الرسول القدوة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنَّ وجود القدوة الحسنة في الحياة ضرورة لا بد منها، ليحتذيها الإنسان ويكتسب منها المعالم الإيجابية لحركته في الحياة، سواء مع الله تعالى في أداء العبادات والفرائض، أو مع النفس وتزكيتها وتدريبها على الأخلاق الفاضلة، أو مع الأهل والأبناء في داخل الأسرة، من أجل بناء أسرة متماسكة، أو مع المجتمع من حوله في أمور الدين والدنيا، وهكذا.

ومن أجل ذلك جعل الله تعالى الرسول عليه الصلاة والسلام قدوة ونموذجًا يجسد الدين الذي أُرسل به، حتى يعيش الناس مع هذا الدين ورسوله واقعًا حقيقيًّا بعيدًا عن الأفكار المجردة، فكان هذا الرسول عليه الصلاة والسلام خير قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين ليكون منارًا لها إلى يوم القيامة، يقول تبارك وتعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً[الأحزاب: 21].

والرسول عليه الصلاة والسلام كان قدوة حسنة في مجالات الحياة المختلفة، ومن أهمها ما يلي:

أخلاقه في بيته:

لقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلق النبي عليه الصلاة والسلام حين قالت: «كان خلقه القرآن»، فانبثق سائر أعماله عليه الصلاة والسلام من هذا الخلق العظيم الذي أشار إليه القرآن الكريم: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ[القلم: 4]، وكان إظهار هذا الخلق واضحًا في بيته مع زوجاته وبناته، حيث كان يحدثهم بأطيب الكلمات وأرق التعبيرات، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويدخل السرور إلى قلوبهم، ويعدل بينهم، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله عليه الصلاة والسلام معه».

وتقول عنه أيضًا: «كان بشرًا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته، ويخدم نفسه». يفعل هذا وهو نبي الأمة وقائدها، يريد أن يعلِّم أمته من بعده أن الإنسان مهما علا شأنه واسمه يجب عليه ألا يتكبر ولا يتجبر، بل يحافظ على تواضعه وحلمه.

وكتب السيرة حافلة بمثل هذه الصفات الحميدة التي تميزت بها شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام في بيته بين أهله.

أخلاقه مع الناس:

كان عليه الصلاة والسلام على درجة رفيع من الخلق العظيم مع صحابته رضوان الله عليهم، فلم يكن يستعلي على أحد منهم، يقابلهم بالوجه الحسن المبتسم، ويكلمهم بأسلوب هادئ رزين، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، وكان يعامل الصحابة جميعًا معاملة واحدة، حتى يظن أحدهم أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام لا يعامل أحدًا بمثل ما يعامله من الرفق واللطف.

ثمَّ إنه عليه الصلاة والسلام كان يشاورهم في أمور الدعوة وفي الحروب، دون تمييز أو تفريق بينهم، عربًا كانوا أو عجمًا، فقد أخذ برأي سلمان الفارسي بحفر الخندق في غزوة الأحزاب، وجعل بلالًا مؤذنه الخاص وهو حبشي.

ويجب أن يلتفت الزعماء والمسؤولون والتجار والعلماء والموظفون وسائر الناس إلى هذا الخُلق النبيل الذي اتصف به الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجعلوه صفة دائمة في حياتهم مع الناس، فلا يتكبروا على عباد الله ولا يظلموهم ولا يغشوهم ولا يصعبوا أمورهم، فإن الاقتداء برسول الله عليه الصلاة والسلام يعني الاقتداء بأعماله كلها، حتى يطمئن الناس بعضهم إلى البعض، وتزداد ثقة بعضهم ببعض، فيزول من المجتمع البغض والكراهية، ويحل الوئام والمودة.

أخلاقه عليه الصلاة والسلام مع الصغار:

تروي لنا السيرة النبوية نماذج من أخلاقه عليه الصلاة والسلام مع الصغار والأطفال وعطفه وحنانه عليهم، فكان عليه الصلاة والسلام يلاعبهم ويمازحهم، وكان لا يغضب عليهم ولا يضربهم، حتى أحبه جميع الصبيان والأطفال، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان النبي عليه الصلاة والسلام يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأُتي بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله»، وكان عليه الصلاة والسلام يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: «يا زُوَينب…».

وإذا أصاب أحد هؤلاء الصغار مكروه، تجد الرسول عليه الصلاة والسلام يبكي عليهم ويحزن لمصابه، فقد رآه مرة سعد بن عبادة رض الله عنه وعيناه تفيض دموعًا، فقال عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله، ما هذا؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».

أخلاقه مع أعدائه:

لقد أدهشت العالمَ معاملة رسول الله عليه الصلاة والسلام مع أعدائه وهو متمكِّن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحم منه مع أعدائه رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والعذاب والتشريد، فعندما فتحت مكة، ودانت للدين الجديد القبائل والوفود، وصار جميع الأعداء الذين كانوا يحاربونه بالأمس ويحاربون دعوته تحت يده وتصرفه، نادى فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء».

وعندما ذهب إلى الطائف لعلَّه يجد من ينصره هناك، استقبله بنو ثقيف بالطرد ولحقه صبيانهم بالحجارة والشتائم، حتى دميت قدماه، جاءه ملك الجبال وقال له: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة والسلام: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا».

وما أحوج الناس إلى هذا الخُلق العظيم، في هذا العصر المتلاطم الأمواج، حيث حلَّت الوحشية محل الرحمة، والرذيلة محل الفضيلة، والنفاق محل الصدق والإخلاص، وجميعها معاول هدم ودمار على العالم، والمشاهد المأساوية التي نعاينها على مدار الساعة، ما بين القتل والتشريد والحرمان والفقر في العالم هي من نتائج غياب هذه الأخلاق والقيم التي وما أحوج الناس إلى هذا الخُلق العظيم، في هذا العصر المتلاطم الأمواج، حيث حلَّت الوحشية محل الرحمة، والرذيلة محل الفضيلة، والنفاق محل الصدق والإخلاص، وجميعها معاول هدم ودمار على العالم، والمشاهد المأساوية التي نعاينها على مدار الساعة، ما بين القتل والتشريد والحرمان والفقر في العالم هي من نتائج غياب هذه الأخلاق والقيم التي جاء بها رسول هذه الأمة عليه الصلاة والسلام، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.