home-icon
المنجيات من عثرات الطريق

في المقالة السابقة كان الحديث عن قضية مهمة وهي عثرات الطريق للمسلم بنوعيها: المؤخر للأعمال والإنتاج، والمحبط لها إحباطًا كليًّا، وضُرب لذلك أمثلة لكلا النوعين على سبيل التمثيل لا الحصر.

وفي هذه المقالة أشير إلى ما يقي من الوقوع في هذه العثرات، وما ينجي منها عند الوقوع فيها لا قدر الله، وأيضًا ما أذكره هنا على سبيل التمثيل لا الحصر، ومن ذلكم:

  1. حسن التصور للدين، والتكليف به، وعظم الأثر لذلك في الدنيا والآخرة، فإذا تصور المسلم أثر الشهادتين، فلن يتردد في ذكر الله تعالى فيهما، وكذلك الصلوات والزكوات وغيرهما من الواجبات، وهذا يدعو المسلم إلى تعلم ذلك ليزداد يقينه، ومن هنا كان العلماء هم أكثر الناس خشية لله سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر: 28].
  2. الأعمال القلبية والاهتمام بها كالإخلاص والخشية، والرجاء، والمحبة، وتعظيم الله سبحانه، وأمثالها مما يعطي القلب قوة نحو عمل الطاعات والقربات، والحذر من القرب من حدود الله ﷻ، وهذا يدعو المسلم –أيضًا– إلى ضرورة تصورها والعمل بها.
  3. العمل بالفرائض، وعظم الوقوف عندها، والاهتمام بها، ومن أهمها: الصلوات الخمس، وبقية أركان الإسلام، وغيرها من الواجبات، وهي من أعظم محبوبات الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي: «وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلَيَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بشيء من النوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به…»، وهذا يقي بإذن الله من الوقوع في تلك المهلكات.
  4. الحرص على صواب العمل بالاقتداء بمحمد ﷺ، فالتأسي به، والعمل بمنهجه، رادع من الزلل، غلوًّا أو تقصيرًا، والوقوف عند هذا المنهج القويم، يقول ﷺ في الصلاة: «صلوا كما رأيتموني أصلي» وفي النهي عن التجاوز: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وهذا المعنى الكبير من أقوى ما تسد به منافذ الشيطان.
  5. من المهم أن يضع المسلم لنفسه أعمالًا صالحة لا يعلم بها إلا الله سبحانه وتعالى، ويجتهد فيها حتى تمحص نفسه من كل ما يعكر صفو القلب، وسلامته وتصفيته من شوائب الرياء والسمعة وطلب الدنيا، وقد جاء الحديث الصحيح: «سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله…» وذكر منهم: «ورجلٌ تصدقَ بصدقة لا تعلم شماله ما تنفق يمينه»، وبلا شك خفاء العمل والاستمرار فيه يعين على قوة القلب، وتعلقه بالمولى، ويسد على الشيطان المنافذ.
  6. إلزام النفس بأعمال اليوم والليلة، وأعمال الأسبوع، والشهر والسَّنة، مثل: الواجبات كالصلوات، وفي الأسبوع: كصلاة الجمعة، وفي السُّنة: صيام رمضان، ويضع لنفسه حدًّا أدنى من المستحبات: ففي اليوم والليلة: السُّنة الراتبة، والوتر، ومن الأذكار: أذكار الصباح والمساء، وفي العلاقات: بر الوالدين وصلة الرحم، ومن له حق، وفي الأسبوع: صدقة الأسبوع، وفي شهر رمضان له برنامجه الخاص، وهكذا، إن هذا الإلزام كفيل بإذن الله أن يسهل الأعمال على صاحبها، ومع الاستمرار لا يتركها، ويُكتب له أجرها حال السفر والمرض والانشغال، وتستمر له بعد حياته، وتقيه عثرات الطريق.
  7. اللجوء إلى المولى دائمًا وأبدًا، وأخص بالذكر:
  • القرآن الكريم، فيكون له نصيب يومي لا يتنازل عنه من قراءته.
  • الذكر، فيكون له حد أدنى لا يقصر فيه.
  • الدعاء باستمرار، ولا يمل من ذلك.

فمن وصل الله، وصله الله، ومن حفظ الله، حفظه الله، كما جاء في وصية النبي ﷺ لابن عباس (رضي الله عنه): «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، وفي رواية: «تعرف على الله في الرخاء، يعرفك في الشدة…».

هذا اللجوء المستمر يجعل العبد في حفظ الله، ورعايته، ومعيته، وحمايته، كما قال ﷺ لأبي بكر (رضي الله عنه) وهما في الغار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»، وهي أكبر نعمة ومنحة لمن حافظ على ذلك.

  1. محبة الآخرين، وحب الخير لهم، وعدم تمني الشر لهم مهما كانت علاقته بهم، فلا تقتصر محبته على المحبين له، بل لعامة المسلمين، وقد بُعث ﷺ لإشاعة هذه المعاني العظيمة كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107] والرحمة من مقتضيات المحبة، وقال ﷺ: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان» وذكر منها:

«وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله» وهذه المحبة تسد باب الحسد والحقد والضغينة، والكره والبغض، وإذا سد المسلم عن قلبه هذه الأمراض حُمي بإذن الله سبحانه وتعالى من عثرات الطريق المهلكة والمزعجة.

  1. العيش في هذه الدنيا بالتفاؤل في كل خير، وطرد اليأس والقنوط، فيستبشر بما عمل من الخير، ويستبشر بكل ما يحصل له، ولو كان في ظاهره أنه شر، ويستبشر حتى في حال المحن والشدائد، فاليأس والقنوط من سلاح الشيطان الذي يتسلل منه إلى القلوب، ويقعد عن العمل، وينظر إلى النتائج السلبية، ولذلك جاء الحث على التفاؤل والنظر إلى المستقبل بعين الفرح، وسد باب اليأس حتى لا يقع المسلم فريسة للشيطان، فيتعثر في طريقه وربما يبعده عن كل خير.
  2. ألا تدع يومًا إلا وقد عملت جديدًا فإنك إن لم تتقدم فستقف، وإن وقفت فستكون عرضة للسقوط، أو التأخر، والكون كله مبني على الحركة، فإن لم تتحرك تحرك الشيطان ضدك، فيقعدك، ومن ثم تقع في المحظور.

إن معرفة عثرات الطريق، ومعرفة الوقاية منها قبل وقوعها، وعلاجها بعد وقوعها كفيلة بإذن الله بالثبات والمواصلة والاستمرار على سلامة الطريق حتى يلقى العبد ربه بذلك، ثبتني الله ﷻ وإياكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.