
في السنوات الأخيرة برزت ظاهرة تستحق البحث المستفيض، والحوار المبسوط، هذه الظاهرة هي تفسير النصوص القرآنية، ونصوص السنة النبوية من كل أحد لديه قدرة على الكتابة في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة ولو كان غير مختص في العلوم الشرعية، أو يملك الأدوات الاجتهادية، لذلك برزت هذه الظاهرة بشكل واسع في السنين الأخيرة، وبخاصة في مجال الصحافة، والفضائيات، والشبكة العنكبوتية «النت».
وينطلق أصحاب هذه الرؤية -أعني: حق تفسير النصوص وتأويلها لكل أحد- من منطلقات عدة، أجملها فيما يلي:
أنَّ هذا الدين ليس حكرًا على أناس معينين بل هو لكل أحد، ولذلك من حق كل أحد أن يفسر النص بحسب ما يفهمه.
أنَّنا ينبغي ألا نعتمد تفسير من سبقوا، فلكل عصر من العصور سماته ومستجداته التي تتطلب اجتهادًا من الجميع.
أنَّ كثيرًا من النصوص النبوية جاءت مرتبطة بحوادث خاصة فهي خاصة بها، ولا تعمم على سائر الأزمنة والأحوال.
أنَّ القداسة للنص وليست لتفسير من سبقوا من الناس، فهم رجال ونحن رجال، ولهم عصرهم ولنا عصرنا، فليس من المعقول أن ننساق جميعًا، المتقدمين والمعاصرين، في قالب واحد.
ضرورة تحكيم العقول في تفسير النصوص وبخاصة فيما يتعارض ظاهرًا مع الواقع ومعطياته.
هذا مجمل منطلقات هذه الظاهرة، جعلها أصحابها منطلقًا لهم للحديث عن كل قضية أرادوا الحديث عنها حتى في القضايا المصطلح عليها بـ«الثوابت» مثل بعض القضايا الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى، فقد فسروها وأولوها من خلال نظرتهم البشرية المحدودة.
ويسري ذلك على القضايا المجتمعية المتعددة، مثل: النظرة إلى مكانة العلماء والعلم الشرعي وقضايا المرأة «العمل، الولاية، مشاركتها للرجل في جميع المجالات»، تطبيق الدين في قضايا الاقتصاد، إلخ.
بل وتحدث بعضهم في العبادات، والفتاوى الخاصة بالتحليل والتحريم، ومن هنا وسَّعوا دائرة الإباحة ليتحدثوا في كل شيء.
وقد حاولت أن أجد مرتكزات علميَّة ينطلق منها هؤلاء في تفسير النصوص وتنزيل الأحكام على القضايا، فلم تسعفني تلك المحاولات أن أجد مصادر معتمدة، أو قواعد ينطلقون منها، أو ضوابط، أو حتى معالم عامة، فكل مذهب ورأي ربما يكون وليد وقته، أو خاطرة خطرت، أو رؤية عقلية له، أو استمدها من مثله.
ولعلَّ هذا لا يعني التقليل من شأن عامة المختصين في غير الشريعة، بل يجب أن تُعلى مكانتهم وتخصصهم، ولهم كل التقدير والاحترام في هذا الجانب.
ولعلَّ القارئ بحصافته وفطنته يدرك أن ما أعنيه هنا هو من يفسر النصوص الشرعية وهو لا يملك آلية الاجتهاد فيها.
ولعلَّ القارئ يقول: إنَّها زلة أو زلات، فنحن بشر نصيب ونخطئ، ولكن مع تكاثرها كونت منهجًا يجمعه: «كل له حق في تفسير ما جاء عن الله تعالى ورسوله ﷺ» دون أي قواعد أو ضوابط.
ومن هنا جاءت هذه الكلمات لتذكر بجملة معالم علَّها ترسم الطريق السليم للتعامل مع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وبشيء من الإيجاز، ولعلَّ التفصيل يأخذ مقامًا آخر:
المعلم الأول:
من فضل الله تعالى أن جعل لنا مصادر نستقي منها منهاجنا في هذه الحياة: عقيدة، وعبادة، وأخلاقًا، واقتصادًا، وسياسة، إلخ، وترجع هذه المصادر إلى الوحيين: «الكتاب والسُّنة»، قال تعالى:
﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38]،
وقال النبي ﷺ: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي».
