الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنَّ خير الهَدي هَدي محمد ﷺ وشرَّ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، فرسولنا محمد ﷺ خير قدوة لنا في جميع أمورنا، ومن ثم صحابته رضوان الله عليهم أجمعين.

لنعلم أنَّ الموت حقٌّ، وكل نفس ذائقة الموت، والله ﷻ يبتلي عباده بأنواع من المصائب منها موت أقاربهم، وقد أفلح وفاز بعظيم الأجر من اقتدى بهَدي خير البشر ﷺ عند المصيبة بالصبر والتحمل، قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ ۞ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۞ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157] وروى مسلم في صحيحه عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله ﴿ إنا لله وإنا إليه راجعون ﴾ اللَّهُم آجرني في مصيبتي وأخلِف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها».

ومن الأعمال التي يقوم بها الأقارب عند موت أحدهم إخبار الأقارب والأصدقاء، وتغسيل الميت، وتكفينه، ودفنه، والدعاء له بالرحمة والمغفرة، والصدقة عنه، وتنفيذ وصيته في ثلث ماله أو أقل، وتقسيم الإرث بين الورثة، وتعزية المصابين بموت قريبهم، وهذه أعمال مشروعة إذا أُدِّيت وفق الكتاب والسنة، ويجب الحذر مما خالطها من البدع والخرافات.

ومن هذه البدع والمخالفات في أيام العزاء ما يلي:

الندب والنياحة ولطم الخد وشق الجيب والدعاء بالويل ونحوها، وروى مسلم أن أبا مالك الأشعري قال: إنَّ النَّبي ﷺ قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن؛ الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة، وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب».

وقال أبو موسى في مرضه الذي مات: أنا بريء ممن برئ منه رسول الله ﷺ؛ إن رسول الله ﷺ برئ من الصالقة والحالقة والشاقة

الإحداد أكثر من ثلاثة أيام لغير الزوجة على زوجها، ففي حديث أم حبيبة أنَّ رسول الله ﷺ قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلَّا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرًا».

تكليف أهل الميت بإعداد الطعام للحضور، والمطلوب في ضوء السُّنة النبوية أنَّ الجيران أو المعارف يصلحون الطعام لأهل الميت لما روى الإمام أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله ﷺ: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد أتاهم ما يشغلهم»، وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة.

تخصيص وقت معين لقبول العزاء مثل ثلاثة أيام بعد المغرب أو أسبوع، فإن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن صحابته رضوان الله عليهم ، وقال النبي ﷺ: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ».

إقامة حفل للميت بعد موته بثلاثة أيام وبأسبوع، وأربعين يومًا، وبعد سَنة، كل ذلك من البدع يجب الابتعاد عنها كما أنها مشابهة للمشركين، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم. وكذلك زيارة النساء للمقبرة، وقد نهى النبي ﷺ المرأة عن زيارة القبور بل لعنها.

هذه وأمثالها من البدع والأعمال الجاهلية يجب على المسلم الحذر منها، وعلى الأئمة والدعاة توعية المسلمين في هذه الأمور بدرس، وخطبة، وزيارة لأهل الميت وتلقينهم آداب التعزية وأهمية الصبر والاحتساب، والاقتداء بالنبي ﷺ وصحابته رضوان الله عليهم، وتصحيح العقيدة.

ومن الوسائل التي يمكن استخدامها لتوعية المسلمين الأعمال المشروعة بعد موت أحدهم، وهي:

• وسائل الدعوة المعلومة بالنشر والبيان كالكتاب، والنشرة، وإقامة دروس، وخطبة الجمعة.
• أن يقوم الدعاة والعلماء بتطبيق هذه الأعمال المشروعة والمستحبة ليكونوا قدوة لغيرهم.
• زيارة لأهل الميت وتنبيههم بعدم القيام بالأعمال الجاهلية وأهمية الأعمال المستحبة، وتذكيرهم بالأجر والثواب العظيم للصابرين ولمن أقام السنن وهدم البدع.
• توعية أهل الميت بما يجب عليهم ويُستحب تجاه الميت وما يُكره لهم من أعمال الجاهلية.

هذا ونسأل الله تعالى التوفيق والتسديد والتبصير بالحق والعمل به.

وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.