
مـقدمـة:
تعريف السُّنة النبوية في اللغة: السيرة والطريقة.
وفي الاصطلاح: ما أُثر عن النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو إقرار أو صفة خَلقية أو خُلقية أو سيرة.
القول: مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «إنَّما الأعمال بالنِّيات».
والفعل: ما نقله الصحابة من أفعاله عليه الصلاة والسلام كصفة الوضوء والصلاة.
والإقرار: ما أقرَّه عليه الصلاة والسلام من أفعال الصحابة بسكوته أو استحسانه.
صفاته الخَلقية: ما نُقل من طوله وصفة وجهه عليه الصلاة والسلام.
صفاته الخُلقية: ما نُقل من تواضعه وكرمه عليه الصلاة والسلام.
والسيرة: يدخل فيها ما رُوي من أخباره منذ ولادته إلى وفاته عليه الصلاة والسلام.
والسُّنة: يختلف مفهومها عند الفقهاء، وعند علماء الأصول وعند علماء العقيدة.
أهمية السُّنة:
السُّنة هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، فهي:
- التفسير العملي للقرآن الكريم.
- بها يتم جوانب من فهم القرآن الكريم من المبهم والمجمل والغامض.
- بيان السُّنة لكثير من الأحكام لم يرد ذكرها في القرآن الكريم مثل حكم الحُمُر الأهلية.
- طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام المأمور بها لا تتم إلا بدراستها.
أهمية تعلُّم السُّنة النبوية:
- الامتثال لما أمر الله تعالى من تعلُّم العِلم وحفظه، والسُّنة النبوية من أهمِّ العلوم.
- بها يتم فَهْمُ كثير من الآيات القرآنية.
- بها يتم الاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام.
- بها يُعرَف الحلال من الحرام، إذ السُّنة هي المصدر الثاني من مصادر الشرع.
- بها يتم التعبد لله عز شأنه بحبِّه وإجلاله: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
- هي ميراث النبوة، فتعلُّمها رفعة في الدنيا والآخرة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [المجادلة: 11].
الحديث الأول:
«إنَّما الأعمال بالنِّيات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
المعاني:
- المراد بالأعمال: الأعمال الشرعية.
- يراد بالنية معنيان: تمييز العبادات بعضها عن بعض، تمييز المقصود بالعمل، والمعنى الثاني هو المراد.
- معنى قوله: «لكل امرئ ما نوى» أنَّ الجزاء على الأعمال بحسب نية صاحبها.
- الهجرة: الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، ومعناها الخاص في الحديث: الانتقال من مكة وغيرها إلى المدينة قبل فتح مكة.
سبب الحديث:
اشتهر أنَّ أعرابيًّا خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى هاجرت، فهاجر فتزوجها، ولم يثبت هذا.
أهمية الحديث:
يقول الشافعي رضي الله عنه: هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابًا من الفقه، وروي عن أحمد عليه الصلاة والسلام أنه قال: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث، وذكر منها حديث عمر رضي الله عنه.
توجيهات الحديث:
- أهمية النية في دين الله تعالى.
- جزاء العمل بحسب نيته.
- النية الحسنة تقلب العمل المباح عبادة يُثاب عليها صاحبها.
- اهتمام السلف بالنيَّة، قول عمر رضي الله عنه: لا عمل لمن لا نيَّة له، ولا أجر لمن لا حسبة له.
- تحذير المسلم أن يعمل عملًا صالحًا بنيَّة فاسدة.
- أهمية هجر المعاصي صغيرها وكبيرها «والمهاجر من هجر الذنوب والمعاصي».
- من سعادة المرء أن تكون مقاصده حسنة وأعماله صالحة: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110].
الحديث الثاني:
عن عمر رضي الله تعالى عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله عليه الصلاة والسلام ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وقال: «يا محمد، أخبرني عن الإسلام»، فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا»، قال: «صدقت»، فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: «فأخبِرْني عن الإيمان». قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، قال: «صدقت»، قال: «فأخبِرْني عن الإحسان»، قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، قال: «فأخبِرْني عن الساعة»، قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل»، قال: «فأخبِرْني عن أماراتها»، قال: «أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان»، ثم انطلق، فلبثت مليًّا، ثم قال: «يا عمر، أتدري من السائل؟»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «فإنه جبريل، أتاكم يعلمكم دينكم» رواه مسلم.
أهمية الحديث:
قال ابن دقيق العيد: هذا حديثٌ عظيمٌ اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة، وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه متشعبة منه؛ لما تضمنه من جمعه علم السُّنة، فهو كالأم للسُّنة؛ كما سُمِّيت الفاتحة أم القرآن لما تضمنته من جمعها معالي القرآن.
توجيهات الحديث:
- في هذا الحديث: أصول الدين ومراتبه، وآداب العلم وطلبه، وعلامات الساعة.
- بيان الحديث مراتب الدين الثلاثة:
- الإسلام: وهو الاستسلام لله تعالى، وأركانه خمسة.
- الإيمان: وهو التصديق بالقلب والنطق باللِّسان والعمل بالجوارح.
- الإحسان: وهو لغةً: الإتقان، واصطلاحًا ما بينه الحديث: «أن تعبد الله…».
- من أتى بهذه المراتب بلغ الكمال في العبادة.
- على المسلم القيام بأركان الإسلام قيامًا تامًّا بعد تعلمه أمور الدين.
- الإسلام والإيمان مختلفا المعنى عند ذكرهما جميعًا، وقد يطلق أحدهما ويُراد كلاهما.