المعلم الثاني:
أن الله تعالى تعبدنا بالعمل بهذين المصدرين، إذ عليهما تقوم سعادة الأفراد والمجتمعات في الدنيا والآخرة، يقول تعالى:
﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71]،
ويقول سبحانه:
﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 52]،
ويقول سبحانه:
﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: 158]،
ويقول تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة: 2]،
ويقول سبحانه:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7]،
وتوعَّد الله المخالفين لهما بقوله:
﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]، وغيرها من الآيات المؤيدة لما ذُكِر.
المعلم الثالث:
أوكل الله سبحانه وتعالى بيان القرآن الكريم إلى الرسول ﷺ، قال تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]،
وقد بيَّن رسول الله ﷺ القرآن بقوله وفعله، وحمل أمانة العمل بهذا البيان لمن بعده، فقال ﷺ:
«يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا: كتاب الله وسنة نبيه» (رواه الحاكم)،
ويقول ﷺ:
«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة» (رواه الترمذي).
لمعلم الرابع: حمَّل الله تعالى بيان هذا الإرث، وفهمه إلى أهل العلم وفق الضوابط العامة، والأصول المعتبرة المقررة شرعًا، والمفصَّلة في علم أصول التفسير، وأصول الحديث، والقواعد الفقهية، جاء تقرير ذلك في قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] وحذَّرهم سبحانه من كتمان العلم وعدم بيانه، فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: 159].
الـمعلم الخامس: جاء التحذير الشديد من القول على الله بغير علم، أو بمجرد الهوى أو بمجرد النظر العقلي الفردي المحدود؛ لأن لهذا العلم أصولًا وأُسسًا، ففي القرآن الكريم يقول تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]. وفي السنة النبوية يقول النبي ﷺ: «من قال في القرآن بغير علم فليتبوَّأ مقعده من النار»، وفي رواية: «ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»().
وقال ﷺ: «من تطبب ولا يُعلم منه طب فهو ضامن». ومعنى الحديث: «أي من تعاطى الطب ولم يسبق له تجربة، ولم يُعلم منه معالجة صحيحة غالبة على الخطأ فأخطأ في طلبه وأتلف شيئًا من المريض، فهو ضامن، لأنه تولد من فعله الهلاك وهو متعمد فيه، إذ لا يعرف ذلك فتكون جنايته مضمونة». كما تواترت أقوال السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم على هذا الأمر، فهذا أبو بكر الصديق يقول: «أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا أنا قلت في كتاب الله برأيي».
المعلم السادس: ما سبق من التأصيل الشرعي لكيفية تفسير النصوص هو المؤيد من العقول السوية، فتفسير النصوص يعتمد على مصدرها الأساس أما إذا أوكلت إلى عقول الناس مجردة عن القواعد، فالسؤال البدهي: أي عقل يُعتمد عليه؟ وإذا اختلفت أنظار عدد من العقول فمَن الـمُحَكَّم؟
ولذا لم تُترك النصوص لمجرد أنظار العقول دون تأصيل تعتمد عليه، وفي الواقع كم نجد من المتناقضات سواء في قوانين المجتمعات والدول، أو في أحوالهم ونظمهم الداخلية، وفي الممارسات ما هو أشد وأعظم مما يدركه العقلاء ويعرفونه.
المعلم السابع: في التاريخ الإسلامي انحرفت طوائف وفِرق حتى وصل الانحراف إلى تفسير النصوص الغيبية برفضها أو تأويلها، وبُعدها عما وضعت له، والسبب بإيجاز: أن أصحابها حاولوا فهم النصوص بمجرد النظر العقلي الفردي غير معتمدين على القواعد والأصول والضوابط التي وُضعت للفهم الصحيح في هذا الشأن، وابتعادهم عن التلقي عن العلماء الراسخين، فأدَّى ذلك إلى تنوع في الفهم، نتيجة هذا الانحراف، فالذين خاضوا في أسماء الله وصفاته الواردة في القرآن والسنة بمجرد النظر العقلي الصِّرْف وقعوا في طريقين متناقضين: فمنهم من وصل به الأمر إلى أن يشبه الله تعالى بخلقه، ومنهم من جحد الأسماء والصفات الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية وتأوَّلها تأويلًا بعيدًا حتى عن المعاني اللغوية بحجة عدم التشبيه: فوقعوا في الانحراف. وبناء على ذلك فالنصوص تُفهم بحسب ما جاء عن مفسرها، وهو النبيﷺ، وما استنبط منها من قواعد وضوابط لتضبط مسيرتها.
