الضعيفات في أمورهن الخاصة.
- تأخذ معها شيئًا من النفقة لتنفق في مجالات الخير المتعددة.
- تحفظ نفسها عن كل المعاصي والآثام فهي تعظم في هذا الموسم العظيم.
- تكثر الاستغفار والتوبة فهذه مواطنها.
- استغلال الوقت بما يفيد.
- تكف شرَّها عن أخواتها، فهذه صدقة منها على نفسها.
- تكون قدوة في سلوكها وحفظها لنفسها ووقتها.
- أن تتأدب بآداب الحج من اجتناب كل ما يخل به من الرفث والفسوق والجدال، وبخاصة الغيبة والنميمة وقول الزور والكذب والجدال بالباطل.
هذه أمثلة من العوامل التي يتحقق بها جهادية المرأة في الحج.تقبل الله من الحجاج حجهم، وأخلف عليهم جهدهم وإنفاقهم، إنه سميع قريب.

كيفية مناصرة الداعية للنبي عليه الصلاة و السلام
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد: فإنَّ مكانة النبي عليه الصلاة والسلام في...

كيف نخدم السُّنة النبوية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: منزلة السُّنة النبوية: تعدُّ السُّنة النبوية مصدرًا أساسيًّا...

سب الصحابة رضي الله عنهم «وقفة تأمل»
لست هنا بصدد الكلام عن فضل الصحابة رضي الله عنهم، أو بيان تعديلهم، أو إيراد الأدلة من القرآن الكريم، والسُّنة...

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...