- سعادة العبد في الدارين بإخلاص العبادة لله جل شأنه.
- يفيد الحديث اطلاع الله جل شأنه على أحوال العبد كبيرها وصغيرها.
- قيام الساعة لا يعلم وقته إلا الله عز شأنه، والعلامات الدالة على قربها منها: كون الولد سيدًا لأمِّه، التفاخر بتطاول البنيان، كثرة عقوق الولد لوالديه.
- ضرورة اهتمام المسلم بشؤون دينه وعقيدته وسلوكه وأخلاقه.
- بيان بعض آداب طلب العلم وهي: حسن الهيئة وجمال المنظر، حسن الجلسة أمام المعلم، الإصغاء لقول المعلم، الاستصغار للمعلم وإظهار الفائدة منه، أهمية السؤال والمناقشة بأدب جم.
- أهمية هذا الحديث بالنسبة للمعلمين ليحرصوا على إفادة التلاميذ.
- أهمية الدعوة إلى الله تعالى، وأنَّ الدَّاعية يهتمُّ بالأمور الأساسية في العقيدة والعبادات.
الحديث الثالث:
عن ابن عمر، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» رواه البخاري.
توجيهات الحديث:
- دين الإسلام يقوم على أسس وأركان معلومة وهي خمسة: الإقرار بوحدانية الله تعالى ورسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وإقام الصلاة، وهو الفارق بين الرجل والشرك، وإيتاء الزكاة لمن ملك نصابًا، صوم رمضان، حج بيت الله سبحانه.
- ضرورة اجتهاد المسلم في القيام بهذه الأركان لينال أجر الدنيا والآخرة.
- ليس الإسلام هذه الأركان فحسب، بل هي أسسه ودعائمه، وهناك أمور أخرى.
الحديث الرابع:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: حدثنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو الصادق المصدوق، قال: «إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله، وشقي أو سعيد، فوالله إن أحدكم -أو: الرجل- يعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها» رواه البخاري.
توجيهات الحديث:
- الأطوار الأساسية الثلاثة في خلق الإنسان؛ كونه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم تُنفخ فيه الروح بعد 120 يومًا.
- استنباط أهل العلم أن إسقاط الجنين لا يجوز بعد استقرار الحمل بمدة 120 يومًا.
- بيان تقدير المقادير على الإنسان قبل خلقه، وتسجيل أشياء أساسية منها في أثناء نفخ الروح، وهي: الرزق، ومدة الحياة، وعمل الإنسان، ومآله من السعادة والشقاوة.
- التحريض على العمل بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له».
- على المؤمن ألا يجعل القدَر حُجة تقعده عن العمل.
- إنَّما الأعمال بالخواتيم، فعلى المسلم ألا يغفل ساعة فلا يدري متى يأتي أجله.
الحديث الخامس:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد» رواه البخاري ومسلم.
أهمية الحديث:
قال النووي: هذا الحديث ينبغي حفظه وإشهاده في إبطال المنكرات.
توجيهات الحديث:
- كمال دين الإسلام ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: 3].
- ما زيد في دين الإسلام غير مقبول عند الله تعالى.
- ضرورة الاقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام في جميع الأفعال والتصرفات.
- الأصل في العبادات التوقيف.
- قبول العبادة بشرطين: الإخلاص والمتابعة.
- الخروج عن منهج رسول الله عليه الصلاة والسلام في سنته يعني الدخول في طرق الضلال.
- من آثار البدعة: اتهام الرسول عليه الصلاة والسلام بإخفاء بعض أمور الدين، السير على منهج الابتداع، البُعد عن طريق الرسول عليه الصلاة والسلام، عمل المبتدع يذهب هباءً منثورًا.
الحديث السادس:
عن النعمان بن بشير، قال: سمعته يقول: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: -وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه- «إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه، وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» رواه مسلم.
أهمية الحديث:
جعله الإمام أحمد من الأحاديث الثلاثة التي تبين أصول الإسلام.
توجيهات الحديث:
- وضوح أمور الدين: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: 89].
- موقف المسلم إذا لم يتبين حكم شيء معين من مستجدات: سؤال أهل الاختصاص، والابتعاد عن المتشابه حتى لا يقع في الحرام.
- الأصل في المعاملات والمطعومات الإباحة إذا لم يرد دليل شرعي خلاف ذلك.
- موقف الناس من المشتبهات: عدم التورع، فيقع في المهالك، والمتورع يسلم دينه.
- البُعد عن مواضع التهم.
- ضرب الأمثال لتصوير الأشياء وتقريب المعلومات للتلاميذ والمدعوين.
- القلب ملك الأعضاء فلا بد من صلاحه بالارتباط بالله وعمل الفرائض وغيرها.

حديث ابن عمر رضي الله عنه في محظورات الإحرام
يقول البلاغيون: إنَّ لكل مقام مقالًا، ولكل حدث حديثًا، وهذا العدد من مجلة الإرشاد يصدر في أيام الحج، فالمقام الحج،...

حديث ومعنًى: كل عمل ابن آدم يضاعف
مجلة الإرشاد للحرس الوطني عدد رمضان 1423هـ. يصدر هذا العدد المبارك من مجلة الإرشاد في هذا الشهر المبارك، والمسلم يتطلع...

جهاد المرأة: حديث ومعنًى
حديثنا هذا العدد يدور حول جهاد المرأة، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلتُ: يا رسول الله!...

حديث ومعنًى: فضائل تنفيس الكروب وآثارها
الحمد لله المنعم، والصلاة والسلام على النبي المعلِّم، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وبعد: فهذه وقفات مع حديث «من نفَّس...

حديث ومعنًى: «حقوق المسلم الستة»
روى البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول:...