الـمبـادرة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فمن فضلِ الله سبحانه وتعالى أن جعلنا آخر الأمم في الدنيا وأولها في الآخرة، وفضلنا على سائر الأمم بأن بعث إلينا أفضل رسله، وخاتم أنبيائه، وأنزل عليه أفضل كتبه، فهو ﷺ: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ۞ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3-4] فلله ﷻ الحمد والمنة على هذه النعمة وسائر النعم التي لا تعد ولا تحصى.

ونقف في هذه الوقفة مع درس عملي يمليه علينا رسول الله ﷺ بقوله وفعله، وهذا الدرس نستنبطه من أحاديث كثيرة، منها قوله ﷺ: «بادروا بالأعمال سبعًا» وفي رواية «ستًّا» والذي يعنينا في هذا الدرس: المبادرة، وتربية الأمة عليها: المبادرة تعني المسابقة والمسارعة للأعمال الإيجابية النافعة مهما كان حجمها صغيرة أو كبيرة، ومهما كان أثرها على الإنسان المبادر أو على غيره.

المبادرة تعني أن أسجل مشروعًا في أي باب من الأبواب الدينية أو الدنيوية إذا كانت نافعة وليس فيها محظور شرعي، وهنا لفتة مهمة، وهي أن بعض الناس يظن عندما نتحدث عن المبادرة أننا نقصد المشاريع الكبرى فيما يعتقده بينما المقصود أن تبادر إلى أي عمل إيجابي، لنقرأ قوله ﷺ: «خير العمل أدومه وإن قل» وقوله ﷺ: «ركعتا الفجر -والمقصود النافلة- خير من الدنيا وما فيها» فالمهم وجود العمل والمداومة عليه وسيظهر أثر ذلك لا محالة سواء كان في الجانب الإيجابي أو الجانب السلبي، يقرر ذلك ربنا جل وعلا بقوله ﷻ : ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ۞ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8] وفي الجانب الإيجابي أيضًا قوله ﷺ: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة» وفي قوله ﷺ : «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».

وفي الجانب الإيجابي نحو التعامل مع الآخرين ونفعهم: «خير الناس أنفعهم للناس».

كل هذه النصوص تكرس مبدأ المبادرة نحو الأعمال الإيجابية، التي تقتضي أن يجعل المسلم هذا المبدأ من أعظم المبادئ المنهجية الكبرى في حياته.

هب أخي القارئ أن الأسرة كلها كانوا مبادرين كل في مجال من المجالات العبادية أو الأسرية أو نفع الآخرين، فما المتصور أن تكون هذه الأسرة؟ وكم يكون نفعها؟ وخيرها على نفسها وعلى الآخرين، فما بالكم إذا فُعِّل هذا المبدأ في المجتمع كله، وأصبح ينبض بهذا المبدأ؟ فهل سيوجد فقير، أو عاطل، أو متكاسل، أو خارج عن المألوف، أو متحدٍّ لمجتمعه، أو عنصر فساد؟

نعم تقتضي حكمة الله تعالى أن يوجد هؤلاء لينشط أولئك ويكونوا على مستوى التحدي نحو المبادرات الإيجابية الكبرى.

ومن السلبية أن ننظر إلى ذواتنا بسلبية فيؤثر الشيطان على ما لدينا من القدرات والإبداعات فنحجم عن المبادرة نحو الخير والفضيلة والنفع العام. ومن الخير أن ينظر الإنسان إلى نفسه ويفعل ما لديه من قدرات وإمكانات فيبادر لعمل أي مشروع ويداوم عليه، فقد سبق قوله ﷺ:

«خير العمل أدومه وإن قل» فلا تحقرن نفسك، وبادر، ولتكن مبادرتك في جوانب عدة:

  • الجانب الفردي الخاص بك، عبادة وتقربًا إلى الله ﷻ.
  • والجانب الأسري في تلاحمها وترابطها وتربيتها.
  • والجانب المجتمعي في عمل من الأعمال التي يتعدى نفعها.

فإنْ لم تستطع فمبادرتك بدعائك للمبادرين بالتوفيق والتسديد، والعون والتأييد، فإن لم تستطع هذا ولا ذاك فكُف شرك عن الناس فهو صدقة منك على نفسك كما أخبر النبي ﷺ.

ونحن نعيش في إجازة يتطلع إليها الجميع، ويأملون الإفادة منها، فاجعل لنفسك مبادرة خيره مع نفسك وأسرتك ومجتمعك، وليكن حاضرًا في ذهنك أننا نستقبل في الأيام القريبة شهر رمضان المبارك الذي هو ميدان المبادرين، ومنحة رب العالمين للمسلمين، ومدرسة للصالحين، وفيه مساحة للمتأخرين ليلحقوا بركب المتقدمين، فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرًا وأعدوا العدة، وجدوا في التخطيط والتنفيذ، والعزم والإرادة، وبادروا ثم بادروا .

والله ولي المبادرين للخير.

وفقني الله وإياكم لما فيه الخير في الدنيا والآخرة.