home-icon
القيم الإسلامية وتعزيزها – هيئة الأمر بالـمعروف أنموذجًا

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

القيم الإسلامية: هي مجموعة من الثوابت الفكرية والتعاليم التربوية والنفسية المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ، وتتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة، والتي تشكل المنطلق الأساس لحركة الإنسان في التعامل مع نفسه ومع المجتمع من حوله.

ومفهوم القيم بهذا المعنى كبير وواسع، يشمل الجوانب النفسية والعملية للإنسان، فحب الخير والهداية للناس من القيم، ونبذ الحسد والحقد وكراهية الآخرين أيضًا من القيم، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج، وقراءة القرآن وقيام الليل، والدعاء والاستغفار من القيم، وكذلك فإن الإحسان إلى الناس، والحفاظ على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم وسائر حقوقهم، ومثله تعزيز الأخلاق كالصدق، والوفاء، والتواضع، والصبر، كلها من القيم، وهكذا. وهذا يعني أن الحفاظ على القيم يعد مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية. ومن المعلوم أن مقاصد الإسلام هي العلة التي تدور حولها أحكام التشريع في الأمر والنهي، فكل ما جاء في الشرع من أمر أو نهي، يكون لتحقيق مقصد من هذه المقاصد فتعزز القيم الإسلامية من خلالها، ولنتأمل المقاصد الخمسة الكبرى التي يعبر عنها بالضرورات الخمس، وهي:

  1. حفظ الدين: وهو الإسلام بأحكامه وتشريعاته في الكتاب، والسُّنة والإجماع، وسائر مصادر التشريع الأخرى، يقول تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران: 19].
  2. حفظ النفس: التي كرمها الله تعالى فقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء: 70].
  3. حفظ العقل: الذي تميز به الإنسان عن سائر الكائنات، وجعله الله تعالى مناط التكليف، وهو نعمة من الله سبحانه وتعالى، حث بالحفاظ عليه واستعماله للوصول إلى الحقائق من خلال التأمل والتعلم وتنمية المواهب والمهارات وتوفير أجواء الإبداع والابتكار له، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29].
  4. حفظ المال: الذي يُعد من ضروريات الحياة، ويشمل الممتلكات التي ينتفع منها الإنسان في رزقه وطعامه وسكنه وملبسه وسائر ضروريات الحياة، قال ﷻ: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ [الكهف: 46].
  5. حفظ النسب أو النسل: بالحث على الزواج الشرعي الذي يحافظ على استمرارية الحياة وبقاء الأنساب وصفائها: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

من خلال هذا التأمل نجد أن تعزيز القيم يوصل إلى تمكين حفظ هذه الضرورات.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الوسائل التي تؤدي إلى تعزيز القيم بين الناس، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات، وقد ارتبطت هذه الشعيرة بخيرية الأمة وأفضليتها على غيرها، بتميزها بهذه الصفة عن سائر الأمم، قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110].

وقد تأسست مؤسسة خاصة في هذه البلاد المباركة للقيام بهذه الشعيرة الإسلامية المهمة، وهي الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستطاعت عبر فروعها في مناطق المملكة المختلفة، وعبر كوادرها ونشاطاتها المتنوعة أن تعزز القيم الإسلامية بين الناس، المتمثلة في الأمور الآتية:

  1. إرشاد الناس وتوجيههم، وحثهم على فعل الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، عبر رجالها الذين يختلطون مع الجمهور.
  2. حمل الناس على أداء الواجبات الشرعية، وفق الهدي النبوي في الدعوة إلى الله ﷻ، بالرفق واللين والابتعاد عن الفظاظة والقساوة في ذلك.
  3. العمل على ما يحول دون ارتكاب المحرمات والممنوعات شرعًا، كشرب المسكرات أو تعاطي المخدرات، أو الاختلاط بين الرجال والنساء من غير ضوابط، أو الحركات المخلة بالآداب والأخلاق العامة، وغيرها.
  4. تنبيههم على المنكر، ونهيهم عن الوقوع فيه، سواء كانت منكرات أخلاقية أو سلوكية، أو كانت منكرات عقدية وفكرية، وذلك بالوسائل المشروعة المناسبة.
  5. غرس حب الانتماء والولاء لله سبحانه وتعالى ولرسوله ﷺ وللمؤمنين، للحفاظ على سلامة الفكر، ووحدة التوجه والتصور نحو تحقيق الأهداف السامية.
  6. غرس حب العلم والعلماء في نفوس الأجيال، لحمايتهم من الضياع والاغترار وراء الأفكار المغالية والمنحرفة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].
  7. اعتبار مرجعية ولاة الأمور في الأمور السياسية والعلمية، حفاظًا على سلامة البلاد واستقرارها، وتفاديًا للفتن والضعف والتمزق فيها، لقول النبي ﷺ: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة».

ولهذا فالهيئة من أهم مهماتها العمل على تعزيز القيم، والمشاركة مع المؤسسات الأخرى عبر تحالفات تزيد من فاعليتها في نشر القيم والمحافظة عليها، وتفعيلها، عبر البرامج المختلفة والوسائل المتعددة الممكنة، وهذا يضاعف مسؤوليتها تجاه المجتمع بمختلف شرائحه وقطاعاته.

حقق الله الآمال وسدد الخطى.

وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.