المعلم الثامن: ومن باب مزيد من التوضيح والإجلاء للقضية أود ألا يفهم من هذا ما قد يتبادر إلى أذهان بعض من يقول بتلك الرؤية، أن هذا إلغاء للعقول، أو قصر الدين على فئة معينة، لأن من المعلوم البدهي أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل للعقول البشرية مساحة عظيمة للتفكير والتأمل، ولذا ندب الله سبحانه إلى هذا التفكير، وخاطب أهله بعقولهم، فقال سبحانه: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]. وقال سبحانه: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]. وقال: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: 50] وأثنى على أولي الألباب والعقول، وذمَّ المشركين لاتِّباعهم التقاليد البالية التي كان عليها الآباء والأجداد، قال سبحانه عنهم: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: 23].
وبناءً على ذلك يتجه التأصيل السابق إلى فهم حكم الله سبحانه وتعالى لما جاء في القرآن الكريم، ولما صحَّت نسبته إلى النبي ﷺ فالذي يفهم النص هو المختص الذي أحاط بجميع جوانب التخصص، وهذا الوصف للمختص يسري على العلوم الشرعية، والعلوم الأخرى التطبيقية على اختلاف فروعها وتنوعها.
ولعلَّه بهذا يتبين لنا الفرق بين الفهم للنصوص، وبين التدبر لها والعمل بها، فالأول للمختصين، والآخر لعامة المسلمين، ولذا ندب الله سبحانه وتعالى للعلم والفقه بأن تنبري طائفة ليتفقهوا في الدين، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].
المعلم التاسع: وأظنه معلومًا لكن يؤكد عليه من باب تأكيد المستحب وتثبيت العلم، وذلك أنَّ هذا الدين مبني على الاستسلام لله وحده، وإذا حكم الله سبحانه حكمًا فإنه لا خيار للإنسان في العمل أو عدمه قال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36] وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24] وقال سبحانه: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: 7].
ومما يندرج تحت ذلك ما استنبطه أهل العلم من قواعد، منها: أنَّ الأصل في العبادات: التوقيف، والتوقيف بمعنى الوقوف عند ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله ولو لم تُدرَك العلة أو الحكمة.
ومن ذلك: أنَّ الأصل في الأبضاع: الحظر: بمعنى أنَّ الأصل في العلاقة بين الرجل والمرأة المنع، ولا يجاز منه إلا ما جاء بالدليل، وهو: الزواج، أو ملك اليمين.
وبلا شكٍّ تلك القاعدتان وغيرهما كثير تحدد المسار الصحيح لعمل المسلم وعلاقاته في هذه الحياة.
أما المعاملات ونحوها، فالقاعدة: «أنَّ الأصل فيها: الحل، ما لم يدل الدليل الشرعي على تحريمه»، وبهذا تتسع دائرة التعامل مع المعاملات. هكذا نجد الشريعة حددت القواعد والمنطلقات التي توجه مسيرة الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وهكذا سار الجيل الأول منذ عهد الرسول ﷺ.
المعلم العاشر: مما سبق يتبيَّن أن مخالفة هذه القواعد هو انحراف في المسيرة عن الجادة، ومن ثم الوقوع في الزلل والخطأ، والفرقة والتناحر، وتأخر البناء، واتساع الفجوات، وبقاء هذه الأمة تابعة لغيرها في ذيل القائمة، والله سبحانه وتعالى يؤكد هذه الحقيقة في آيات عدة، قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 7] ويقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96] وغيرها كثير.
ولعلَّه من الخير في ختام هذه المعالم المتعلقة بمثل هذه القضايا الرئيسة التأكيد على التأني والهدوء، والرجوع إلى العلماء الراسخين، والعمل بمقتضى هذه المعالم حتى لا تنحرف المسيرة ولا تغرق السفينة.
ومن هنا أوجه دعوة قلبية صادقة لإخواننا في الصحافة والإعلام ووسائل الاتصال بعامة الذين يتناولون تفسير النصوص وتأويلها إلى إعمال النظر الدقيق، وعدم الاستعجال، أو ردود الفعل تجاه قضية معينة، أو الحكم على الشيء من خلال صورة ذهنية، أو ممارسة فعلية من شخص أو أشخاص، وأذكر نفسي وإياهم وعامة القراء بقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
سدَّد الله الخُطى وحقق الآمال، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...